كفانا فكر التمثيل المشّرف - عمرو عبدالقوى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 9:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كفانا فكر التمثيل المشّرف

نشر فى : الأحد 19 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 19 مايو 2013 - 8:00 ص

فى الوقت الذى تتناحر فيه القوى السياسية بمنهجية وأساليب هدامة تساهم فى تدمير الاقتصاد المصرى وإضعاف قدرته على التنافس الإيجابى على الساحات الدولية، يثبت الشباب المصرى الصاعد بأن قدرتنا التنافسية تكمن فى عقولنا وقدرتنا على الإبداع والابتكار، يثبت الشباب المصرى بأن الخلاص من هذه المحنة والخروج إلى مستقبل أفضل وأرقى لن يكون على أيدى الأجيال المتمكنة والمسيطرة حاليا على زمام الأمور تكاد تكتم أنفاس الجميع بهذا التشبث السخيف المدفوع بخوف من الاعتراف بالفشل والمسئولية عن ما آلت إليه الأمور.

 

بخلاف الأمثلة الكثيرة للطاقات الإبداعية التى تفجرت فى الساحات المحلية فى السنوات الأخيرة بعد ثورة يناير، فقد فاز أخيرا فريق من ثلاث مصممات مصريات فى مقتبل العشرينيات من عمرهن بالمركز الثانى فى واحدة من أهم الجوائز الدولية لشباب المصممين وهى جائزة «الصالون ساتليت» والتى تنظم كجزء من فاعليات أهم معرض دولى للأثاث فى العالم وهو معرض ميلانو الدولى للأثاث. يتنافس فى «الصالون ساتليت» أكثر من سبعمائة مصمم من جميع انحاء العالم على الظهور بأفكارهم وإبداعاتهم أمام المجتمع الصناعى الدولى آملين فى أن تجد تصميماتهم صدى جيد عند أحد الشركات لكى توظفها فى منتج تجارى جديد.

 

●●●

 

شارك هذا العام خمس فرق تصميمية من مصر تحت رعاية المجلس التصديرى للأثاث وغرفة صناعة الأخشاب والأثاث، وقد اجتذبت التصميمات المقدمة من جميع الفرق المصرية الانتباه ليس فقط لحداثة وقلة مشاركة المصممين المصريين (فلا تتعدى مشاركات المصريين أصابع اليد الواحدة على مر السنين) بل أيضا بما كانت تضيفه من رؤى متجددة ومثيرة.

 

مجموعة «رى» المكونة من هند رياض ومريم حازم وهدوة عمران والفائزة بالمركز الثانى حولت مشكلة الأكياس البلاستيكية التى نستعملها فى الاسواق التجارية والتى يصعب إعادة تدويرها بسبب تكوينها الكيميائى، حولت المجموعة تلك المشكلة إلى نقطة قوة فقد ابتكروا اسلوب جديد لإعادة تشغيلها لإنتاج منتج نسجى له طابع جمالى مميز يستغلونه فى تصميم منتجات أثاث ومفروشات مستحدثة. ولم يفوتهم القيام بالدراسات العلمية اللازمة للتأكد من سلامة إعادة استخدام تلك المادة وتأثيرات الحرارة والحريق عليها. فقد ظهرت قوة هذا المشروع للجنة التحكيم فى تعدد أبعاده، فله البعد البيئى الخطير ممثلا فى فكرة إعادة التدوير والبعد الإبداعى فى الأفكار الجديدة للمنتجات وكذلك البعد العلمى الذى يضمن أنها ليست فقط فكرة جميلة.

 

المصمم إسلام حاتم استلهم من التراث المصرى فكرته لكرسى شديد الانسيابية يتحرك على محور رأسى، وبهذه الحركة يحاكى بمنحنياته حركة الدراويش ونشوتهم. قوة هذا التصميم تكمن فى تحويل الحالة والروح التى تكمن فى أحد أكثر المراسم التراثية قوة وعاطفية إلى منتج وظيفى بل وهناك بعد هندسى مهم يكمن فى حل المشكلات الهندسية والإنتاجية لتحويل فكرة بهذه الصعوبة إلى منتج قابل للإنتاج.

 

●●●

 

مجموعة «إنكود» (ابتسام فريد، مى حسين، أحمد زغلول، أحمد حسين، إيمان البنا) تستخدم الربط بين التكنولوجيا والهندسة والتراث لتوليد لغة جديدة وفريدة. فالمجموعة تصمم برامج كمبيوتر لإعادة صياغة لغة ومفردات التصميمات الهندسية الإسلامية التقليدية لخلق لغة جديدة متحركة ومتنوعة يمكن من خلالها استحداث أفكار جديدة لمنتجات وظيفية جديدة تحاكى احتياجات وتطلعات المجتمع الحديث.

 

المصمم أحمد فريد أيضا يلجأ للعلم والهندسة لاستثارة المستخدم بطاولة تعطى الانطباع بأنها على وشك الانطلاق وبالتالى تفتقد مقومات الوقوف الراكز، ومن ثم يدخل المستخدم فى حوار مع الطاولة.

 

ومريم حازم تستلهم من الانهائية فكرة مجموعة من منتجات الإنارة متنوعة تصمم جميعها من مكون واحد ذى شكل واحد، وتثبت بذلك أن قوة التصميم تكمن فى رؤية العمق فى الشكل البسيط، وليس فى تعقيد ما هو بسيط.

 

لقد تم اختيار هذه المجموعة من شباب المصممين لتمثيل جناح لمصر فى هذا المعرض من خلال مسابقة قام برعايتها المجلس التصديرى للأثاث وغرفة صناعة الأخشاب والأثاث وقام بتنظيمها شركة رمال ديزاين، فاز فى المرحلة الاولى للمسابقة 25 مصمما ومصممة وقامت شركات من مصنعى الأثاث بالمساهمة والمساعدة فى تنفيذ أفكارهم ليتم عرضها فى معرض خاص بتصميمات الشباب فى معرض فرنكس الدولى فى نهاية عام 2012. وقامت لجنة فنية بترشيح هذه المجموعة من خمس فرق للفوز بالجائزة الذهبية والتى أهلتها لسفر منتجاتهم لتمثيل مصر فى جناح خاص فى معرض ميلانو الدولى ومسابقته الدولية.

 

●●●

 

هذا الإنجاز ليس حالة فريدة أو مجهود فردى يحدث صدفة وقد لا يتكرر، بل هو عمل جماعى لعدة أطراف آمنت وتؤمن بقوة الابداع والتطوير وبأنه السبيل الأساسى لإعادة الصناعة المصرية ومن ثم مصر أيضا إلى ساحة التنافسية العالمية. يتكون هذا الفريق من عدة اطراف من القطاعين الخاص والعام يقودهم المجلس التصديرى للأثاث ويضم غرفة صناعات الأخشاب والأثاث ومجلس تحديث الصناعة وشركة رمال ديزاين لإدارة التصميم ومجلة مجاز للتصميم.

 

كما أنه عمل ليس وليد اللحظة بل نتاج عدة سنوات من التخطيط والعمل الدءوب. بدأت هذه المجموعة بوضع استراتيجية شاملة بداية من عام 2008 لتطوير صناعة الأثاث المصرى من خلال تنمية قدراته على التصميم والابتكار. وشملت هذه الاستراتيجية بالتبعية تنمية قدرات المصممين المصريين على التصميم للصناعة وللأسواق العالمية. فتم تنظيم ورشتى عمل استغرقت كل منها أكثر من ستة أشهر تجمع بين مصنعين مصريين ومصممين دوليين ومصممين شباب مصريين للعمل سويا على ابتكار منتجات جديدة تحاكى السوق العالمية وتصنع بإمكانيات الشركات المصرية، وأفكارها حديثة ولكن لها جذور فى القصة المصرية تتميز بها عن منتجات الدول الاخرى.

 

وقد نتج عن هذه الورش التى إشترك فيها أكثر من أربعين مُصنع مصرى وزيادة على ثمانين من شباب المصممين إلى جانب أحد عشر مصمما عالميا، نتج عنها تصميم سمة تجارية جديدة باسم «كايمى» تمثل التصميم المصرى الحديث فى الأثاث. وتم تقديمها فى معارض دولية فى أوروبا ومصر لقياس رد فعل السوق عليها.

 

ونتيجة لقوة رد الفعل للتفاعل الإيجابى بين مجتمعى التصميم والصناعة بدء الجانب السياسى فى التفاعل وقامت وزارتى الصناعة والثقافة برعاية أول أسبوع للتصميم فى مصر عام 2010 تم تنظيمه تحت اسم 20+ فى شارع المعز لدين الله الفاطمى فى قلب القاهرة الإسلامية لمدة أسبوع تقابل فيها التصميم الحديث الدولى والمحلى مع التاريخ والتراث فى سيمفونية غنية كان المشارك الرئيسى فيها الشعب المصرى بجميع طوائفه وطبقاته.

 

العمل بهذه الإستراتيجية مستمر والنتائج بدأت تظهر ليس فقط فى فوز المصممين المصريين بالجوائز الدولية ولكن أيضا بفوز شركات مصرية بجوائز مماثلة لمنتجاتهم الجديدة إلى جانب فتح أسواق جديدة لهم بعد أن آمنوا بقوة الإبداع والتصميم وبدأوا فى تطبيق منهجية الإبداع فى سياسة تطوير المنتج وإدارة اعمالهم.

 

●●●

 

الشراكة الحقيقية كانت ومازالت العامل الأساسى لنجاح هذه التجارب فبرغم تنوع المشاركين من أطراف منها الهادف للربح وآخر غير هادف للربح، بل والكثير منهم يعتبرون متنافسين، إلا أنهم اجتمعوا على رؤية واحدة وهى أن نجاح كل شركة يعتمد على نهوض القطاع ونهوض القطاع التصنيعى يعتمد على الاستثمار فى نهوض المجتمع التصميمى، وكلاهما لن ينجحا بدون اعلاء السمة والقيمة لاسم مصر دوليا بحيث يصبح لأى منتج مصرى قيمة أعلى لأنه يصدر من مصر. كما فعلت كثير من الدول قبلنا مثل إيطاليا والمانيا وغيرها.

 

قوتنا فى شبابنا وعقولهم اليافعة المبدعة، هم من لديهم الإمكانات لقيادة هذا الوطن لمستقبل أفضل قادر على منافسة العالم بما يضيفه وليس بما يقلده أو يعيد تصنيعه أو تجميعه.. كفانا فكر التمثيل المشّرف.

 

 

 

أستاذ العمارة بالجامعة الأمريكية

عمرو عبدالقوى أستاذ العمارة بالجامعة الامريكية بالقاهرة
التعليقات