يعيثون فى الأرض فسادًا - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يعيثون فى الأرض فسادًا

نشر فى : الجمعة 19 فبراير 2010 - 9:56 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 فبراير 2010 - 9:56 ص

السؤال الذى يتبادر إلى الأذهان ويتداوله الناس فى أحاديثهم دون أن يجدوا إجابة شافية من المسئولين أو من أجهزة العد والرصد التى تملأ بلادنا، هو كيف يحصل البعض على أراضى الدولة ثم يعيدون توزيعها وتخصيصها على هواهم.. على زوجاتهم وأولادهم ومعارفهم وأصحابهم من رجال الأعمال، ويعتبرون ثروة الشعب من المال العام ملكا لهم يتصرفون فيها كيف شاءوا؟
طفت هذه الظاهرة على السطح خلال الأسابيع الأخيرة؛ لتكشف عن أعصى علة من علل الفساد المتغلغل فى جسد المجتمع المصرى، تعبر عنها ثقافة سائدة توجزها عبارة عامية: «نفّع واستنفع» أو «شيلنى وأشيلك» وهو القانون الذى أصبح جزءا من تراث الإدارة فى مصر.

ففى الحالة التى تولى فيها أحدهم وزير الإسكان لعدة سنوات، ظل يتصرف خلالها فى مساحات هائلة من أراضى الدولة طبقا لقواعد وضعها هو، تجعله بمنأى عن الحساب والعقاب. وترك لرؤساء المدن سلطة توقيع قرارات التخصيص التى تصدر بناء على رغباته وتوصياته، مستغلا تعقيدات البيروقراطية وأساليبها، بحيث لا يترك وراءه أثرا يضعه موضع الاتهام المباشر.

إذ يبدو أن النظام البيروقراطى بكل ما فيه من ثغرات، يسمح للموظف تحت إمرة الوزير أن تكون له سلطات الوزير فى المنح والمنع، والمكافأة والعقاب. وهكذا جرى توزيع وتخصيص ألوف الأفدنة بموافقة مستترة، أو بإشارة أو مكالمة يتلقاها رئيس المدينة أو المنطقة.

وجاء فيما نشرته الصحف أن أبناء الوزير السابق حصلوا على مساحات من الأراضى بدون طلبه أو توقيعه، ولكن هذا لا يعنى بدون علمه أو نفوذه. وقد ذكرت أسماء عدد كبير من رجال الأعمال والمقاولين الذين استفادوا من قرارات الوزير، وبالقطع أفادوه أو انتفعوا منه ونفعوه، وهو ما سوف تكشف عنه تحقيقات النيابة!.

أما حكاية الوليد بن طلال، فلا أحد يعرف كيف آلت إليه أكثر من مائة ألف فدان من أراضى توشكى المستصلحة للزراعة والتى تمت تسويتها وتمهيدها وإمدادها بالمياه، بأسعار زهيدة «خمسون جنيها للفدان» وبدون رسوم وبدون أى شروط تقريبا. وتم تسليمها إلى الأمير فيما يبدو على يد يوسف وإلى وزير الزراعة الأسبق. أما مجلس الوزراء فلم يكن يدرى شيئا عن تفاصيل هذه الصفقة المريبة سوى الموافقة على تخصيص المساحة المطلوبة. وهو أمر غريب فى حد ذاته.. أن يترك لشخص واحد حتى ولو كان فى عدل عمر بن الخطاب سلطة منح وتخصيص هذه المساحات الشاسعة من أرض مصر.

يعنى ببساطة أن وزير الزراعة فى ذلك الوقت أحاط مجلس الوزراء علما بنصف الحقيقة واحتفظ لنفسه بالحقائق كاملة. وهكذا تضيع المسئولية وتتفرق دماؤها بين القبائل. وهى عملية نهب أشبه بما جرى فى عهد المماليك،أخفيت أوراقها حتى الآن، بحيث لا يعرف أحد من المستفيد الحقيقى من ورائها!

وما حدث فى أراضى الدولة، حدث بطريقة مشابهة فى المال العام للدولة.. ففى الفضيحة التى تكشفت عما سمى بالعلاج على نفقة الدولة، اتضح أن عشرات من النواب قارب عددهم أكثر من 180 نائبا، يفترض فيهم الحفاظ على المال العام، هم أول من استغل نفوذه فى علاج حفنة من الأنصار والمحاسيب على نفقة الدولة.

بل إن بعضهم استغل مال الدولة السائب فى الإقامة الفندقية بالمستشفيات الاستثمارية والاستمتاع بها على حساب دافع الضرائب، بمجرد كلمة من النائب أو بقرار للعلاج المجانى يحصل عليه بمنتهى السهولة، وبموافقة عمياء من وزير الصحة.. مئات الملايين أهدرت بهذه الطريقة، بينما يتهدم مستشفى الأورام على رءوس المرضى فيه.. يعنى بعبارة أخرى «حاميها حراميها»!.

قبل عدة أسابيع اكتشفت إحدى اللجان الرقابية فى مجلس العموم البريطانى أن عددا من النواب ينفقون مخصصاتهم التى يحصلون عليها للإنفاق على دوائهم، فى شراء شقق أو للتصييف فى الخارج أو إقامة حفلات خاصة. وحين اكتشفت الفضيحة، أرغمهم المجلس على رد المبالغ التى صرفوها فى غير وجهها الحقيقى.

هل يمكن أن يتخذ مجلس الشعب قرارا مماثلا ــ كما حدث فى مجلس العموم ــ مع نواب العلاج المجانى فى مصر ويطالبهم برد المبالغ التى تقاضوها تحت بند قرارات العلاج الزائفة لمحاسيبهم؟

تمنيت أن نرى فى مصر شيئا من هذا.. أى موقفا تحاسب فيه الدولة موظفيها ووزراءها على ما أنفقوه دون وجه حق، أو على ما تربحوه من أموال أثناء توليهم مناصبهم نتيجة استغلال النفوذ؟ ولو كانت الدولة جادة حقا فى محاربة الفساد، لأخرجت قانون محاكمة الوزراء من الأدراج وطبقته.. ولا يكتفى الحزب الحاكم بالتنبيه على نوابه بغسل الأيدى القذرة، والتخلى عن الجمع بين عضوية البرلمان وأى منصب حكومى.

بعض الذين يدافعون عن الطريقة التى تم بها توزيع أراضى الدولة على الأقارب والمحاسيب من رجال الأعمال، يلمحون إلى أن الرجل لم يتصرف هكذا بمحض إرادته، ولكن بإيعاز من جهات عليا لم يكن يملك لها ردا!!

والسؤال هو متى تتحدد المسئوليات فى هذا البلد تحديدا دقيقا، لا يفلت منها كبير أو صغير، ولا أمير ولا خفير، حتى لا ينطبق عليهم القول المأثور عن القوم الذين إذا سرق فيهم الأمير سامحوه وإذا سرق فيهم الفقير عاقبوه؟!  

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات