صفقة القرن واغتنام الفرص النادرة - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صفقة القرن واغتنام الفرص النادرة

نشر فى : السبت 20 أبريل 2019 - 10:55 م | آخر تحديث : السبت 20 أبريل 2019 - 10:55 م

هنيئا لك يا مستر نتنياهو فقد فتحت لك جميع الأبواب وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أكثر أحلام غلاة الصهيونية طموحا.. فقد أعطيت القدس كاملة شرقها وغربها ومن فوقها مرتفعات الجولان السورية العربية وأعلنت أنك ستضم الضفة الغربية أو على الأقل ما عليها من مستوطنات صغيرها وكبيرها إلى إسرائيل إذا ما فزت فى الانتخابات.. وسارعت الولايات المتحدة بتأييد ضمها.. فماذا تبقى من هذه القضية المنغصة التى يسمونها القضية الفلسطينية.. آه اللاجئين.. سيتم تصفية مشاكلهم من خلال تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين المتهمة بأنها أبقت المشكلة طوال العقود الماضية ولم تعمل على توطين اللاجئين وتهيئة الفرصة لهم لحياة طبيعية تنتفى فيها صفة اللاجئ، ثم إن هناك مخرجا إضافيا وهو إعادة التعريف بحيث تقتصر صفة اللاجئ على الشخص الذى خرج فقط دون الأجيال اللاحقة من أولاد وأحفاد.. وتطبيق هذا المعيار يستبعد العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين، أما الفلسطينيون من سكان الضفة الغربية، فالحل موجود وتم إعلانه على لسان مهندسى صفقة القرن.. كوشنر صهر الرئيس الأمريكى ترامب وبومبيو وزير خارجيته، فقد صرحا فى تصريحين منفصلين ولكن بنفس المعنى «أنه آن الأوان للتعامل مع القضية الفلسطينية بواقعية وبمراعاة الحقائق على الأرض وبحلول منطقية وقابلة للتنفيذ وذلك بأن يكون التركيز على رفع معاناة الشعب الفلسطينى من خلال معالجة المشكلات الاقتصادية التى يواجهونها».

***
ووفقا لموقع روسيا اليوم الإخبارى فإن بنيامين نتنياهو يعكف حاليا على صياغة نظرية أمن قومى جديدة تحت عنوان «المفهوم الأمنى 2030»، وسيطرحها على مجلس وزرائه فور تشكيل الحكومة الجديدة وستكون هذه أول مرة يعاد فيها صياغة مفهوم الأمن القومى الإسرائيلى الذى وضعه مؤسس الدولة وأول رؤساء حكوماتها دافيد بن جوريون.

ووفقا للوكالة التى بثت الخبر فإن الوثيقة ستمثل تغيرا جذريا فى المفهوم الأمنى لإسرائيل وستعكس المتغيرات التى طرأت على الوضع السياسى العالمى خاصة على سياسة الولايات المتحدة بعد وصول ترامب إلى الحكم، وستتجاهل الوثيقة أهم عنصرين من عناصر التسوية السلمية وهما:
ــ حل الدولتين.

ــ والأرض مقابل السلام.
بادعاء أن التهديدات التى تواجه إسرائيل قد تغيرت وأن تراكم هذه التهديدات تتطور على مر السنين.

***
ومن ناحية أخرى فقد اعتبر بومبيو وزير خارجية أمريكا فى حديث مع CNN أن فرض السيادة الإسرائيلية فى الضفة الغربية «لن يؤذى خطة واشنطن المنتظرة للسلام»، مضيفا أن «الرؤية التى سنعرضها ستختلف كثيرا عن النموذج المتبع سابقا والذى لم يحقق السلام خلال الـ40 سنة الماضية، فهى رؤية تضم أفكارا جديدة مختلفة ومتميزة.

***
وهكذا تكون صفقة القرن قد وضحت معالمها واكتملت عناصرها ولم يعد المراقب فى حاجة إلى التكهن أو التخمين بفحواها، فهى ترتكز على أمرين اثنين: أولهما: إزاحة كل عناصر التسوية السلمية من على مائدة التفاوض مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والتى يعتبرها ترامب عقبات فى سبيل التوصل إلى الحل.

فماذا بقى من المشكلات؟ لم يبق إلا شىء بسيط وهو الفلسطينيون وهنا تبرز أهم عناصر صفقة القرن من وجهة النظر الأمريكية ـ الإسرائيلية.. وهو العنصر الاقتصادى.. وبالرغم من عدم وجود معلومات رسمية عما يحويه الشق الاقتصادى من الصفقة إلا أن المؤكد أنه أهم عناصرها والتى ستكون من الضخامة والبريق الذى يأمل معه واضعو الخطة أن تميل رءوس العرب والفلسطينيون، حيث تشير التسريبات المتناثرة أن الحديث يدور حول مبالغ تصل إلى تريليون دولار أى ألف مليون دولار.. لتحويل المناطق الفلسطينية والدول المحيطة بها إلى شعلة من النشاط الاقتصادى..

ولا شك أن المظاهرات التى خرجت فى غزة تحت شعار «بدنا نعيش» ــ إن لم تكن بفعل فاعل ــ فهى قد شجعت مهندسى الصفقة وطمأنتهم بأنهم على الطريق الصحيح.. فهنيئا مرة أخرى لنتنياهو وصحبه بأنهم قد أتوا بما لم تستطعه الأوائل وحققوا ذلك دون أى عواقب تذكر، فلم تسقط السماء على الأرض ولم ينشق القمر ولم يهتز غصن شجرة فى إسرائيل فالسماء صحو والجو ربيعى والسلام الوطنى الإسرائيلى يعزف فى العواصم الخليجية والحكام العرب يصطفون بجانب نتنياهو لمواجهة «إيران الإرهابية».

وقد اعتبرت صحيفة «يسرائيل هيوم» (إسرائيل اليوم) اليمينية أن أمام نتنياهو فرصة تاريخية ونادرة لتصفية القضية الفلسطينية وتهويد الضفة الغربية، وأضافت الصحيفة «أنه إذا كان هناك مجال أظهر فيه نتنياهو قدرات أفضل بكثير من جميع أسلافه فهو المجال السياسى الدبلوماسى، فقد وضع إسرائيل على الخريطة الدولية كما لم يحدث من قبل».

وناشدت الصحيفة نتنياهو بأن يأخذ فى الاعتبار أن ترامب قد لا يعاد انتخابه ولذا فعليه أن ينتهز الفرصة فى العام والنصف المتبقين لطى القضية الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد».

فالظروف التى نشأت نادرة والليبراليون واليساريون أصبحوا ضعفاء فى الغرب وتيار اليمين قد اجتاح إسرائيل (حزب العمل الإسرائيلى حصل على مقاعد أقل من القائمة العربية فى الكنيست)، والفلسطينيون أصبحوا على الهامش ويوجد فى البيت الأبيض رجل شجاع ومحب لإسرائيل لم يوجد مثله من قبل..
وختمت الصحيفة بقولها: «هذه ليست نافدة فرص.. إنها عالم متكامل من الفرص النادرة».

***
ولا يبقى بعد ذلك سوى مشكلة الألف مليار دولار.. كيف يمكن تدبيرها بعيدا عن إسرائيل.. لم يفت ذلك المخططون.. فقد كلفت إسرائيل أحد بيوت الخبرة الدولية بحساب أموال وممتلكات اليهود الذين غادروا الدول العربية ووفقا لتقرير بثته إحدى قنوات التليفزيون الإسرائيلية أن إسرائيل قدرت القيمة الإجمالية لممتلكات اليهود فى الدول العربية بـ250 مليار دولار.

ويذكر أن الكنيست الإسرائيلى كان قد أقر قانونا فى عام 2010 يربط «جميع مفاوضات السلام بقضية التعويض عن الممتلكات اليهودية»، ويشرف على مشروع حصر الممتلكات وزيرة المساواة الاجتماعية.

وهكذا استعدت إسرائيل لمواجهة أى طلب بالمساهمة فى تمويل صفقة القرن.. استعدت لتقديم طلب مضاد.. فهل استعدينا نحن.. أبسط شىء هو حساب بترول سيناء الذى استحوذت عليه إسرائيل لمدة خمسة عشر عاما واستغلته استغلال أضر بالآبار وفقا لرأى الخبراء.. هل تم حسابه ولماذا توقفنا عن المطالبة بالتعويض الذى يقره القانون الدولى..

الذى أذكره ــ وقد كنت عضوا فى الوفد الاستشارى بمفاوضات السلام مع إسرائيل عام 1978 (مفاوضات بلير هاوس التى تم فيها إعداد اتفاقية السلام) أنه تم تشكيل مجموعة عمل لموضوع البترول وما إن بدأت عملها حتى صدرت الأوامر بتأجيل هذا الموضوع لكى تتم معالجته خارج إطار مفاوضات السلام، وقد قيل وقتئذ إن السادات لم يكن يرغب فى إعطاء إسرائيل أى فرصة للتعطيل..

أما عن ممتلكات اليهود فى مصر، فالذى يعلمه الكثيرون أن غالبيتهم كانوا يحملون جنسيات أخرى وتم تعويضهم فى إطار التعويضات التى صرفت للإنجليز والفرنسيين.. مثل بنزايون صاحب المحلات الشهيرة فى قاهرة الخمسينيات الذى كان يعيش فى جنيف معيشة الملوك بعد أن غادر مصر ويقول إن ذلك بسبب الباسبور البريطانى الذى أعاد لى كامل أموالى التى أممت فى مصر..

***
لقد اقترب موعد الإعلان الرسمى عن الصفقة فى منتصف مايو المقبل (فى ذكرى النكبة) واقتراحى البسيط هو ألا نرفض الرفض السلبى المعتاد دون تقديم بديل، بل يكون موقفنا هو: إذا كنتم ترون أن حل الدولتين لا يحقق الأمن لإسرائيل وأن وجود قوات الأمن الإسرائيلية فى الضفة هو الضمانة الوحيدة لعدم تحول الدولة الفلسطينية إلى دولة معادية أو واقعة تحت سيطرة دولة معادية مثل إيران، إذا كنتم ترفضونها لهذا السبب فلنعد إلى حل الدولة الواحدة بشرط تمتع سكانها جميعا ــ عرب ويهود ــ بالحقوق المتساوية...

أرجو أن تتبنى الدول المحيطة بإسرائيل مصر والأردن ولبنان وبالطبع (السلطة الفلسطينية) هذا الموقف التفاوضى وسيقف العالم بأسره معنا.

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات