حسناء إسطبل عنتر - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حسناء إسطبل عنتر

نشر فى : الأحد 16 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 16 يونيو 2013 - 11:35 ص

التصدى لمحاولات فرض ثقافة بعينها يكون أيضا بالثقافة، ففى اليوم نفسه بل وتقريبا التوقيت ذاته الذى قرر فيه أحمد المغير وزملاؤه من التيارات الإسلامية الهجوم على المثقفين المعتصمين بوزارة الثقافة ومن جاء ليساندهم، كانت هناك فتاة من منطقة إسطبل عنتر العشوائية، لا يتجاوز عمرها الثالثة عشرة، تحلم بأن تكون مخرجة وصانعة أفلام على غرار يوسف شاهين، وتتحدث عن أعماله كالعصفور، وهى تكاد لا تفهم ما فيها، لكنها تريد أن تصل لعالميته.

 

لم أفهم سر تعلقها بنموذج «العصفور»، وهو الفيلم الذى تناول نكسة 67، وانتهى بمشهد بهية التى ترمز لمصر وهى تسير وسط الجموع رافضة الهزيمة وتصرخ «ح انحارب.. ح انحارب»، ولم أتمكن من مناقشة الصغيرة رشا السيد حول معانى الفيلم نظرا لشدة الضجيج الذى أثاره أطفال الحى خلال حفل نظمته مبادرة «العمل للأمل» التى أطلقتها مؤخرا مؤسسة المورد الثقافى لإغاثة الأماكن المأزومة.

 

●●●

 

الحفل جاء فى نهاية المهمة التى أداها بنجاح فريق المتطوعين والناشطين الثقافيين بالتعاون مع جمعية تواصل لتنمية إسطبل عنتر، إذ مكثوا هناك أكثر من عشرة أيام لتدريب الأطفال على الموسيقى والغناء والمسرح والسينما والتصوير الفوتوغرافى، وتواصلوا مع الأهالى بشكل يختلف تماما عن طريقة مساعد رئيس الجمهورية للتواصل المجتمعى ــ د.عماد عبدالغفور ــ الذى ذهب للتفاوض مع المثقفين المعتصمين فى الوزارة فرفضوا لاقتناعهم بعدم جدوى الحوار.

 

ببساطة كان الحوار مع أهالى عزبة خير الله وإسطبل عنتر حوارا من القلب، فهى من المرات القليلة التى نتحدث فيها عن هؤلاء دون أن يتعلق الموضوع بالإخلاء القسرى للعشوائيات أو البلطجة أو موت أحدهم أثناء التنقيب عن الآثار.. نعم الآثار.. فهذه المنطقة، التى ظهرت قبل أربعين عاما والتى تمتد من هضبة الزهراء بحى مصر القديمة حتى كورنيش المعادى والتى يسكنها نحو 650 ألف نسمة، تحتوى على آثار ومنها الجبخانة أو (مخزن الذخيرة بالتركية) التى أقيم إلى جوارها الحفل الختامى ــ المجانى والذى أحى معظمه أطفال العزبة.

 

وكان من المقرر أن يقام بداخل الجبخانة إلا أن وزارة الآثار طالبت بأكثر من 22 ألف جنيه فى الليلة الواحدة، فأكتفى المنظمون بـ«التمحك» فى سورها الحجرى الضخم. بوابات الجبخانة تحيط بها العشوائيات من كل جانب، وربما يرجع تعلق الطفلة رشا بالمخرج يوسف شاهين أنها سمعت ما يُروى حول تصويره لفيلم «صلاح الدين» بهذه المنطقة، أما تسمية «إسطبل عنتر» فربما ترجع لفيلم آخر تم تصوير أجزاء منه هناك فى مطلع الستينيات وهو «عنترة بن شداد» بطولة فريد شوقى.

 

●●●

 

رشا بضفائرها الكستنائية وعينيها اللتين تحملان الكثير من التحدى والاصرار والجرأة بها ملامح من «بهية».. ذكية، تعرف ما تريد، خفيفة الظل، بها «لماضة» وشقاوة بنات البلد، تعاتب أم الأطفال التى أنزلت أولادها من على المسرح خلال العزف والغناء خوفا عليهم بسبب إشاعة أطلقتها جارتها «كذب.. كسفتيهم»، تجلس الأم بعدما هدأت لتستمع بالأصوات العذبة وتعتذر لأبنائها الذين ذاقوا حلاوة الفن.

 

هؤلاء هم من سيتصدون يوما لثقافة الزيت والسكر، لأنهم جربوا غيرها، حتى لو أصبحت لدينا وزارة ثقافة لا تعرف حدود دورها ولا ماهيته، على أية حال فالبساط ينسحب من تحت أرجل الثقافة الرسمية منذ سنوات، ولم يعد هناك مجال للتراجع، وسيكون على الدولة إن عاجلا أو آجلا الاكتفاء بدور الراعى الرسمى للثقافة وواضع التشريعات التى تحمى حرية التعبير والإبداع والحفاظ على ذاكرة الأمة، فالزمن لا يمشى للخلف.

التعليقات