«جوته» وأفلام العيد! - مدحت نافع - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«جوته» وأفلام العيد!

نشر فى : الإثنين 19 أغسطس 2019 - 10:40 م | آخر تحديث : الإثنين 19 أغسطس 2019 - 10:40 م

كتب الأديب الألمانى «يوهان جوته» عام 1820 (أى وهو فى سن الشيخوخة): «إن الكتابة مرض مستعص، ومن الخير أن نستسلم له.. ليست الكتابة إلا استخداما سيئا للغة، والقراءة الصامتة من أجل الذات وحدها ليست إلا بديلا سيئا للكلمة، إن كل الأثر الذى يتركه إنسان فى نفس إنسان آخر إنما يتركه بشخصيته».. حينما يكثر متابعوك على وسائط التواصل الاجتماعى فإن مسئولية كبيرة تلقى على كاهلك، ولا تكاد تلفظ بكلمة إلا كان عليها ألف معلّق بين مؤيد ومعارض ومحلل. الأزمة التى يعانيها اليوم أصحاب الرأى أنهم دائما تحت المجهر، أحوالهم التى يسجلونها ومزاحهم وكلمات تصدر عنهم عفوا لا تمر إلا بعد أن تنصب لها عشرات المحاكم! صحيح أننا عطشى هذه الأيام إلى صالونات الفكر وجلسات الحوار المثمر وحتى برامجنا الحوارية تفتقر إلى آداب الحوار وثقافته وثماره إلا من رحم ربى، لكن هناك فرق بين مادة فكرية ثرية قابلة للتخصيب والإنتاج، ومادة بسيطة من اللطائف لا يقصد بها إلا التنفيس والمزاح.

أذكر هذا وقد اشتعلت مواقع التواصل خلال الأسبوع الماضى بجدال عنيف ومحاكمة لآراء شخصية ذكرت على سبيل تقييم عمل سينمائى من أفلام العيد، هكذا يصفونها حتى ينزع عنها أى سبب لأخذها مأخذ الجد. الفيلم متهم بسرقة نصه، وكثير ممن شاهدوه سجّلوا خيبة أملهم فى بطله الذى اتسمت غالبية أعماله السابقة بالثراء والكوميديا الهادفة. مع هذا فحلقات الذكر الدفاعية التى أنشئت لصد أى نقد وجّه لذلك العمل شبه الفنى، ما لبثت أن انقضت على المنطق السليم وطالبت الناس «جميعا» بمشاهدة الفيلم قبل اتخاذ قرار بتوفير الوقت والمال لمشاهدة عمل سينمائى آخر زكّاه النقاد والمشاهدون!. هذا المنهج المعتل فى تقييم مذاهب الآخرين ينسحب مع الأسف على كثير من أمور حياتنا. وإذا كان الذئب فى الأسطورة الشهيرة قد تعلّم الحكمة من رأس أخيه الطائر، فليس أقل من أن يتعلم الإنسان من تجارب الآخرين، خاصة إذا كان مجموع تلك الآراء عاملا مرجحا لقرار المفاضلة بين بدائل شبه تامة، وإذا كان الوقت أثمن من أن يهدر فى تجارب عديدة فاشلة. تخيل لو أن كل إنسان عليه أن يتجرّع أنواع السموم حتى يقرر عن يقين أنها قاتلة! أو أن عليك أن ترتمى تحت عجلات سيارة مقطورة حتى تتأكد من قدرتها على دهسك! هذا شبيه بما يطالبنا به أصحاب حجة عليك أن تتجرعه بنفسك أو أن تشاهده بعينيك ثم احكم، يصح هذا بالنسبة للنقاد فهذا عملهم، وتلك مصاعب مهنتهم ولعنتها، أما الجمهور الذى لا يرجو إلا الاستمتاع فهو يحرص على ألا يخيب ظنه، وأن يحصل على متعة تساوى قيمة تذكرة السينما التى لم تعد رخيصة أبدا. ما الحكمة إذن من تأسيس المواقع التى تستطلع آراء المشاهدين وتصنع منها تصنيفا للعمل الفنى، يساعد الناس على اتخاذ قرار المشاهدة أو الامتناع؟! بل إن غياب الثقة فى النقد الفنى المصقول قد ساهمت فى حالة التشويش المصاحب لظهور أى عمل فنى جديد. يصف الدكتور «سعد المنصورى» العمل الفنى بأنه: «ما يحمل معنى من معانى الحياة يتصل اتصالا عميقا مباشرا وغير مباشر بحياة المجتمع الذى يصدر عنه بوجه عام، وبحياة الفنان الذى أخرجه والمتذوق له بنوع خاص، مضافا إلى ذلك المعنى مقدرة ذلك الفنان على إخراج العمل إخراجا مناسبا».

***

عموما هذا الجدل مآله النسيان ويبقى منطقا فاسدا يصادر على رأى الآخرين، يريد للمجتمعات ألا تعمّر بأكثر من أعمار آحاد أفرادها وحصاد تجاربهم المحدودة، ولا يريد أن تتصل التجارب البشرية فى حبل متين تتعلّق به الأمم والمجتمعات آلاف السنين.

كانت إجازة عيد الأضحى الماضى هى الأولى لى منذ عامين وقد استمتعت بها بصحبة أسرتى بعيدا عن دور العرض والمسارح والتجمعات التقليدية، فى أحضان طبيعة لا مثيل لها فى العالم وتحديدا فى سهل حشيش الوادعة بين يدى جبال البحرالأحمر، الزاخرة بالشعب المرجانية تحت سماء صافية لا تحصى نجومها ولو اجتهدت. الجميل فى هذه التجربة الشخصية أننى اختبرت بها عددا من الطرق البرية الجديدة المعبّدة لاستقبال وسائل النقل بسلاسة وأمان وبتكلفة لا تقارن بأسعار رحلات الطيران الداخلى. طريق الجلالة مثلا هو نزهة فى ذاته، يرتفع بك إلى ما يزيد عن سبعمائة متر فوق سطح البحر، تدهشك الجبال جدد بيض وحمر، وزرقة المياه من تحتك لوحة بديعة تجعل الرحلة الطويلة مشبعة لحاجة المرء إلى مناظر الجمال الربانى. السياحة الأجنبية حضورها ملفت، عودتها قوية متنوعة كما ألفناها فى أعوام ما قبل الثورتين. قليل من التدريب على معاملة السائحين تحتاجه عمالة الفنادق الوافدة فى معظمها من مدن الصعيد الطيبة الطاهرة. كثير من التسويق لمناطق الجذب السياحية فى مصر مع استعداد أكبر للغرف الفندقية لاستيعاب الوفود السياحية سوف تزداد به حصيلة النقد الأجنبى من السياحة إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة. أزعم أنى مع كثرة أسفارى لم أجد أجمل من سواحلنا مهبطا للسائحين، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار فى بعض الفنادق إلى مستويات غير معقولة ولا تنافسية، إلا أن المواقع المتخصصة يمكنها أن تجد لك صفقة سياحية داخلية جذابة وبأسعار تبرر موضوعيا عدم البحث عن بديل سياحى خارج البلاد.

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات