الخلافة - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخلافة

نشر فى : السبت 21 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 21 يوليه 2012 - 8:00 ص

 

(1)

 

كل مسلم عاقل يقر أن قيم الدين ومقاصده هى إطار عام لحياة الأمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كما أن أحكام الشريعة هى السقف الأعلى للتقنين الحاكم للعلاقات والتصرفات بين سائر المواطنين، لكن ذلك لا يعنى بالضرورة أن يكون اسم نظام الحكم خلافة، ولا يعنى أن منصب الحاكم «خليفة أو ملك أو رئيس» منصبا دينيا، فليس فى مطلق الدين والتدين عند المسلمين منصب دينى تجب له الطاعة غير النبوة والرسالة، وجميع مناصب الأمة والدولة لا قداسة لها، ولا تستحق توقيرا إلا بالقدر الذى يمنحه الناس لها تقديرا لقيامهم بمصالح الشعب.

 

كما أنه ليس فى نطاق الشريعة وفقهها ما يجعل لكائن من كان حق الانفراد باتخاذ قرار فى أى شأن كان سواءا انفراد شخص أو مذهب أو فريق أو تيار، فشؤن الأمة أكبر من الرؤية أحادية الجانب، فنصوص الوحى الإلهى والبيان النبوى ثم فقه الفقهاء لا يعرف تقديسا لمنصب ولا عصمة لرأى، ولا حصانة لسلطان.

 

(2)

 

ومنصب الخليفة بما له من بريق تاريخى لكونه المصطلح الأسبق استعمالا لأول حاكم اختارته الأمة بعد رسول الله (ص) وهو أبو بكر الصديق وقد ناداه أحد الناس بقوله: (يا خليفة الله) فقال الصديق: (لست خليفة الله وإنما خليفة رسول الله) وبقى أبوبكر قرابة العامين يحمل لقب الخليفة.. فلما بايع الناس عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)، رأى عمر وجميع الصحابة أن لقب الخليفة لا يصلح ولا يليق له، حيث إنه لم يخلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بل جاء خلفا لأبى بكر، فعمر خليفة خليفة رسول الله ومن يجئ من بعده سيكون خليفة خليفة خليفة رسول الله. وفى ذلك مشقة من ناحية، وعدم ضرورة من ناحية ثانية، فضلا على أن المكلف بالحكم يجئ باختيار الأمة وليس باستخلاف من قبله فطلب عمر بن الخطاب من فقهاء الصحابة وأهل الشورى أن يدلوا بدلوهم فى هذا الشأن فترجح لدى الجميع لقب (أمير المؤمنين)، وذلك اللقب الذى شكل فتحا فى فقه الاصطلاح السياسى لما حمله من دلالات لا تخفى.

 

(3)

 

فمصطلح الأمير: مصطلح دائر على جميع مستويات الاجتماع حتى أن رسول الله (ص) يعلم الناس، قائلا: «إذا كنتم ثلاثة فآمروا أحدكم» أى أنه من الأفضل لأى جماعة أن تختار أميرا من بينها توحيدا للكلمة وتنظيما للعمران، وهكذا فالأمير تصنعه الأمة وتقدمه باختيارها. كما أن أمير أى جماعة أو دولة، يمارس قدرا من الضرورة المتمثلة فى تنازل الناس عن بعض حقوقهم تنازلا مشروطا وموقوتا مشروطا بأن تكون إدارة الأمير لشئون المجتمع إدارة كفاية وشفافية، والكفاية هى استطاعة تحقيق مصالح المجتمع فى ضوء مقاصد الشريعة، أما الشفافية فنقصد بها وضوح موازين ومعايير العمل والإنجاز، وأما أن يكون تنازل الناس تنازلا موقوتا فهو عين الشرع لأن أحد أبرز أركان العقود ــ أى عقود ــ هو تحديد مدة التعاقد تحديدا قاطعا، فأبدية عقود المعاملات مرفوضة شرعا، وليس من عقد يتم على التأييد إلا عقد الزواج وقد اشترط الشرع لاستمراره المودة والرحمة والعدل والرضا

 

(4)

 

وحينما منح الصحابة (ر ض) عمر بن الخطاب لقب أمير المؤمنين فأنهم قد حملوا المصطلح بمفهومه الشرعى «فهو أمير جاء من بين المؤمنين أى جاء باختيارهم، ثم هؤلاء الذين اقدموا على ترشيح الأمير ثم انتخابه هم «جماعة المؤمنين» بما يحمله لفظ المؤمنين من قدرتهم، وعلمهم، وألتزامهم الشريعة، وعدم حرصهم على مصالح منافع خاصة..

 

فالأمير ليس صفوة بين عوام ــ ولكنه وأهل الحكم نخبة منتقاة من أمة يقظة تعرف مالها وما عليها وتدرك أن مهمتها الأولى فى الدنيا هى الحرص على كرامة الإنسان وإعمار الأرض لكفاية أهلها ــ والأهم من ذلك أن لقب الأمير كان متداولا فى الحكم قبل الإسلام ومعنى ذلك أن الشريعة لم تجئ فى هذا الأمر بلقب جديد.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات