الشرق الأوسط ودروس الحرب العالمية الأولى - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشرق الأوسط ودروس الحرب العالمية الأولى

نشر فى : الإثنين 20 نوفمبر 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 20 نوفمبر 2017 - 9:50 م
تتواكب ذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى فى ١١ نوفمبر ١٩١٨ مع تزايد مخاطر حرب جديدة فى المنطقة جراء تصاعد التهديدات من قبل بعض الأطراف وتشجيع أطراف أخرى لها، وبما يهدد بنشوب حرب جديدة تكون ساحتها الدولة اللبنانية هذه المرة. وقد عرضت فى مقالى الأخير بعنوان «الشرق الأوسط فوق صفيح ساخن» كيف تتجمع نذر الحرب فى المنطقة وشواهد ذلك، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التى تبذل من قبل أطراف عديدة ــ وعلى رأسها مصر ــ لمنع انزلاق المنطقة إلى حرب جديدة، فإن هناك من لا يزال يصب الزيت على النار، ويبدو أنه لن يهدأ له بال حتى يتم إشعال هذه الحرب. ولعل التقرير الذى نشرته جريدة الجارديان البريطانية فى عددها يوم ١١ نوفمبر الحالى بعنوان «القيادة الإسرائيلية تتحدث عن حرب أخرى مع حزب الله» ــ ينم عن طريقة التفكير الإسرائيلية ويكشف عن نواياها. فقد نقل التقرير ما جاء على لسان قائد سلاح الجو الإسرائيلى السابق اللواء أمير إيشيل خلال مؤتمر هرتزليا فى شهر يونيو الماضى من أن إسرائيل تستطيع تدمير الترسانة الصاروخية لحزب الله (والتى يتم تقديرها بمائة ألف صاروخ) فى غضون ٤٨ إلى ٦٠ ساعة مقارنة بمحاولة إسرائيل السابقة فى عام ٢٠٠٦ والتى استغرقت ٣٤ يوما. فما وجه الشبه والمقارنة بما حدث فى الحرب العالمية الأولى مع ما يحدث اليوم فى الشرق الأوسط حتى نستفيد من دروس التاريخ ونستشرف بعض ملامح ما قد يحدث فى الأيام والأسابيع القادمة؟

بداية وكما نعرف جميعا، فإن شرارة الحرب العالمية الأولى انطلقت مع قيام متشدد صربى باغتيال ولى عهد النمسا فى مدينة سراييفو بالبوسنة فى يونيو ١٩١٤، لتقوم بعدها الإمبراطورية النمساوية المجرية ــ بتشجيع من ألمانيا ــ بشن حرب ضد مملكة صربيا التى ينتمى إليها الإرهابى الذى قتل ولى العهد كما ذكرنا. وكان هدف ألمانيا من تشجيع هذه الحرب هو جر روسيا إلى مواجهة عسكرية معها، وقبل أن تستكمل روسيا إعادة بناء جيشها وتوسيعه، وهو المشروع الذى بدأته الحكومة الروسية قبل عدة سنوات، وكانت ألمانيا تخشى من نتائجه عليها. وبالتالى تصورت القيادة الألمانية أنها يمكنها فى هذا التوقيت أن تقضى على هذه القوة العسكرية البازغة ولفترة طويلة قادمة. هذا، وقد عمدت ألمانيا إلى استغلال العلاقة التى جمعت روسيا بصربيا من أجل جرها إلى الحرب معها، حيث إن روسيا الأرثوذكسية التى تنتمى للعرق السلافى قد نصبت من نفسها حامية لمملكة صربيا الأرثوذكسية السلافية، وبالتالى فإن روسيا ما كانت لتقف مكتوفة الأيدى إذا ما قامت النمسا الكاثوليكية/البروتستانتية الجرمانية بغزو المملكة الصربية. وهكذا دخلت روسيا الحرب ووقعت فى الفخ عندما سارعت لنجدة صربيا، فأعلنت الحرب على النمسا لتقوم ألمانيا الكاثوليكية/البروتستانتية الجرمانية بدورها بمساعدة حليفتها النمسا وإعلان الحرب على روسيا. وهكذا قامت الحرب فى البداية نتيجه نشوء تحالفين أساسيين، هما التحالف الأرثوذوكسى السلافى من روسيا وصربيا فى مواجهة التحالف الكاثوليكى/البروتستانتى الجرمانى من ألمانيا والنمسا، وبدأت الحرب التى كانت القيادة الألمانية تسعى إليها وتؤمن بقدرتها على الانتصار فيها خلال أشهر قليلة.

ولكن الرياح لا تأتى دائما بما تشتهى السفن، وبداية الحرب ليست مثل نهايتها، وما يحدث على الأرض لا يكون بالضرورة ما تم التخطيط له أو توقعه. ودون الدخول فى الكثير من التفاصيل حول مجريات الحرب وكيف سارت، إلا أن أهم ما يعنينا هنا هو كيف اتسع نطاقها وخرجت عن السيطرة، فقد انضمت كل من فرنسا وبريطانيا إلى صف روسيا لأسباب خاصة بكل منهما. فرنسا تريد الثأر من ألمانيا لهزيمتها فى حرب ١٨٧٠ وفقدان إقليم الألزاس، وبريطانيا تخشى من هيمنة القوة الألمانية المتصاعدة على مقدرات القارة الأوروبية. على الجانب الآخر، فقد انضمت الإمبراطورية العثمانية، العدو التقليدى لروسيا، إلى ألمانيا والنمسا على أمل استرداد الأراضى التى فقدتها سابقا لروسيا فى حروبها العديدة معها. طبعا كانت هناك أطراف أخرى لا يتسع المجال لعرضهم جميعا، ولكن كما نعلم فإن دخول الولايات المتحدة البروتاستنتية الأنجلو ساكسونية بجانب بريطانيا البروتاستنتية الأنجلو ساكسونية فى شهر إبريل من عام ١٩١٧، رجح الكفة ضد التحالف الألمانى النمساوى العثمانى، ولتنتهى الحرب فى ١١ نوفمبر من عام ١٩١٨ بعد أربع سنوات من اشتعالها، بعد تدمير أربع إمبراطوريات (الروسية والألمانية والنمساوية والعثمانية)، وسقوط أكثر من عشرين مليون قتيل، ناهيك عن المصابين وما أصاب المدنيين من خراب ودمار.

كانت الحرب العالمية الأولى درسا واضحا للجميع، فمن السهل بدء الحرب تحت دعوى نصرة أبناء نفس العرق أو الدين أو الطائفة أو القومية، مثلما اندفعت روسيا لنصرة صربيا، ولكن من الصعب التحكم فى مسار الحرب ومنعها من الاتساع أو الخروج عن السيطرة. والمتابع للمشهد الحالى فى المنطقة لا يستطيع إلا أن يلحظ كيف تتطور الأمور فى إتجاه تحالف سنى تقوده السعودية فى مواجهة تحالف شيعى تقوده إيران، وسواء اتفقت المصلحة السعودية مع إسرائيل أم لا فى مواجهة حزب الله ومن ورائها إيران، فإن اندلاع حرب إسرائيلية ضد حزب الله قد لا تقتصر فقط على الأراضى اللبنانية ولكن قد تتدخل فيها إيران لمساندة حزب الله من خلال الحرس الثورى المتواجد فى سوريا قرب الحدود الإسرائيلية. وعندها تصبح جميع الاحتمالات مفتوحة، بما فيها فتح جبهة إيرانية سعودية. فهل يتم إستيعاب درس الحرب العالمية الأولى وعدم الانجرار لأفعال تؤدى إلى سلسلة من ردود الفعل لا يعلم أحد كيف ستتوقف أو كيف ستنتهى.

 

التعليقات