لماذا..؟ - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 10:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا..؟

نشر فى : الخميس 19 أكتوبر 2023 - 7:25 م | آخر تحديث : الخميس 19 أكتوبر 2023 - 7:25 م

سؤال يدور فى رأسى ويحيرنى منذ زمن ولا أجد له جوابا، لماذا ينحاز الغرب إلى إسرائيل منذ قيامها ويتخذ موقفا معاديا من العرب؟ وزاد هذا السؤال إلحاحا بعد أحداث غزة الأخيرة ورد الفعل الإسرائيلى الهمجى البربرى على عملية عسكرية قامت بها حماس فى إطار حرب تحرير ضد قوات احتلال أذاقت الشعب الفلسطينى القهر والإذلال وسفك الدماء وهدم البيوت واقتلاع الأشجار ودك البنية التحتية ومنع وصول قوافل الإغاثة للمنكوبين، مع تصريحات من رئيس الوزراء بأنه سيحول غزة إلى جزر خربة ويمنع عنها الماء والكهرباء والغذاء، وتصريحات رئيس الوزراء بأنهم يحاربون حيوانات وهى تصريحات غير مسبوقة لمسئولين على الساحة الدولية، فحتى هتلر الذى روج لتفوق الجنس الآرى لم يصف أى شعب بأنه من الحيوانات. لماذا كل هذا الحقد على العرب والتأييد غير المحدود لإسرائيل؟.. لماذا؟
• • •
المتابع للتاريخ يجد الغرب ومن يصفونه منذ الحرب العالمية الأولى بالحلفاء ــ تحديدا فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ــ مدينين للعرب، ويمكن القول بأن الحلفاء مدينون للعرب بانتصارهم فى الحرب العالمية الأولى. فرغم تصوير الغرب للجيش التركى فى أدبياتهم وأفلامهم السينمائية أنه كان جيشا متخلفا فاسدا، فحقيقة الأمر أن بريطانيا لقت أفدح هزيمتين فى الحرب على يد الأتراك: الأولى فى عام 1915 فى معركة كوت العمارة فى العراق باستسلام الجنرال Charles Townshend ووقوعه فى الأسر مع 13 ألف جندى، وكانت الهزيمة الثانية على ضفاف الدردنيل فى معركة Gallipoli فى عام 1916 والتى خطط لها ونستون تشرشل الذى كان يشغل منصب وزير البحرية وقتها وأقيل بسبب فشلها بعد مقتل 125 ألف جندى.
وكان إعلان الشريف حسين الثورة على الأتراك بعد أن ابتلع الطعم الذى لوح به هنرى مكماهون فى مراسلاته ودعوة تنصيب الشريف حسين ملكا على العرب. كان ذلك طوق نجاة للحلفاء فى وقت اخترقت فيه ألمانيا حدود فرنسا حتى صارت باريس فى مرمى مدافعها وبدا انهيار الجيش الروسى قبل اندلاع الثورة وكان الجنود الروس يموتون من الجوع والبرد ومنيت بريطانيا بهزيمة بحرية فى موقعة Jutland فى عام 1916، وكادت الغواصات الألمانية تنشر المجاعة فى بريطانيا.. فى هذا الجو الحالك.
دخل فيصل بن الحسين دمشق ودخل عبدالله العقبة، واستطاع الجنرال اللنبى أن يدخل القدس بمعاونة العرب فكان لذلك رد فعل هائل على الروح المعنوية لبريطانيا. فتح الحليف العربى أبواب العالم العربى بأسره للحلفاء، فلماذا لم يحفظوا العهد مع العرب وانقلبوا عليهم؟
لعل السبب الأول هو القول المأثور «من تهن عليه نفسه يهون على الناس.. ومن لا يتعظ من خيانة العهد فلا عذر له». بدأ الأمر باكتشاف اتفاق سايكس بيكو الذى قسمت فيه بريطانيا وفرنسا الدول العربية والذى كشفته الثورة البلشفية ثم صدور وعد بلفور بشأن فلسطين. وبعد ذلك خلعت فرنسا فيصل من على عرش سوريا وأجلسته بريطانيا على عرش العراق وكأنه قطعة شطرنج، ثم ألبت ابن سعود على الشريف حسين فخلعه عن عرش الحجاز ونفوه إلى قبرص. لم يغضب العرب من ذلك وظلوا متدثرين بعباءة فرنسا وبريطانيا وزاد الأمر قبحا عندما قمعت بريطانيا ثورة العراق فى سنة 1920 وقصفت الطائرات الثوار بقنابل الغازات السامة وقتلوا عشرين ألف ثائر، وفى نفس العام، قام تحالف فرنسى إسبانى بقمع ثورة الريف فى المغرب التى قادها المجاهد عبدالكريم الخطابى وقصفت قواته بالغازات السامة. رغم كل هذه الخيانات استمر العرب تحت عباءة الحلفاء لا يشكون ولا يتمردون.. فبدأ الازدراء والاستخفاف بهم.
ثم بدأ العرب بعد ذلك حملة ممنهجة لتشويه صورتهم. بدأت ثورة العراق عام 1958 التى كانت أهدافها نبيلة لكنها شوهت نفسها منذ البداية بقتل الملك الصبى، فيصل الثانى، والوصى عليه خاله، عبدالإله، ورئيس الوزراء نورى السعيد وسحل جثثهم والتمثيل بها وتعليقها على أعمدة الإنارة، أعقب ذلك الانقلاب على عبدالكريم قاسم وقتله هو وقاضى محكمته فاضل المهداوى الذى أعدم العديد من معارضيه بعد محاكمات صورية وتم تصوير إعدام الزعيم وقريبه أمام كاميرات التلفزيون، ثم وصل الطاغوت الأكبر صدام حسين الذى بدأ عصره بإعدام معارضيه علنا أمام العدسات فى قاعة الخلد، وتبع ذلك بعصر من الإرهاب والاستبداد قتل فيه الآلاف من شعبه وأدخل بلده فى حروب كارثية وضرب العراقيين الأكراد بالأسلحة الكيماوية. وفى السودان شن الشمال حربا شعواء على الجنوب وراح ضحيتها مئات الآلاف بل وصلوا إلى المليون، ولم تكد تنتهى الحرب التى استمرت خمسين سنة حتى بدأت حرب جديدة فى دارفور وأخيرا حرب داخل العاصمة الخرطوم يرى فيها مشاهد لا تختلف كثيرا عن ما يجرى فى غزة. وفى لبنان حرب أهلية استمرت لأكثر من أربعين سنة حولت لبنان من واحة العالم العربى الجميلة إلى خرابة. سوريا ارتكب فيها حافظ الأسد فظائع فى عام 1980 و1981 فى حماة وحلب راح ضحيتها عشرات الآلاف، وكرر ابنه بشار المأساة المستمرة حتى اليوم. الجزائر قامت بها حرب أهلية فى القرن الماضى، ليبيا وما فعله بها طغيان القذافى وما فعله أهلها ببعضهم بعد سقوطه، واليمن والاقتتال الدامى فيها أصاب أهلها بالمجاعات والأوبئة. لقد هان علينا دمنا فهان على غيرنا وشوهنا أنفسنا قبل أن يشوهنا الغير.
• • •
هذا عن العرب وما فعلوه بأنفسهم، فماذا عن إسرائيل؟ لعل أهم ما نجحت فيه إسرائيل أنها بقدر استرخاصها للدم العربى فإنها حافظت على حرمة الدم اليهودى، وجاء اغتيال إسحاق رابين فى عام 1995 على يد اليهودى إيجال عامير صدمة كبيرة بأنها سابقة إراقة دم يهودى على يد يهودى. وتطلق إسرائيل شعاراتها الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط مع استحالة قيام ديمقراطية فى دولة أبارتايد تحرم الشعب الفلسطينى من حقوقه وتعتبره مواطنين من الدرجة الثانية إلا أنها تطبق أركان الديمقراطية على المكون اليهودى من الشعب من أحزاب متعددة وبرلمان فعال وانتخابات حرة، ويصعب على العرب تفنيد مقولة إسرائيل والإشارة إلى النقص فى ديمقراطيتهم فى الوقت الذى تنعدم الديمقراطية عندهم.
لعل إسرائيل هى أكبر دولة إرهابية ولدت من رحم الإرهاب والتطهير العرقى أثناء النكبة ثم استمرت فى عمليات الإرهاب والاغتيالات إلا أنها تختار أهدافها وتحيط عملياتها الإجرامية بهالة إعلامية بأنها تخلصت من عناصر إرهابية مجرمة، وتشمل قائمة الاغتيالات الإسرائيلية أبو حسن مصطفى الذى اغتيل فى بيروت سنة 1979، والدكتور يحيى المشد الذى اغتيل فى باريس عام 1980، وخليل الوزير الذى اغتيل فى تونس عام 1988، وكذلك أبو إياد اغتيل فى تونس عام 1991، وغسان كنفانى الذى اغتيل فى بيروت سنة 1972.
أشير أخيرا إلى أن الدول العربية أثناء فترة الحرب الباردة انتهج بعضها النهج الاشتراكى وعادت الدول الرأسمالية عداء شديدا، وانتهج البعض الآخر نهجا رأسماليا وعادت الدول الاشتراكية عداء شديدا. أما إسرائيل فقد استطاعت أن تقيم علاقات ودية مع الاشتراكيين بفضل حزب العمال ونقابات الهستدروت العمالية وحركات الكيبوتز، وتقيم علاقات مميزة مع العالم الرأسمالى بفضل تغلغلها فى أسواق البنوك والمال. كذلك نجحت إسرائيل فى ابتزاز ألمانيا وأوروبا بسبب الهولوكوست والجيتو اليهودى فى المدن الأوروبية، بينما عجز العرب عن إبراز هول النكبة وما عانته الشعوب العربية التى وقعت تحت الاحتلال الغربى.
• • •
أشعر بغصة شديدة لكتابتى هذه السطور فى وقت ينزف فيه الجسم العربى نزفا شديدا وتتعرض فيه الأراضى العربية للنار والدمار إلا أنى أكتب من واقع قناعة بأن المنظومة العربية تعانى من مرض عضال يشوهها ويسممها ويعوق تقدمها ويجعل العالم يفقد التعاطف معها، ومن الحتمى أن ننظر نظرة موضوعية واعية إلى هذه الأمراض ليكون ذلك أول خطوة فى طريق علاجها.

محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات