يهمنى الإنسان - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 5:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يهمنى الإنسان

نشر فى : الأربعاء 20 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 مارس 2013 - 8:00 ص

لم تبن الثورة دولة.. لأن الإنسان أُخرج من مشروعها

 

قل إن شئت استبعده من أمسك زمامها وتولى قرارها أو تصارع عليه.

 

قامت الثورة على أيدى جيل من الشباب لديه تركيبة إنسانية وأخلاقية مغايرة تماما لأولئك الذين تصدروا المشهد فيما بعد سواء فى السلطة أو المعارضة.

 

جيل لديه قبول واسع بالآخر «السياسى والدينى والجنسى والعرقى والطبقى»، أشعل ثورة وسلمها لأجيال كئيبة ترتع فى داخلها كل الأمراض السياسية والدينية والاجتماعية التى استوطنت، فصارت بحكم الاعتياد غير مستهجنة ولا مدانة ولا رغبة لمقاومتها.

 

كانت لحظة تفجر الثورة بداية مشروع حقيقى لـ«بناء الإنسان»، منه تبدأ النهضة الحقيقة، لكن سياسيين انتهازيين وقليلى الموهبة والكفاءة ومحرومين من الخيال تصوروا أن بناء الإنسان يعنى تغذية عقله بما أفسد عقولهم، ومصادرة حقه فى التفكير لتفكر له النخبة فقط فى كل جماعة أو حزب أو تيار.

 

عد إلى مشهد «ارفع راسك فوق أنت مصرى» فى لحظة توهج الإنسان المصرى وزهوه بإنجازه، تلك الرسائل التى كانت تأتيك لتحفزك: لا تدفع رشوة.. لا تكذب.. لا تخرق القانون، وصور الفخر التى كنت تتداولها معتقدا أن مرضا طائفيا انتهى بلا رجعة وأنت تقول مسلم ومسيحى إيد واحدة، وأن مرضا اجتماعيا فى النظر للمرأة تعافى منه المجتمع ذهنيا وجنسيا، وأن مرضا سياسيا قائم على الخندقة والتربص بالآخر أنهاه نضال مشترك وميدان متوحد رغم تنوعه.

 

ما الفارق الذى حدث؟

 

لم يجد الميدان من يسوق مشروعه الأخلاقى لإعادة بناء الإنسان، جرى استخدامه سياسيا لدعم الأجندات الخاصة، لكن المشروع الأخلاقى سقط بامتياز فى اللحظة التى تصدرت فيه نخبة قديمة وملأت مقاعد السلطة والمعارضة، واحتلت الصفحات الأولى فى الصحف، وفى اللحظة التى كان المجتمع فيها ينتظر من يدعم هذه الرسالة الأخلاقية وجد أناسا يتحدثون كثيرا عن الأخلاق دون مضمون، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم يتصدرون ويحكمون.

 

كيف تبنى إنسانا لا يكذب، ولديك رئيس دولة يكذب، وسلطة تحترف الكذب، ومعارضة تقاوم الكذب بالكذب، وإعلاما يحتفى بالكذب؟

 

كيف تبنى إنسانا سويا غير طائفى، ولديك سلطة تستدعى شبح الطائفية فى كل اختبار سياسى، وتيارات تقسم المجتمع على الهوية الدينية، وتيارات تغذى إحساس الأقلية فى داخلها لتضمن مصالحها وأوراقها.

 

كيف تبنى إنسانا يحترم القانون، فيما لديك سلطة لا تحترم القانون وتستهين بالقضاء، كيف تنظر لمواطنين يسحلون لصوصا ويقتلون من يشتبهون أنهم بلطجية على أنه مقدمة لتكريس شريعة الغاب، دون أن تسأل السلطة والنخبة والجماعات والتيارات، عن دولة القانون التى بدأوا بإهدارها.

 

كيف تبنى إنسانا سويا لا يرى المرأة إلا جسدا لا يستحق سوى الاستباحة، وهو يعيش فى مجتمع يمارس تحقير ممنهج ضد المرأة، يكرس صورتها كـ«عار محتمل»، العورة فى صوتها، والفتنة فى وجهها، والنار فى قربها، وجهنم خُلقت من أجلها، حتى يصبح اخفاؤها واجبا، و«سترها» المبكر حقا، وانزواؤها احتراما، وخروجها سفورا، وانتهاكها إذا خرجت مباحا.

 

كيف تبنى دولة وأنت عاجز عن بناء الإنسان.. وكيف تبنى الإنسان وأنت عاجز عن أن تكون قدوة، وكيف تحقق أهداف الثورة سياسيا واجتماعيا.. وأنت بعيد كل البعدعن مشروعها الأخلاقى..!

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات