من سوريا.. برقية مستعجلة - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من سوريا.. برقية مستعجلة

نشر فى : الأحد 18 نوفمبر 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الأحد 18 نوفمبر 2012 - 8:35 ص

أعرف أن المرحلة حساسة والظروف مصيرية، ولم يعد بوسعنا الوقوف على الحياد... خاصة عندما يتعلق الأمر باللاجئين السوريين الذين تتوقع الأمم المتحدة أن يصل عددهم إلى نحو 370 ألفا مع نهاية العام الحالى، هذا بخلاف الأعداد التى خرجت بشكل غير رسمى والتى لا يمكن حصرها. لذا قررت مجموعة من الناشطين الثقافيين والصحفيين، بمبادرة مستقلة من مؤسسة المورد الثقافى، أن يتجهوا إلى تركيا التى تضم نحو 13 مخيما للاجئين، وتحديدا إلى الحدود التركية ــ السورية، قبل الدخول إلى مدينة إعزاز بريف حلب وعبور باب «السلامة» الذى يتحول فى كثير من الأحيان إلى «سكة اللى يروح ما يرجعش»... لنجد أنفسنا فى بلد أصبح فيه القتل حلالا والفن حراما، وذلك خلال سنتين من الدمار والثورة... الطفلة مؤمنة التى عرفناها تغنى على اليوتيوب، يحملها البعض على الأكتاف، تحولت إلى لاجئة صغيرة بمخيم كلِس على الحدود التركية... وأطفال آخرون يلعبون بمدينة إعزاز مرددين: «تكبير.. والنبى كبير.. شبيح ومخبر..»، وعندما يشتد ببعضهم الضيق يصبون جم غضبهم على الشيعة بحكم انتماء بشار للطائفة العلوية وينشدون أغنية «يا إيرانى» التى تقطر كلامتها بالكراهية، فما بالك عندما يتصادف أن يحمل أحدهم اسم «بشار»... قد يعرف فى لحظات معنى سوء العاقبة وبئس المصير.

 

الوفد الغير رسمى الذى ضم 17 شخصا أغلبيتهم من المصريين، (باستثناء الفلسطينى خالد حورانى واللبنانية حنان الحاج علي)، والذى شرفت بالانضمام إليه فى اللحظات الأخيرة، خاض ما أسميناه بمعركة الكراتين، أو ما أطلقنا عليه أيضا «غزوة الصناديق الثانية»! فقد حملنا معنا أكثر من عشرين كرتونة ( حوالى800 كيلو) من التبرعات، كتب ولعب أطفال وملابس صوفية وأغراض أخرى بشكل رمزى إلى أشقائنا السوريين، فلم تزل مصر تحتفظ لديهم برصيد من القوة الناعمة. على مدى ساعتين بمطار القاهرة عملت المجموعة على تغليف الصناديق بالبلاستيك والشرائط اللاصقة، فالحبال العربية لا تصلح إلا للمشانق! وجميع الثورات فى العالم الثالث تسير وراء بعضها البعض كالكشافة فى الطريق نفسه إلى المصير نفسه، كما قال الكاتب السورى الراحل محمد الماغوط منذ سنوات فى تعليق على الثورة الإيرانية.

 

لحظات طويلة من الترقب مررنا بها فى تركيا، أولا بمطار اسطانبول عندما حاولنا إقناع الموظفين بضرورة دخولنا بكل هذه الكراتين مستخدمين لغة الإشارة فى معظم الأحيان والقليل من الإنجليزية... يجىء موظف ثم يأتى بزميل له ويحملقون فى خطاب «تسهيل مهمة حامله» الذى حصلنا عليه من الخارجية التركية، نحمل الصناديق من مطار إلى آخر، إذ انتقلنا بعدها بالطائرة إلى غازى عنتاب ومنها بالسيارة إلى مدينة كلِس الحدودية... لحظات أخرى من الترقب، أمام بوابة المخيم... عندما رفض القائمون عليه فى البداية دخولنا وطالبوا بتصريح آخر يستلزم استصداره أسبوعين... ثم تنفرج الأزمة بعد شرب كوبين من السحلب على باب المخيم واتصالات بسمة الحسينى بالسفارة التركية بالقاهرة، فالله أعلم بحالنا وحال من ذهبنا لزيارتهم.

 

مللنا الصبر ومللنا رعب الطائرات ونوم الأطفال فى حجر الأمهات وتفتيش الأشياء الحميمية أمام الملأ. الكل له حساباته الداخلية والخارجية والاقتصادية والأمنية والدينية والإعلامية....حتى فلت الزمام من اليد فى سوريا، ولا أحد يبالى. جنون وهذيان، ولا أحد يبالى.

 

«اذكرى اسمى، لا فرق عندى، فأنا أصلا مطلوب»، «لدى أكثر من أخ فى الجيش الحر»، «الإخوان فى سوريا رصيدهم ضعيف»، «السلفيون لدينا ليسوا كالآخرين»، أو «تعى (تعالي) عندنا»، جمل تكررت كثيرا خلال الأحاديث الجانبية... عنوانين الأفراد تحولت إلى أرقام وأحرف تشير إلى الكرافان الذى يسكنون.. ومجرد اللعب مع الأطفال يكشف عن ألم عميق وتحول فى الطبيعة السورية سيمتد لسنوات، لا نستطيع تجاهل ألغاز المنطقة، ولكننا لا نستطيع أيضا حل كل الكلمات المتقاطعة بمجرد زيارة. يخفق الغسيل لا مباليا على واجهة الكرافانات... ذهب زمن «وحدة لا يغلبها غلاب» إلى غير رجعة، ووجدنا أنفسنا نغنى مع مادو (محمد عبد العال، أحد المشاركين فى الوفد) «طز!» ونحن فى طريقنا للعودة إلى القاهرة «طز فى اللى فوقنا اللى خربوا بيتنا.. طز فى النظام اللى ذل عيلتنا.. طز!». وتزامن مع رجعونا لمصر اشتباكات فى حلب مع الجيش النظامى فى الثالثة صباحا، أى وقت وصولنا المطار... نستلم الحقائب وفى الوقت الذى نلتقطها من على السير يسيطر المقاتلون المعارضون فى حلب على مستشفى الكندى والحاجز العسكرى الأخير للقوات النظامية فى شمال المدينة، وبعدها بساعات يندد نظام بشار باجتماع المعرضة السورية فى الدوحة ويعتبره «اعلانا للحرب».

التعليقات