ساسة المنتصف - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ساسة المنتصف

نشر فى : الثلاثاء 17 ديسمبر 2019 - 10:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 ديسمبر 2019 - 10:40 م

تجاذبت حوارا مع صديق لى مهتم بالشأن البريطانى، وهو خبير فى تقلباته السياسية، سألته لماذا استطاع حزب المحافظين برئاسة بوريس جونسون أن يحرز نصرا انتخابيا ساحقا لم يتذوق طعمه منذ عهد رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر؟ ونظرا لأن صديقى من أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى ــ التى جعلها المحافظون قضيتهم الأساسية ــ فقد سعد بنتيجة صندوق الانتخاب، لكنه أشار إلى قضية مهمة هى اختفاء الكاريزما من السياسة، فلم يكن الشخص المنافس جيريمى كوربن على قمة حزب العمال يمتلك ملكات خاصة، بل يقف فى المنتصف، وموقفه من القضية الأساسية المهيمنة على السياسة البريطانية وهى الخروج من الاتحاد الأوربى الغائم، ولا تحيط به هالة من الاعجاب السياسى، ويتبنى مواقف يسارية حالمة سببت قلقا للأوساط المالية. بالطبع لم يشفِ غليل حزبه اعتذاره عن أسوأ نتيجة انتخابية منى بها منذ عام 1935، لكن ذلك فتح الباب للحديث عن مقومات «الساسة» التى باتت الجماهير تتطلع إليهم فى ظل غياب الكاريزما. أولا: تبنى خطاب حاسم، حتى لو يحوى تحديا أو استفزازا لقطاع من الجماهير، ثانيا: الابتعاد عن المواقف الوسط، أو تبنى لغة الساسة التقليديين التى تفتقر إلى الوضوح، وتميل إلى المواربة والالتفاف، بل إعلان المواقف مجردة عارية من كل عوامل التجميل، ثالثا: البحث عن القضايا الأساسية التى تهم الجماهير، وتشغل بالهم، وتؤرق تفكيرهم، وإعلان الموقف منها بشكل يهدئ روع الكتلة الأساسية من الناخبين، ويدفعها إلى التصويت لصالح أصحاب هذا الموقف، وهو ما يعنى الابتعاد عن السباحة فى فضاء الاحلام أو المواقف الايديولوجية الجامدة. بعض هذه المواصفات تنبطق على القادة الشعبويين الصاعدين الذين يلعبون على احباط الجماهير من المشاكل الآنية، وفقدان الثقة فى المؤسسات السياسية.
سألت صديقى: هل يمكن أن نرى قيادة على شاكلة «تونى بلير» له كاريزما، يلملم أشلاء حزب العمال، ويعيد بعثه فى الحياة السياسية؟ اجاب دون تردد: لا توجد هذه النوعية من الساسة لا فى حزب العمال ولا فى غيره، فقد انتهى عهد الساسة الذين يمتلكون الكاريزما أو الملكات المؤثرة فى العلاقة مع الجماهير. تذكرت المشهد الذى أعلن فيه تونى بلير فى التسعينيات من القرن الماضى فوزه فى الانتخابات، خطابه المؤثر، وإعلانه هزيمة حزب المحافظين بعد أن سلمت مارجريت تاتشر الراية لخليفتها جون ميجور. أيا كان رأينا فى مواقفه السياسية، أو التبعية التى غلبت على علاقته بواشنطن، فقد كان سياسيا محترفا، امتلك قدرات جعلت حزب العمال يظل مؤثرا على الساحة السياسية لعدة انتخابات متعاقبة، ولم يهزم إلا عندما تركه، تماما مثل حزب المحافظين الذى هزم بعد أن غادرته مارجريت تاتشر.
السياسة البريطانية، مطبخ سياسة العالم كما يحلو للبعض وصفها، فيها الكثير من المد والجذر، والمزاج الانتخابى متغير، يستدعى المحافظين حينا، ويعلى من شأن العمال حينا آخر، أو يبحث عن حزب ثالث إلى جوارهما، ولكن دعنا نتفق على أن غياب الشخصيات المؤثرة ذات الكاريزما بات يشكل أحد ملامح السياسة حتى فى الديمقراطيات العتيقة.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات