هناك فرق - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 1:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هناك فرق

نشر فى : الأحد 19 أبريل 2009 - 9:12 م | آخر تحديث : الأحد 19 أبريل 2009 - 9:12 م

ضرب الزلزال إيطاليا، تهدمت آلاف المساكن، وتشرد عشرات الآلاف من الإيطاليين، والحكومة تحركت وواجهت الكارثة بكل ما تملك من طاقة، لم ينم المسئولون حتى وجد آخر مشرد من الزلزال مكانا يقضى فيه الليل البارد.. حتى إن رئيس الوزراء الإيطالى سيلفيو بيرلسكونى (رجل الأعمال الشرير) منح منزله الخاص لضحايا الزلزال، والأهم من كل ذلك أن رجل الأعمال، هذا الشرير الذى يعيش من ماله الخاص فى أفخم قصور العالم ويعيش حياة غاية فى الرفاهية اعتذر للذين تشردوا من بيوتهم وأعلن بأسى بعد أن منحهم بيوتا أخرى: «طبعا مساكنهم الحالية مؤقتة، ولكن عليهم أن يعتبروا الوضع وكأنه نهاية أسبوع يمضونه فى التخييم» مجلة النيوزويك الأمريكية ١٤ أبريل ٢٠٠٩.

طبعا منحت الحكومة السادة المشردين بيوتا لا بأس بها، ربما تكون أفضل من تلك البيوت التى كانوا يعيشون فيها.. لكن الحكومة تعرف مسئولياتها جيدا، ورئيس الحكومة يعرف أن أهم وظائفه خدمة الشعب الذى جاء به إلى هذا المقعد.. وهو يعرف أيضا أنه خادم لدى هذا الشعب السيد وعليه حل مشاكله ومشكلاته حتى لو كانت من ضربات القدر مثل الزلزال.. بل وعليه الاعتذار مثلما فعل، واعتبرت مجلة النيوزويك أن ما قاله هو من أهم الأقوال التى خرجت على العالم فى الأسبوع الماضى، فأعادت نشرها واحتفت بها.

هذا ما حدث فى إيطاليا.. فماذا حدث فى مصر؟!

الذى حدث فى مصر، أن حريقا شب فى حى الشرابية بمنطقة اسمها عزبة بلال أتى على مساكن بعض بسطاء هذا الوطن، والحريق ربما يكون قضاء وقدرا مثل الزلازل والبراكين، وربما أيضا يكون بسبب إهمال حكومى، المهم أن أكثر من ألف أسرة تشردت، وتحركت الحكومة ووفرت (مأوى) لعدد بسيط جدا من ضحايا الحريق، عاد نصفهم مرة أخرى للعراء وذهبوا وتظاهروا ضد الحكومة لسبب بسيط هو أن الدولة لم توفر لهم مساكن آدمية، حيث إنها بلا مرافق (أى بدون حمامات، حيث لايوجد ماء أو كهرباء).. وهذا أمر معتاد من حكومة ومسئولى بلادنا، لكن الجديد هذه المرة ما قاله السيد رئيس الحى، أولا قال للعائدين: «هو انتو كنتوا عايشين فين يعنى علشان ترفضوا دى؟ (يقصد المنازل الجديدة التى بلا ماء أو كهرباء وتقع فى وسط الصحراء بجوار عائلات من البدو يسطون عليهم ليل نهار)» ولم يكتف السيد رئيس الحى بهذه المعايرة لضحايا الحريق، لكنه أجاد حينما أضاف «الغريب أنهم يقولون إنها خالية من الماء والكهرباء والخدمات.. فهل كانوا يعيشون فى قصور»، «الشروق» 17 أبريل 2009، برجاء قراءة تصريح رئيس الوزراء الإيطالى مرة أخرى.

هذا ما حدث فى إيطاليا.. وهذا ما حدث فى مصر.. هذا ما قاله أعلى مسئول هناك.. وهذا ما قاله رئيس الحى.. هكذا تصرفت حكومة حيال كارثة قدرية ضخمة.. وهكذا لم تتصرف حكومة حيال حريق بسيط.. هناك فى الضفة الأخرى من البحر المتوسط من منح بيته الخاص للضحايا.. وهنا من يعاير الفقراء بفقرهم ويسخر من بيوتهم التى أكلتها نيران الحريق، والآن يسخر من نيران قرارات الحكومة التى التهمت آدميتهم.

ويبقى السؤال: ما الفرق، أو لماذا هناك فرق؟! الإجابة بسيطة وبدهية.. أن فى إيطاليا ديمقراطية حقيقية.. جاءت بالحكومة وفقا لرغبة الشعب عبر انتخابات حرة نزيهة.. شعب انتخب حكومة تعمل من أجله وتسهر على راحته.. حكومة يعرف كيف يحاسبها ويطيح بها إذا قصرت فى واجبها.. ولهذا يخرج رئيس الوزراء معتذرا عن المأوى الجديد، ويؤكد أنه وضع مؤقت.. أما فى مصر فالشعب يعمل عند الحكومة.. فهى سيدته وتاج رأسه.. عليه فقط أن يسدد الضرائب ويقول لها سمعا وطاعة، ومن يرفض تُنزِل عليه أشد العقاب.. فالحكومة تأتى على مزاج رأس الدولة.. والمجلس الذى يراقبها يتكون من أعضاء يصلون إليه عبر تزوير واضح لا شك فيه ومؤكد بأحكام قضائية.. حكومة لا يستطيع أحد محاسبتها.. ومن يحاول فهو كمن يقضى وقت فراغه فى عطلة نهاية الأسبوع لأن لا أحد يسمعه أو يتحرك لدعمه.. أو حتى مجرد الإصغاء له.. لذا يستطيع رئيس الحى بكل سهولة وبساطة أن يسخر من فقراء احترقت بيوتهم.. وانتهكت آدميتهم ولا يحاسبه أحد.

الفرق.. واضح بين دولة تحترم شعبها، ودولة أشعر أحيانا بأنها لا تعرف شعبها أساسا.. وإن كان هذا الشعب يأكل ويشرب أم لا يجد قوت يومه على اعتبار أن القانون الخالد فى هذه البلاد أنه لا يوجد أحد ينام من غير عشاء.. فما رأى الحكومة عندما تعرف أن هناك جزءا من الشعب ينام بدون عشاء وأيضا من دون ماء.. ولا كهرباء.. وطبعا بلا حمامات التى من أسمائها بيوت الراحة.. لأن الحكومة لا تريد لهذا الشعب أى راحة.. حتى لو كانت راحة حمامات.

يا أيتها الحكومة.. بما أننا لا نستطيع ولا نملك أن نحاسبك أو نزحزحك من مطرحك.. «فعلشان خاطر ربنا.. خدى بالك مننا».. لا نريد جهدا أو عملا.. فقط كلمة طيبة تحترم آدميتنا.. وطبعا أنتم تعرفون أكثر منا أن الكلمة الحلوة بتريّح.. فبلاش حكاية القصور والمعايرة مرة أخرى، وخذوا الدرس من رجل الأعمال «الشرير» بيرلسكونى.. لا تفعلوا مثله، لأنكم لن تعرفوا.. فقط قولوا مثله.. وارحمونا يرحمكم ربنا. 

 

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات