فى ضعف «الاحتجاج» - امال قرامى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى ضعف «الاحتجاج»

نشر فى : الإثنين 16 مايو 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 16 مايو 2016 - 9:50 م

يبادرنا سؤال لجوج ونحن نتابع خطابات السياسيين ومن دار فى فلكهم: هل يقرأون؟ هل يمارسون تجربة القراءة ووفق أية آليات؟ ثم ماذا يقرأون؟ وكيف يقرأون؟ فبالرجوع إلى أغلب ردود الفاعلين السياسيين ومن والاهم ودافع عن خيارتهم وسياساتهم نتبين أننا نفتقر إلى نموذج السياسى المثقف، ونسير باتجاه مأسسة الجهل.


فالبعض يصوغ خطابا قد «أكل عليه الدهر» فصار باليا وفاقدا للنجاعة ينهل من مفردات شاعت فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينات، وكأن الوقوف على الأطلال صار هواية وحرفة. ويحدث أن يشذ البعض فيوهمك بأنه متأصل فى ثقافة العصر ملم بمختلف التجارب هنا وهناك، مولوَع بالمصطلحات الفضفاضة يوشى بها خطابه ليمنحك الانطباع بأنه متشبع بفروع المعرفة المتعددة فينطبق عليه النعت: منتحل الصفة: صفة المثقف. أما الصنف الثالث فإنه يعيش مرحلة المراهقة السياسية يتردد ويتقلب على أكثر من وجه ينوس بين موقعين ويأبى الاعتراف بقصوره المعرفى وعدم قدرته على ملازمة الكتاب والتدرب على فن الخطابة ومنطق الاحتجاج.


***

وحتى لا تُصنف ملاحظاتنا فى خانة الانطباعات الشخصية نسوق أمثلة من ردود فعل السياسيين خلال هذا الأسبوع على مبادرة اختيار تقسيم المنابات بالتساوى بين الجنسين التى تقدم بها النائب معز بن غربية لمجلس الشعب. فالبعض ركز تدخله على «الحفر» فى هوية النائب مغيبا بذلك مضمون المبادرة. وبدل النظر فى التصور المطروح صار الحديث عن ماضى هذا النائب الذى «يدينه» فقد كان قريبا من حزب النهضة ثم انتمى إلى الكتلة الديمقراطية، ومعنى هذا أن مبادرته ليست إلا محاولة للتطهر من أدران الماضى.


ورأى آخرون أن البلاد تعيش على وقع الإرهاب وما الدعوات إلى المساواة فى الإرث إلا محاولة لإلهاء الناس عن المشغل الرئيسى: مقاومة الإرهاب. وهكذا صار الحديث عن المركزى والهامشى، الجدى والهزلى، الأولويات و«التقليعات»، ما يوحد فى مقابل ما يحدث الفتنة. وغاب عن هؤلاء النظر فى سؤال جوهرى: من يحدد الأولويات؟ من يضبط زمن تقديم المبادرات؟ ومن يقيم متى تثار هذه المطالب؟ ألا تتجاور فى عصر ما بعد الحداثة المتناقضات؟ ألم تتغير مواقع الفئات التى كانت تضرب عليها الوصاية؟ ألسنا إزاء حركات امتلاك الصوت؟


ومال آخرون إلى التخفى وراء النص الدينى والأحكام القطعية الدلالة وثوابت الإسلام والمقدس، والمرجعية الإسلامية، متعالين على السياقات وتاريخية الأحكام، والاعتبارات الاجتماعية مغيبين حقائق معيشة: ألم تتعطل آيات كثيرات تخص المؤلفة قلوبهم والسارق والرقيق وجلد الزانى؟ فلما يتحقق الإجماع عندما يتعلق الأمر بحقوق النساء؟


وسعى آخرون إلى سد المنافذ أمام الخصوم باتهامهم بالخروج عن النص والأعراف والخصوصيات الإسلامية وإحداث الفتنة بين المسلمين وإلهاء الناس عن الانحسار الذى بلغته تجربة التحول الديمقراطى وفشل حكومة «الصيد» فى مواجهة التحديات والمأزق الذى وصله حزب النداء. وبذلك تم الخروج من مأزق مواجهة الفكرة بنقل النقاش من موقع إلى آخر.


***

توضح هذه العينات أننا إزاء سياسيين غير قادرين على تجديد خطاباتهم غير ملمين بقواعد الاحتجاج تعوزهم القدرة على إعمال العقل والتدبر فى منطق الأشياء. ولعل ما يسترعى الانتباه أن إطلاق هذه المبادرة يتزامن مع موعد انعقاد مؤتمر النهضة الذى أعلن عن مراجعات وخيارات جديدة لعل أهمها «فصل الدعوى عن السياسى» ولكن الناظر فى ردود فعل قيادات النهضة من الرجال والنساء ينتبه إلى الخطاب المكرر والمختزل والحجج التى ما عادت تصمد أمام النقاشات المعرفية الجادة وليس الاحتجاج بالوفاء إلى المرجعية الإسلامية إلا وسيلة للبحث عن مخرج، ولكن أنى لنا أن نتقبل ذلك والخيارات التى تبنتها النهضة كالموافقة على قانون يخص بيع الخمور، تتعارض مع المرجعية الإسلامية؟


***

لا مناص من الاعتراف بأن الإشكال يكمن فى هذا التأرجح بين دستور يقر بالمساواة والحريات والعدالة والكرامة، وواقع تسيره النخب السياسية وفق منطق التفاوض لحفظ ماء الوجه ورعاية المصالح الحزبية وتلميع الصورة وليس رفع المصاحف إلا علامة على وجود مأزق معرفى عميق.

التعليقات