داعش الأمل والسياسة - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

داعش الأمل والسياسة

نشر فى : الجمعة 20 مارس 2015 - 10:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 20 مارس 2015 - 10:25 ص

سبق وأن تحدثنا عن داعش الأمل والدين والسياسة وركزنا فى كيف أن داعش صارت أملاً للشباب العدمى والناقم على الحضارة الحديثة والباحث عن الهوية، واستخدمت فى ذلك أدبيات دينية عن نهاية التاريخ واليوم الآخر ونتحدث اليوم عن البعد السياسى فى تنظيم داعش.

لقد كان ظهور التنظيمات الإرهابية فى العالم العربى تعبيرا عن فشل مشروع التحديث، وقد كان آخر أمل له مشروع القومية العربية الذى تساقط تحت سنابك خيل الديكتاتوريات العسكرية، لقد جاء التطرف الدينى كرد فعل مريض لذلك الفشل. ومن المعروف فى عالم السياسة أنه عند إنهيار نظام قديم، وقبل أن يتشكل النظام الجديد يحدث ما يسمى بالهروب إلى الأمام من خلال العودة المريضة إلى الهوية، أو الحديث عن الهوية بشكل قاصر، كما اتضح فى قمته بالدعوة إلى «الخلافة الإسلامية» وسياسة العنف المبالغ فيها ظنا منهم أنها عودة للهوية، حيث استخدموا مصطلح الهوية الدينية لتفريغ الدين من مضمونه الأساسى (السلام مع الله والنفس والآخر) وذلك بقتل الآخر وانتحار الذات باسم الله.

•••

وإذا تأملنا فى الظاهرة الأمريكية نجد أنها جاءت نتيجة الإصلاح الدينى الذى وقع فى أوروبا فى القرون الوسطى وحولها إلى دول علمانية رافضة الحكم الدينى، بينما المصلحون الذين هربوا بفكرهم من الإضطهاد الكنسى الأوروبى إلى الأرض الجديدة أسسوا دولتهم على الإيمان المسيحى برفع قيم حقوق الإنسان، والحرية لجميع الشعوب والعدالة.. إلخ، والتى أصبحت بعد ذلك قيما كونية حداثية. لكننا فوجئنا بأن هذه القيم تؤيد العنصرية ضد السود فى الداخل الأمريكى، وكان لابد من حرب أهلية لكن ما زالت التفرقة واضحة حتى اليوم، وقد فوجئنا بتأييد دولة إسرائيل العنصرية الدينية، وهكذا نستطيع أن ندرك أن الدين لا يموت فى الحداثة لكنه يتخذ أشكالاً مختلفة بعضها عنيف وبعضها غير عنيف.

ومن هنا يمكننا فهم وإدراك تأييد أمريكا الحداثة للتوجهات الدينية المتطرفة مثل الإخوان المسلمين، ومساعدتهم بقوة ليحكموا مصر وتونس وسوريا وليبيا.. إلخ، إن العنصرية الأمريكية وتأييد إسرائيل تنسجمان تماما مع فكرالجماعات الدينية المتطرفة، لذلك وبلا شك والكل يعلم أن القاعدة وداعش وجبهة النصرة هم من صنع السياسة والمخابرات المركزية الأمريكية. ومن هنا نستطيع أن نفهم كيف أن سلاح داعش موجه إلى بلدان الشرق الأوسط ماعدا إسرائيل، وأن إسرائيل وأمريكا كانا أكثر راحة مع حكم الإخوان فى مصر وتونس، وكانت هناك مشاريع إستراتيجية بينهم من توطين الفلسطينيين فى سيناء والموقف من حلايب وشلاتين، والهدنة الطويلة بين إسرائيل والفلسطينيين.. إلخ، وأيضا تصريح أوباما بأن الحرب ضد داعش سوف تأخذ أكثر من ثلاث سنين، والجميع يعلم أن أمريكا لن تسمح بالقضاء على داعش لأن هناك أهدافاً لم تتحقق بعد فى المنطقة.

لقد حققت ثورات الربيع العربى والتى قفزت عليها الجماعات الدينية ما أطلق عليه الفوضى الخلاقة، لكن ما زالت هناك مسافة بين الفوضى الخلاقة كمرحلة أولى وبين تحقيق الهدف النهائى التقسيم الجديد للمنطقة، حيث لم يعد تقسيم سايكس بيكو مقنعاً للسياسة العالمية. لذلك ونحن نسير فى طريقنا بين الفوضى الخلاقة وصولاً إلى التقسيم الجديد لابد من المحافظة على التطرف الدينى لكل الأطراف وعلى نموذج داعش على وجه الخصوص. فنحن أمام دولة يحكمها «خليفة» برزت أمامنا فجأة وتمددت بسرعة غريبة فى سوريا والعراق ثم ليبيا، لها بنوكها ومدارسها ومكاتبها الحكومية، ولها ثروة نفطية شعبها مكون من آلاف النساء والرجال على امتداد العالم، وما زالت رغم ما يحدث قوة لا يُستهان. ولأن الهدف هو التقسيم كان لابد أن يكون لداعش نظريته فى القتل والانتقام، فهى لا تقتل على أساس هوية الشعوب أو الهويات الوطنية فهى لا تقتل المصرى لأنه مصرى ولا السعودى لأنه سعودى، وهكذا العراقى والسورى، لكنها تقتل «الشيعى«و «المسيحى» و«الزيدى» والمسلم السنى، الذى لا يسير فى ركابهم.

•••

إن المطلوب من داعش سياسيا والأمر صادر من المتحكمين فى العالم، وفيه أن يستنفر ويستفز الطوائف والمذاهب والملل والنحل باستثناء اليهود. إنهم يريدون من الأقليات الدينية والمذهبية فى العالم العربى أن يتحدوا معا ضد دولة الخلافة الإسلامية السنية لكن المشكلة أنه ما زالت بعض الدول السنية تتحرك كجيوش وشعوب متماسكة، مثل مصر وتونس والجزائر والعراق وسوريا رغم كل ما يحدث فيهما. لقد كاد نور المالكى يحقق هدف داعش باثارة الفتنة بين سنة العراق وشيعتها لكنه ترك الحكم غير مأسوف عليه على الرغم من التحالف الأمريكى معه. من هنا كان على «داعش» أن يخترق تلك البلاد المتماسكة، والتى لا يخلو منها التعصب المذهبى والحرب الدينية على شبكة التواصل الاجتماعى مع تقاعس مؤسساتها الدينية بإمساكها العصا من المنتصف، على أمل تحقيق الهدف النهائى وهو تقسيمها. ولأن هذا المخطط قد انكشف أمام شعوب العالم كان لابد من إضعاف «داعش» ومحاربتها بقوة، عندها تحالف الأكراد مع الجيش والقبائل فى العراق ضد داعش، وكان لنجاح ثورة 30 يونيو فى مصر وفشل محاولات قسمة الجيش على نفسه، وقيام الشعب التونسى بإعادة التوازن، وقيام إيران بتعضيد بشار الأسد هكذا أصبحت نهاية داعش وشيكة.

أما حديث أوباما عن تأخير سقوط داعش لثلاث سنوات فقد كان الهدف منه هو البحث عن بديل لداعش بصورة مختلفة من صنع المخابرات والخبراء بحيث لا يكون تكرارا لداعش، وتكون مهمة ذلك البديل استكمال المرحلة الأخيرة بتقسيم المنطقة، وهم يشتغلون عليه الآن بهمة وتركيز، وبالطبع سوف نفاجأ نحن بالبديل كما فوجئنا بداعش من قبل ذلك، لأننا مشغولون بمحاربة داعش وهزيمته وتكوين تحالف سنى ضد التحالف الشيعى.

أستاذ مقارنة الأديان

اقتباس
المطلوب من داعش سياسيا والأمر صادر من المتحكمين فى العالم وفيه أن يستنفر ويستفز الطوائف والمذاهب والملل والنحل باستثناء اليهود.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات