فى الظروف الحافّة بالتصويت على مواد الدستور - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى الظروف الحافّة بالتصويت على مواد الدستور

نشر فى : الثلاثاء 21 يناير 2014 - 10:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 يناير 2014 - 10:10 ص

المناخ الذى يتمّ فيه التصويت على أبواب الدستور فصلا فصلا «حار» ومضطرب ومعقّد وتشوبه الكثير من العراقيل منها ما له صلة بعامل الوقت، وظروف العمل والإكراهات والضغوط التى تمارسها الأحزاب على مُمثّليها داخل المجلس التأسيسى، ومنها ما له علاقة بالبنية النفسية، والأحلام، والطموحات، والهوامات، ومنها ما يرتبط بحفظ ماء الوجه، والإيفاء بالوعود، والتشفّى من زعماء ومسئولين عن سنوات القهر، ومنها ما يتعلّق بتحصين قيم الجمهورية، ودولة المؤسسات، والحفاظ على المكتسبات. ولذلك تجاورت مطالب التنقيح التى تعبّر عن رؤية نكوصية تُعيد إلى الأذهان «حروب» الهوّية والشريعة والمقدّسات.. ومحاولات التسييج والتقييد، وسدّ المنافذ مع مطالب تروم الارتقاء بمضمون الدستور التونسى، وجعله طلائعيا يضمن الحقوق والحريات لجميع المواطنين بلا استثناء، ويحقّق التوازن المنشود بين مختلف السلطات.

•••

وبالرغم من الأداء الردىء لعدد من النوّاب من هذا الحزب أو ذاك، والمؤامرات والدسائس التى حيكت بتدبير ماكر لتعطيل نسق الأعمال أو لفرض رؤية الأغلبية فإنّ مسار إضفاء اللمسات الأخيرة على صياغة الدستور مستمرّ «ولو كره الكارهون».

لسنا من المردّدين: «القافلة تسير والكلاب تنبح»، وهو مثل كثيرا ما يطلقه البعض ردّا على المتعصّبين أو الحاسدين أو الباحثين عن «بثّ الفتنة».. فاحترام حقّ الآخر فى التعبير مكفول تشريعيّا، وتسعى مختلف مكوّنات المجتمع المدنى إلى تحويله إلى ممارسة فعليّة كما أنّ أدبيات الحوار والتفاعل مع الرأى المغاير تحثّ على قبول مبدأ «تعدّد الأصوات» وفق مبدأ «الاختلاف لا يفسد للودّ قضيّة».

وعلاوة على ذلك فإنّ السياق الذى يكتب فيه الدستور التونسى يفترض وجود حدّ أدنى من «التوافق» بين الفرقاء السياسيين وهو ما سمح للنواب بالتسريع فى نسق المصادقة على فصول الدستور، وتجاوز الخلافات التى تثبت كثرة الرهانات والتحديات التى تحفّ بعمليّة كتابة الدستور.

•••

بيد أنّ المشهد الاحتفالى الذى سمح لأغلب الفاعلين السياسيين والحقوقيين بالإشادة بالمكاسب التى تحقّقت قد اربكته عناصر «التشويش»، فالبعض لم يتردّد فى تنظيم الحملات المندّدة بدستور يتعارض مع الشريعة الإسلاميّة، ويعبث بالسيادة ولا يحقّق حلم الأمّة باستعادة مجد ولّى وإعادة تأسيس الخلافة، والبعض الآخر هدّد بتنظيم حملة الاستفتاء على الدستور بطريقة تفضى إلى «إسقاطه»، والبعض الآخر دعا إلى استبدال النوّاب بنوّاب يعملون «بشرع الله». وفى نفس السياق نقلت مختلف وسائل الإعلام خبر تأهّب رئيس حزب الزيتونة للقيام بوقفة احتجاجية للمطالبة بتعدّد الزوجات، وإن كان الرجل قد زعم أنّ موضوع الاحتجاج رفض الفصل 6 من مشروع الدستور الذى ينص على تجريم التكفير وحرّية الضمير، وهو احتجاج سبقته احتجاجات مماثلة تندّد بحرية الضمير باعتبارها ستفتح الباب على مصراعيه لعبدة الشياطين والزنادقة الجدد وغيرهم.

وبقطع النظر عن دلالات الشعارات المرفوعة، والمطالب المعبّر عنها فإنّ الجميع يبرّر تحرّكه «المشروع» بأنّه ينضوى تحت حقّ التعبير ــ ومعنى هذا أنّ الذين لا يعترفون بالديمقراطية، وبالدستور، والتشريعات الوضعيّة، وبما جاء فى المواثيق والمعاهدات الدولية يحاججون غيرهم بمرجعيّة حقوق الإنسان، وقيم الحداثة، وتلهج ألسنتهم بما حفظوه من مصطلحات حقوقية، وهو موقف يثبت أنّ الوعى الذى تشكّل لدى أغلب التونسيين فى علاقة بطبيعة العصر وما تراكم من تجارب إصلاحيّة فى البيئة المحليّة، وإن تظاهر بعضهم بأنّهم متمسّكون برؤية ماضوية، ورافضون لزمانهم، وللقيم السائدة فى مجتمعهم، ونمط العيش السائد وطريقة الحكم

•••

لنطلق على ما نعيشه اليوم: إفرازات أو تعبيرات أو نشاز أو تقليعات أو خروج على السرب، أو تطبيق لقاعدة «خالف تعرف»، أو بدع أو عودة المكبوت، أو جنون، أو تخلّف أو أو...لا تهمّ النعوت والصفات والتسميات هى أفكار وممارسات وعواطف وانفعالات لابدّ أن تطفو على السطح بعد عقود من تكميم الأفواه، والتسلّط، والمنع، والرقابة. ولكن المهمّ فى كلّ هذا الحراك: المدّ والجزر، القبض والبسط أن نتعلّم كيف ونردّ ونقاوم ونجادل ونفاوض ونتحاور وندير اختلافاتنا وفق قاعدة العيش معا.

التعليقات