ماذا بقى من إنسانية الإنسان؟ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا بقى من إنسانية الإنسان؟

نشر فى : الجمعة 19 أغسطس 2022 - 10:55 م | آخر تحديث : الجمعة 19 أغسطس 2022 - 10:55 م

بعد ما يقرب من 20 عاما أو أكثر عادت ظاهرة الطعن. كنا قد نسينا هذه الجرائم الغريبة على الإنسانية، ففوجئنا بظاهرة طعن سلمان رشدى، ترى ما الذى دعا هذه تعود ثانية بعد ما يقرب من ربع قرن؟ هل هناك عوامل سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية مهدت لهبوب رياح دموية على بلادنا والعالم؟. 

منذ أن فوجئ العالم والناس بعودة مثل هكذا ظاهرة وهم لم يكفوا عن الحديث والتحليل ومحاولات التفسير المتعددة والمتنوعة، فبمجرد أن تمت تلك الحوادث ثارت بعض الأسئلة المهمة من أهمها ــ عزيزى القارئ/عزيزتى القارئة ــ هل كان هادى مطر المهاجم الشيعى على اتصال بـ «الحرس الثورى» الإيرانى قبل الهجوم، خاصة أن بعض التسريبات الأمنية الأمريكية أكدت ذلك لعدد من وسائل الإعلام المعروفة؟. 

نحن لا نعلم إن كان التحريض أو الأمر بقتل سلمان رشدى كان صريحا أم إيحاء، أم تصرف الغلام من واقع قناعته الدينية بأنه من الملزم تحقيق الفتوى التى صدرت من الإمام آية الله الخمينى بإهدار دم سلمان رشدى عام 1989م وذلك مباشرة بعد صدور كتابه «آيات شيطانية»؟، ونحن لا نريد أن نغرق فكريا وحواريا فى من هو المحرض؟ فهذا هو عمل القضاء. 

والعجيب أن رد الفعل الأمريكى السياسى السريع اندفع ليبرئ الحرس الثورى الإيرانى بالقول إنه: لا دليل حاسم واضح بهذا الشأن!. لكن علينا نحن هنا أن نتجاوز هذا الدور تماما وأن نعود ونناقش أصل الموضوع، وخلفيته وضرورة تحقيقه. فقد كانت هناك ــ كما نعلم جميعا ــ فتوى صادرة من الإمام الخمينى بحق رشدى، والفتوى هنا تتجاوز الحدود الدولية وهى لا تشكل مجرد اعتداء على الحرية فحسب لكن على النظام الدولى برمته وذلك باعتبار أن فتوى الإمام آية الله الخمينى عابرة للقارات كعامل موضوعى هام لتصدير الثورة الإيرانية، والتى يتكئ عليها النظام الإيرانى، وجاءت التهنئة فى صدر صحيفة «كيهان» ــ صحيفة إيرانية محافظة ــ فأعطت لهذا الفعل شرعيته، ومع الأسف ارتفعت أصوات كثيرة إيرانية وعربية تعبر عن فرحتها بعملية الطعن، ومن الأفكار الغريبة الخرقاء التى أعلنها البعض ــ بجانب ابتهاجهم بالحدث ــ أن هذه العملية جاءت للأخذ بالثأر لقائد «فيلق القدس» قاسم سليمانى، وهذا معناه ــ مع الأسف ــ توفير غطاء مضمون سياسيا و«استراتيجيا»، بل ويضاعف تبريراته عند الباحثين والدارسين، وذلك للوصول إلى إجابة عن سؤال الحدث وهو ببساطة الواجب والتكليف لتحقيق فتوى الإمام الخمينى.

هكذا نستطيع أن نرى محاولات البعض اللجوء إلى القول بأنه حادث فردى بنوازع فردية كمحاولة قتل نجيب محفوظ وليؤكدوا أنه (لا يمكن اغتياله بدون فتوى)، تلك الفتوى التى تصادف لسوء الحظ أنها صدرت فى يوم تحتفل فيه شعوب العالم ومجتمعات الغرب المسيحى بإحياء ذكرى قديس يدعى «فالنتين»، والذى كان يعمل على زواج كل شابين يتطلعون للزواج فى قصة حب فى وقت كان الزواج فيه ممنوعا بأمر ملكى، وقد سمى هذا اليوم «عيد الحب»، بالطبع لم يكن هذا مقصودا لكنه جاء كسوء حظ للمحاولة. 

• • •

يقول بعض المحللين إن ما دفع الخمينى لإصدار هذه الفتوى هو مجرد وجود كلمة «آيات» على غلاف كتاب سلمان رشدى الصادر قبل الفتوى بعام تقريبا، ويقول بعض المحللين إن وجود كلمة آيات على الكتاب الشيطانى كافٍ لاستفزاز حاملى الصفة ذاتها، وبالتالى كان غضب الخمينى بركانيا ومن هنا كان الذى كان: (آيات الله – وآيات شيطانية). ومن هنا كان رد الفعل النارى. 

لقد تذكرت فتوى الدكتور محمد الغزالى عندما أدلى بشهادته فى محاكمة قاتل الكاتب فرج فودة (8 يونيو 1992م)، حيث أدان كتابات وأقوال فودة عن الإسلام، لكنه ذكر بحقيقة أن حق الإفتاء أو تنفيذ القانون أو إقامة الحد مسئولية ولى الأمر وأنه ليس جائزا لكل مسلم أن يعطى نفسه حق الإفتاء، ثم وصف القتلة بالنزق وقلة العلم. وكذلك عندما تعرض نجيب محفوظ ــ أديب نوبل العظيم ــ للطعن فى 14 أكتوبر 1995م فقد أكد نجيب محفوظ أنه غير حاقد على من حاول قتله، بل قال إنه يتمنى ألا يموت قاتله شنقا (بالإعدام) ترى هل هذه مصادفة أم مفارقة؟ 

الأصح على أى حال أنه من الجدير بالذكر هنا أن الاغتيال عند النظام الإيرانى «الحرس الثورى» هو عمل جاد منظم ولا يأتى لمجرد الصدفة، لكن عندما يريد النظام التخلص من معارض يعيش فى الخارج فهو يقوم بذلك عمدا، وهكذا يمكننا ــ عزيزى القارئ/عزيزتى القارئة ــ أن نفهم لماذا قتل اليابانى هيتوشى إيغاراشى الذى ترجم الرواية طعنا، بينما نجا مترجم إيطالى للرواية من هجوم بسكين. وفى عام 1993م تم إطلاق النار على ناشر الكتاب النرويجى ثلاث مرات لكنه نجا. من هنا نرى مدى الجدية التى تتمتع بها الفتوى وموضوعها والمستهدفين منها وكيفية متابعة تنفيذها. 

• • •

ما يجب أن ننتبه له الآن أن هناك جماعات لم تعد معزولة وموجودة فى كل مكان من العالم تقريبا وهى جماعات عقائدية متزمتة فى تعصبها بما تؤمن به ومستعدة لاستخدام أقصى العنف دفاعا عنه. 

وهذه الجماعات قد تكون تحت رعاية دولتها وحكامها مباشرة، أو لا تكون، وربما تكون حالة مطر فى أغلب الظن عملا فرديا وذلك لطبيعة خضوعه المتطرف الأيديولوجى، وقد يكون مطر ــ غالبا ــ نتاج الأمرين معا. 

أسوأ ما فى هذا الأمر هو الإساءة إلى الدين الذى ينتمون إليه، بل وإساءة لكل الأديان فى العالم العلمانى، كذلك إساءة للكتل المهاجرة واللاجئة الذين كان وجودهم وهجرتهم للغرب هى بهدف العولمة وحقوق الإنسان، لكن ما أقدم عليه هؤلاء البشر بمن فيهم هادى مطر من أعمال وعنف شديدين ضد من يعيشون فى وسطهم دائما ما يقوى ويعضد العنصرية الكارهة من المواطنين للغرباء، سواء كانوا من المهاجرين أو اللاجئين، كما نعلم أن العنصريين كثيرون ولديهم الاستعداد للكراهية التى لا تنضب وطبعا نرى النتيجة الفعلية لكل ذلك هو الانكفاء على أنفسنا وعلى المحيط من حولنا (المدنى) وهذا يجعل أبناءنا غير قادرين على اكتساب اللغات والمهارات التى توفرها مدارس اللغات ــ مدارس «الكفار» ــ ويعجزون بالتالى عن الوصول إلى فرص عمل، وهكذا يخسرون اليوم وغدا وبعد الغد.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات