بن لادن البورمانى - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بن لادن البورمانى

نشر فى : الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 - 10:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 - 10:20 م
من المدهش والمحزن والمؤلم أن نعلم أن حملات الكراهية ضد المسلمين فى ميانمار يقودها الرهبان البوذيون بل إن أحدهم ويدعى Ashin Wirathu شكل عصابة وأطلق عليها مجموعة 969 نسبة إلى مبادئ البوذية التسعة ومبادئ الرهبنة الستة، وهى من أشد المنظمات البوذية عداء للإسلام والمسلمين حتى إن زعيمها الراهب أو الـMONK ويراتو أطلق على نفسه اسم: بن لادن البورمانى (نسبة إلى بورما أى ميانمار حاليا).

وقد نشرت الـBBC مقالا على موقعها الإلكترونى للباحث آلان ستراتم الأستاذ بجامعة أوكسفورد أشار فيه إلى التناقض بين مبادئ البوذية السلمية وبين هذا العنف الذى يقوده الرهبان البوذيون ضد المسلمين فى كل من ميانمار وسيريلانكا، على الرغم من أن التطرف الإسلامى لم يصل إلى هذين البلدين وعلى الرغم من أن الأقليات المسلمة الصغيرة فيهما من أكثر الأقليات المسالمة فى العالم.

وقد نجحت حملات الكراهية هذه التى تشارك فيها الإذاعة الرسمية فى تأليب الجماهير على الأقلية المسلمة فاندلعت أعمال شغب على نطاق واسع وأخذت جموع الغوغاء تهاجم المساجد وتحرق المنازل فى شمال رانجون بسبب اصطدام طفلة تقود دراجة بأحد الرهبان البوذيين، ثم امتدت أعمال الشغب إلى إقليم راخين، وصبت الجماهير وبمساعد أجهزة الأمن جام غضبها على أقلية الروهينجا المسلمة التى تقطن هذا الإقليم مما أدى إلى مقتل المئات ونزوح عشرات الآلاف إلى بنجلاديش المجاورة وهم فى حالة شديدة من الإرهاق والفزع وفى وضع مزر للغاية بتعبير مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

وهذه الهجمة الشرسة على المسلمين ليست الأولى ولن تكون الأخيرة؛ وهى تتكرر فى كل عام مرتين أو ثلاث مرات، وقد كان العالم يأمل فى أن يتغير الوضع بعد زوال الحكم العسكرى الذى أسقط الجنسية عام 1982 عن المسلمين الروهينجا وتبنى سياسة التطهير العرقى ضدهم واعتبرهم متسللين بنغاليين على الرغم من أنهم ــ وإن كانوا من أصول بنغالية ــ إلا أنهم الجيل الرابع أو الخامس الذى ولد وعاش فى بورما (ميانمار) منذ مئات السنين وساهم فى إعمار البلد وحارب فى الجيش دفاعا عنها.

*** 
القصة تبدأ باستعمار بريطانيا للهند ثم لبورما حيث وجدت بريطانيا أن إقليم راخين الذى كان فى الماضى سلطنة إسلامية تدعى سلطنة أراكان.. وجدته بريطانيا إقليما متسعا ذا أراضى شاسعة غير مستغلة لندرة العمالة، فقامت بفتح الحدود بين البلدين وشجعت هجرة الفلاحين لهذا الإقليم، وعندما نزعت منهم الطغمة الحاكمة الجنسية فقدوا كل شىء حتى الكرامة، فلا تصدر لهم تصاريح بناء للبيوت ولا تصاريح زواج ولا قيد مواليد ويتم استغلالهم بأبشع الطرق لدرجة أن الجيش والشرطة يسخرونهم أحيانا فى أعمال السخرة للمشروعات العامة دون أجر، ثم من حين لآخر تندلع أعمال العنف ضدهم لأتفه الأسباب.

وكان من نتيجة ذلك أن تشكلت جماعة من مسلمى الروهينجا أطلقت على نفسها اسم جيش الدفاع عن الروهينجا، وقامت هذه الجماعة بمهاجمة مراكز حدودية للجيش وهو ما أدى إلى قيام الجيش بهجوم كاسح على قرى المسلمين الروهينجا وأعمل فيهم القتل العشوائى وحرق البيوت فى خطة واضحة للتطهير العرقى والتى نجم عنها حتى الآن «وفقا لتقارير الأمم المتحدة نحو ألف قتيل ونزوح 300 ألف مدنى إلى بنجلاديش المجاورة»، وقد وصفت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تعامل قوات الأمن معهم بأنه بلغ حد ارتكاب جريمة ضد الإنسانية، ونشرت منظمة هيومان رايتس ووتش صورا تظهر أكثر من 700 منزل دمرت كليا فى إحدى قرى الروهينجا.

وقد خاب أمل المجتمع الدولى فى زعيمة ميانمار الجديدة أونج سان سوكى الحائزة على جائزة نوبل للسلام فى مجال حقوق الإنسان والذى عقد الكثيرون الأمل على وصولها للحكم، إلا أنه يبدو أنها عقدت صفقة «فاوستية» بالتعبير الشكسبيرى مع الشيطان (الحكم العسكرى السابق) مقابل الإفراج عنها؛ فبدلا من مقاومة سياسة الإبادة العرقية أخذت تبرر تصرفات الجيش والأجهزة الأمنية، وقد انتقدت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الزعيمة الميانمارية سو كى لفشلها فى حماية الإقلية المسلمة، بينما طالبت منظمة الإيسيسكو التابعة لمنظمة التعاون الإسلامى بسحب جائزة نوبل منها وعلينا أن ندعم هذا المطلب، وهو أضعف الإيمان.

***
المسلمون فى سيريلانكا البوذية مسالمون جدا إلا أنهم يتعرضون لنفس الاضطهاد ولكن ليس بنفس درجة القسوة وإن كانت هناك حركة بوذية قوية تدعى «اللواء البوذى» Bodu Bala Sena تؤجج المشاعر ضدهم.

أنا لا أريد أن يتصور القارئ أن العالم البوذى (أكثر من ربع سكان الكرة الأرضية) يموج بالكراهية ضد الإسلام والمسلمين، فذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، ولقد وصلت إلى هذه القناعة من خلال الاحتكاك المباشر بمشكلات الأقليات المسلمة فى آسيا بوصفى مستشارا لمنظمة التعاون الإسلامى لشئون الأقليات المسلمة، فمشكلات الأقليات المسلمة فى الصين وتايلاند ذوات الأغلبية البوذية ليست بسبب كونهم مسلمين بل لأسباب عرقية، ففى الصين مثلا يوجد نحو 58 عرقية من بينها عرقية الإيجور التركمانية الذين يقطنون منطقة شاسعة فى شمال غرب الصين كانت تعرف فى الماضى باسم تركستان الشرقية وهم ينتمون إلى العرقية التركمانية عرقا ولغة وثقافة وحضارة كما أنهم مجاورون لدول لها ذات العرقية وهى الدول التركمانية التى استقلت بعد تفكك الاتحاد السوفيتى، لذلك فمشكلتهم أن الحكومة المركزية فى بكين تنظر إليهم بريبة وتخشى نمو النوازع الانفصالية، أى أن المشكلة سياسية وتتعلق أساسا بحقوق الإنسان وتقرير المصير وليست مشكلة دينية، والدليل أن هناك غالبية مسلمة فى مقاطعة صينية أخرى هى مقاطعة نيتشيا ليس لسكانها مشاكل تذكر مع حكومة بكين لأن مسلمى هذه المقاطعة ينتمون إلى أعراق مختلفة عربية وفارسية وهندية وليس لهم لغة واحدة أو ثقافة واحدة ولا يجاورون دولا شبيهة بهم، لذا فإنهم لا يشكلون خطرا أمنيا.

وبالمثل فى تايلاند.. فمشكلة المسلمين فى جنوب تايلاند ليست مشكلة دينية، ولكنها سياسية وعرقية فهم ينتمون لعرقية الملايو ويجاورون ماليزيا ويتحدثون بلغتها، ويطالبون بالحكم الذاتى وبالاعتراف بلغتهم.

هناك حركات تحرير تسعى لتحقيق هذه الأهداف وتلجأ إلى العنف فى مواجهة السلطات التى تواجه العنف بالعنف، والأحكام العرفية معلنة فى جنوب تايلاند منذ عقود، كل ذلك يحدث فى جنوب تايلاند.. بينما فى العاصمة بانجكوك وفى أقاليم الشمال يعيش المسلمون فى سلام ويمارسون عبادتهم وحياتهم وأعمالهم فى حرية.

***
مشاكل الأقليات المسلمة فى آسيا ترجع أساسا إلى أن هذه الأقليات كانت تعيش فى سلطنات إسلامية مستقلة ثم اجتاحتها دولة مجاورة وضمتها إليها فأصبحوا بذلك أقلية فى الدولة الجديدة، لذلك هم يشعرون أنهم أصحاب الأرض الأصليين وأن الدول التى ينتمون إليها هم الوافدون عليهم.. ينطبق ذلك على تركستان الشرقية التى ضمنتها الصين وأطلقت عليها اسم إقليم شينجيانج وسلطنة فطانى أو Patani الملاوية التى ضمتها تايلاند وقسمتها إلى خمس محافظات، وأيضا جزيرة مينداناو التى ضمتها الفيليبين ويسرت فيها الاستيطان الكاثوليكى الذين يشكلون الآن 50% من السكان، وأيضا سلطنة أراكان التى ضمتها ميانمار وأطلقت عليها اسم راخين وهى التى تدور فيها الأحداث الدامية حاليا.

جميع هذه الدول التى أشرت إليها لديها علاقات قوية بالعالم الإسلامى خاصة فى الجانب الاقتصادى وهى تحرص كل الحرص على هذه العلاقات وجميعها – باستثناء ميانمار – تتعاون مع منظمة التعاون الإسلامى وتحرص على إشراكها فى حل مشاكل الأقليات المسلمة لديها، وقد حققت المنظمة أشواطا كبيرة فى هذا المجال، إلا ميانمار التى تغلق جميع أبواب التعاون حتى الإنسانية منها فقد رفضت فتح مكتب للمعونات الإنسانية مما اضطر المنظمة إلى اللجوء إلى الهلال الأحمر الإندونيسى والتركى.

وقد آن الأوان للعالم الإسلامى أن يرفع صوت الاحتجاج عاليا فى مواجهة ميانمار وأن يستخدم الجزرة الاقتصادية فى مواجهتها خاصة الدول الخليجية الثرية ذات العلاقات الوطيدة بها.

 

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات