قبل أن يأتى مايك بنس - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل أن يأتى مايك بنس

نشر فى : الأحد 17 ديسمبر 2017 - 9:05 م | آخر تحديث : الأحد 17 ديسمبر 2017 - 9:05 م
كنت أتمنى أن ترفض القاهرة استقبال نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس الذى سيزور مصر والأردن وإسرائيل بداية من غد الثلاثاء، حتى تصل رسالة حقيقية للإدارة الأمريكية، بأن مصر ــ أكبر دولة عربية ــ تعارض قرار الرئيس دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده فى إسرائيل إلى القدس العربية المحتلة.
لكن التمنى شىء، والواقع شىء آخر، وأعلم ويعلم كثيرون أن قدرة القاهرة هذه الأيام على رفض استقبال نائب الرئيس الأمريكى صعبة إلى حد كبير، وتكلفها ما لا طاقة لها به، كما لم يحدث أننا فعلنا ذلك منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضى.
ليست القاهرة فقط هى التى تجد نفسها فى هذا الموقف الصعب، بل غالبية العواصم العربية، الفاعلة منها وغير الفاعلة، بل إن هناك عواصم تجهر برفض «الاستكبار الأمريكى» وتتمنى أن تبتسم لها واشنطن.
أقصى ما وصلنا إليه فى هذه الأزمة أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وبطريرك الكنيسة المرقسية البابا تواضروس قررا رفض الجلوس مع المسئول الأمريكى، وهو موقف جيد ومحترم، ولا أتصور أنه كان بعيدا عن مشاورة الدولة. هى رسالة جيدة إلى الإدارة الأمريكية، لكنها غير كافية، مادام بنس سيجرى استقباله على أعلى مستوى.
وإذا كان السادات قد قال إن ٩٩٫٩٪ من أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة، الأمر الذى دفعه لزيارة القدس عام ١٩٧٧، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد لاحقا مع إسرائيل، فإن غالبية بلدان المنطقة، ومن بينها مصر، لم تفعل أى جهد حقيقى لاسترداد أوراق اللعبة، أو بعضها لتصبح فى يدها، أو حتى على الأقل، نعيد توزيعها على بقية القوى الكبرى مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبى وبعض القوى الإقليمية فى المنطقة.
الذى حدث عمليا أن أوراق اللعبة الخاصة بعملية السلام لم تعد فقط، فى يد الولايات المتحدة بل ومع إسرائيل، التى تعربد كما تشاء، وانتهى الأمر بأن «الراعى والشريك الأمريكى» ــ كما يحب بعض العرب أن يطلقوا عليه ــ قد فاجأ شركاءه وأصدقاءه، وانحاز علنا وبطريقة سافرة لإسرائيل فقط. للأمانة هذا الراعى لم يخدعنا، هو منحاز لإسرائيل منذ زرعها فى المنطقة عام ١٩٤٨، نحن فقط لم نكن نريد أن نرى الحقيقة، ونوهم أنفسنا بأن هذا الشريك يتعامل بيننا وبين إسرائيل بالعدل والقسطاس!!.
لن نزيد فى تشخيص الواقع الذى نعلمه ونعيشه ونتنفسه كل لحظة. لكن.. وبما أن الحكومات العربية لم تعد قادرة على رفض استقبال أى مسئول أمريكى، فعلى الأقل يمكننا أن نقول له كلاما واضحا بأننا نرفض ليس فقط قرار ترامب، ولكن جوهر الموقف الأمريكى، الذى صار فعليا يزايد على موقف اليمين الإسرائيلى المتشدد. لدرجة أن مواقف العديد من قادة وأنصار حزب العمل الإسرائيلى صارت أكثر تقدما من مواقف بعض أعضاء إدارة ترامب، خصوصا سفيره فى إسرائيل ديفيد فريدمان، الذى يكاد يقضى معظم وقته باكيا أمام حائط البراق أو «المبكى» فى القدس المحتلة، وصار يزايد على مواقف بعض أعضاء حكومة نتنياهو بشأن الاستيطان فى الضفة الغربية.
الحد الأدنى الذى يفترض أن نفعله أن نقول لبنس خلال زيارته إننا لن نقبل أو نبارك أو نشارك فى تمرير قرار نقل السفارة، تحت أى مسمى، خصوصا لو كان استئناف عملية التفاوض المتوقفة فعليا منذ عملية مدريد عام ١٩٩١، وأننا نرفض احتواء الغضبة الفلسطينية ضد القرار، ولن نقبل أى مبررات أمريكية استمعنا إلى كثير منها طوال السنوات الماضية.
علينا أن نقول لبنس وإدارته إن ما يفعله ترامب يصب عمليا فى صالح داعش وأمثالها، ويؤجج الصراع الدينى والمذهبى فى المنطقة ويطلق عقال المتطرفين فى كل مكان. سيقول البعض: ولماذا تفعل ذلك مصر، فى حين أن بقية الدول العربية منشغلة بمشاكلها ومصالحها، ولماذا تدفع مصر فقط الثمن دائما؟!.
الإجابة ببساطة: لأن هذا الموقف لا يعنى فقط الدفاع عن عروبة فلسطين والقدس، بقدر ما هو دفاع عن الأمن القومى المصرى. هيمنة إسرائيل على القدس وفلسطين بالصورة التى تخطط لها، تعنى أن الدور قادم علينا وعلى كل المنطقة، والإجهاز على ما تبقى مما كان يسمى الأمة العربية!، فهل نحن منتبهون؟!!.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي