العدالة الاجتماعية بالألوان الطبيعية - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العدالة الاجتماعية بالألوان الطبيعية

نشر فى : الأحد 18 نوفمبر 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الأحد 18 نوفمبر 2012 - 8:35 ص

قضيت نهارا كاملا لفك طلاسم المربعات، والمثلثات، والمستطيلات، والجداول الملونة، والأسهم الزرقاء الصاعدة، والأخرى الحمراء الهابطة التى حواها بيان حكومة الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء قبل أن افهم أن كل هذه الأشكال الهندسية تهدف إلى إقناعنا بأننا بعد 7 أشهر من الأن سنحقق انتعاشا اجتماعيا. وبعدها بعام واحد ستتحقق لنا النهضة، وبعد ثلاث سنوات سننطلق، ومن سيبقى على قيد الحياة بعدها ملازما للدكتور قنديل فى مشواره، سوف يعيش مرحلة النهضة الشاملة فى عام 2022.

 

وبصعوبة شديدة بعد أن أنتهيت من المرور عبر سيل من العبارات النمطية التى تبدو فاقدة للمعنى، دخلت إلى صلب البيان. فمن بين مستهدف الحكومة الوصول إلى «مجتمع عادل» يتمتع فيه جميع المواطنين «برغد العيش». فتحت عينيى عن أخرهما وعدت لأحدق فى العبارة ثانية «مجتمع عادل» و«رغد العيش» لجميع المواطنين. ورحت من باب الفضول أبحث عن هذا «الرغد» الموعود فى سطور الخطة المدهونة بالألوان الطبيعية. كان هدفى الوصول إلى ذلك الرغد المتعلق بمن لارغد لهم، وليس لهؤلاء الذين يزيد رغدهم عن الحد.

 

فقلت لعل رئيس الوزراء كان يقصد «برغد العيش» زيادة دعم العيش، وهو الملاذ الأخير لملء البطون الجائعة للملايين من المصريين، فوجدت أن البيان يشير إلى أن دعم رغيف العيش انخفض فى العام المالى الحالى بمقدار 465 مليون جنيه عن العام الماضى. صبرت نفسى بالقول بأن «رغد العيش» ليس بالضروة أن يتحقق عبر التهام المزيد من العيش الحاف، ولكنه ربما يتحقق إذا زادت الحكومة من الأموال المخصصة لدعم المكرونة، والأرز، والسكر، والشاى، والزيت التموينى لزوم الرغد. إلا أن جداول الدكتور قنديل الملونة أظهرت أن دعم السلع التموينية انخفض هو الأخر فى العام الحالى بمقدار 3.2 مليار جنيه. وبحثا عن مزيد من الرغد قلت ربما زادت الحكومة من دعم القروض الميسرة للإسكان الشعبى فوجدت أنها أقتطعت من هذا البند فى موازنة العام الحالى 38 مليون جنيه، عما كان عليه فى عام الثورة. ولكن قد يكون المقصود «برغد العيش» هو تحسن مستوى المياه التى يشربها المواطنون المحرومون من شرب المياه المعدنية لضيق ذات الجيب، فوجدت أن الدعم الموجه لمياه الشرب ثابت منذ العام السابق للثورة وحتى الآن.

 

خشيت أن أكون كمن يتصيد لحكومة الدكتور قنديل، فوجدت من الأفضل أن أبتعد عن موضوع «رغد العيش» هذا، وأبحث عن هدف الحكومة الأخر، النبيل أيضا، وهو المجتمع العادل. خاصة أن الخطة تحدثت بالحرف الواحد عن التطبيق الصارم للحد الأدنى والأقصى للأجور. الذى تقول الحكومة إنه بدأ فى تطبيقه بالفعل فى يناير الماضى. ولكن يبدو أن الحكومة قد خانها التوفيق، وكان من الأفضل لها ألا تورط نفسها فى الحديث عن التطبيق الصارم للحدين الأدنى والأقصى، وهى تدرك تمام الإدراك أن التطبيق ليس بالأمر الهين، أمام قوانين أصدرها مجلس الشعب قبل الثورة لكثير من الهيئات. وجعلها هيئات مستقلة، وأعطى مجالس إداراتها الحق فى وضع اللوائح المالية دون التقيد بالقواعد الحكومية. ومن أمثلة تلك القوانين ما يسرى على هيئة مثل «الهيئة القومية لضمان جودة التعليم» التى سن رئيسها وأعضاء مجلس إدارتها لأنفسهم وضعا قانونيا يجعلهم فى منأى عن الحد الأقصى للأجور. وجعل مكافأة الإجتماع الواحد ألف جنيه.

 

فهل الذى كتب بيان الحكومة متحدثا عن تطبيق صارم، يستطيع أن يكون صارما فى مواجهة رئيس «الهيئة القومية لضمان جودة التعليم» الذى تقاضى فى عام واحد مليونا و700 ألف جنيه. وحصل نائبه على 800 ألف جنيه فى ذات العام، ونائب آخر كان نصيبه من المكافآت السنوية فقط نصف مليون جنيه. فى وقت لم يقر فيه رئيس الجمهورية حتى الآن حد أدنى لأجور الآلاف من المدرسين الذين مازال فيهم من يعمل بالحصة بـ 200 جنيه فى الشهر. وهو أقل من ربع مكافأة حضور اجتماع واحد لأعضاء هيئة الجودة. وهذه الهيئة ليست المثال الوحيد على أن التطبيق الصارم للحد الأقصى ليس إلا لونا من الألوان الطبيعية التى يحفل بها البيان.

 

ويبدو أن الحقيقة تاهت وسط ألوان الخطة فلم نعرف أى مجتمع عادل هذا الذى ينتظرنا مع حكومة قنديل، عندما يكون الموظف فى الحكومة والقطاع العام الذى يحصل على 750 جنيها فى الشهر لن يجد له مهربا من دفع 10% ضريبة على دخله. بينما الذى يدخل جيبه ملايين من صفقة رابحة فى البورصة يجد فى الحكومة من يدافع عن حقه فى ألا يخرج من جيبه مليما واحدا كضريبة، حتى لا يتعكر مزاجه الاستثمارى. ونفس المجتمع العادل الذى تقصده الحكومة هو الذى يسن قانونا لا يعفى من يحصل على 416 جنيها فى الشهر من دفع الضريبة، بينما الشركات العاملة فى المناطق الحرة، والاقتصادية، وصناديق الاستثمار، والأرباح من التوزيعات على أسهم الشركات كلها معفاة من الضرائب بذات القانون.

 

ويبدو أن ثوب العدالة الاجتماعية لدى الحكومة فضفاض لدرجة أن الخطة تنص على أن رجال الأعمال يحصلون على دعم الصادرات الذى يزيد على 3 مليارات جنيه سنويا بشرط المشاركة المجتمعية. وهى تدريب عمالة لمدة 6 أشهر دون أى التزام بتعينهم. فضلا عن أن الحكومة تدفع مكافأة تدريبهم من الموازنة. وربما هذا يشرح لنا ماتحدثت عنه الخطة من خلق فرص عمل لـ700 ألف فرد قبل نهاية العام الحالى. فيبدو أن هذه الفرص هى فى معظمها فرص تدريبية لدى القطاع الخاص الذى فصل منذ الثورة وحتى الآن مئات العمال من وراء ظهر المشاركة المجتمعية. هكذا حال العدالة الاجتماعية عندما تكون بالألوان الطبيعية.

 

وبعيدا عن هدف المجتمع العادل والذى يعتريه شك كبير، فخطة الحكومة حافلة بالأهداف النبيلة الأخرى من قبيل «تحقيق الوصول إلى مجتمع منتفض ضد الاستبداد والتخلف والفساد، وغير متردد فى مواجهة أزماته». ياله من حكومى مبدع من صاغ هذا المعنى. ولا أعرف ما إذا كانت هى المصادفة أم العمد أن تناقض الحكومة نفس الهدف فى ذات اليوم، الذى تعلن عن تبنيها له. فالحكومة التى أعلنت عن تبنيها هدف مجتمع منتفض هى ذاتها التى تحدت عمال مترو الأنفاق الذين انتفضوا بالفعل ضد الثالوث (الاستبداد، والتخلف، والفساد) دون أى تردد فى مواجهة أزمة يعرفون مدى عمقها. وهى أن الجمهور يقف ضدهم بالرغم من أن إضرابهم كان يحمل شعارا عبقريا يخاطبون به جمهورهم اليومى من الركاب «من أجل جمهورنا اعتصمنا، لنضمن لكم وسيلة نقل آمنة، نعتصم ضد إهمال أعمال الصيانة، وسوء التشغيل. نحن نعمل من أجلكم». وبينما عمال المترو ينتفضون ضد رئيسهم ويقدمون ضده مستندات يتهمونه فيها بالفساد. نجد الحكومة ترد ردا مرتبكا بمكافأة رئيس شركة المترو بكرسى مستشار وزير النقل. فى نفس الوقت الذى يحوله فيه الوزير إلى التحقيق بمخالفات مالية. وتحول قادة الإضراب للتحقيق هكذا تفهم الحكومة معنى الانتفاض ضد الفساد.

 

وبالرغم من أننى راهنت أصدقائى الذين أصابهم الملل بعد أن قرأوا مرحلة الانتعاش الإجتماعى، وتحديتهم بأننى سأواصل قراءة خطة الدكتور قنديل حتى مرحلة النهضة الشاملة. إلا أننى خسرت الرهان، وقلت لهم «يامين يعيش لـ 2022».

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات