لا مهرب للنهضة من المكاشفة - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا مهرب للنهضة من المكاشفة

نشر فى : الإثنين 21 مارس 2016 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 21 مارس 2016 - 10:15 م
مثلت العملية الإرهابية الأخيرة بـ«بن قردان» منعرجا مهما فى مسار تعامل الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية مع هذه النوعية من الاعتداءات إن كان ذلك على مستوى إدارة العملية أو التنسيق مع مختلف الأسلاك أو التعامل مع مختلف وسائل الإعلام والمواطنين المتعاونين مع الأمنيين من أجل إلقاء القبض على العناصر الإرهابية الفارة. ولكن انعكاسات «ملحمة بن قردان» كما يحلو للبعض القول لم تتوقف عند هذا الحد إذ احتدم الجدال بين القيادات الحزبية ومختلف الفاعلين فى المجال السياسى والإعلامى على حد سواء بخصوص مسئولية حزب النهضة فى دخول الأسلحة إلى البلاد، وفتح الباب على مصراعيه أمام الدعاة الوافدين من مختلف البلدان، وانتشار الخطاب التكفيرى فى المساجد... ومن ثم دخول الإرهاب.

ولئن كان توجيه الاتهامات إلى حزب النهضة فعلا مألوفا وممارسة قديمة فإن الجديد المستحدث هذه المرة، هو كثرة المسوغين لخطاب الإدانة من جهة، والمطالبين بمساءلة القيادات النهضاوية ومحاسبة الذين تورطوا فى نشر الإرهاب أو دعمه، من جهة أخرى. ثم إن الجدل سرعان ما أخذ منحى التراشق بالتهم والسب والشتم مفضيا إلى عودة الاستقطاب الحدى بين متهمى النهضة والراغبين فى استئصالها والنهضاويين ومن ناصرهم. فماذا عسى حزب النهضة أن يفعل حتى يبرئ ساحته وينفى مسئوليته ويتصالح مع جميع التونسيين ويفتح صفحة جديدة من العمل السياسى المشترك الذى يعترف بحق جميع الفاعلين فى النشاط السياسى؟

لئن تطور أداء بعض قيادى حزب النهضة، وعلى رأسهم الغنوشى حتى أنه بدا أكثر تقبلا للتجمعيين والمفسدين والمتشددين... من غيره فإن أغلب القيادات ظلت وفية لسردية الضحية غير راغبة فى تغيير أساليب الرد. فمع كل خطاب اتهام توجهه المعارضة يندفع هؤلاء فى الحديث عن معاناتهم والظلم الذى لحقهم وكأن استرجاع الماضى أفضل وسيلة للتهرب من مواجهة الحاضر وما يطرحه من تحديات. ويعن لبعض القيادات أن تتمادى فى الدفاع عن براءتها بلى عنق الواقع والتمويه والمراوغة... وهى أساليب معروفة دأب كل من تُعييه الحيلة والحجج على انتهاجها.

***
وعلاوة على هذه الأشكال من ردود الفعل رامت بعض القيادات النهضاوية تطبيق أسلوب الهجوم باتهام الخصوم بالانقلاب على الوحدة الوطنية، وتعريض البلاد لخطر الانشقاق والفتنة ومن ثم التماهى مع الإرهاب إذ إن انتقاد النهضة يفهم على أساس أنه فعل استئصالي. ولكن لِم تتعنت القيادات النهضاوية وترفض العودة إلى تقييم تجربة الحكم التى خاضتها؟ ولِم يجد هؤلاء صعوبة فى فتح الدفاتر القديمة والاعتراف بالأخطاء وتحمل المسئولية وتقديم الاعتذار؟

يعول قياديو النهضة على فعل النسيان ورحابة صدر الناس وعلى سماحة المجتمع التونسى وعلى مقولة «عفا الله عن ما سبق» التى مارسوها هم أنفسهم، مع الفلول والأزلام...ولكن يبدو أن أغلب التونسيين يرفضون هذا المسلك ويصرون على سماع تبريرات مقنعة وخطاب قائم على الاعتراف بالأخطاء المرتكبة نتيجة سوء التقدير وقلة الخبرة، و....

ولكن أنى لمن ذاق حلاوة السلطة وعرف الامتيازات المترتبة عنها أن يعترف بأنه خطأ؟ أنى لمن انخرط فى خطاب الفخر والاعتزاز بالذات أن يفضح المستور؟ أنى لمن استُضيف ليحاضر عن فرادة التجربة التونسية والاستثناء التونسى واستحقاق جائزة نوبل للسلام أن يقر بالزلات والعثرات؟

لا أحد ينفى ما تبذله القيادات النهضاوية من جهود من أجل إثبات تجذرها فى التربة التونسية وفى المقابل فتور علاقتها بالإخوان، ولا أحد ينكر التغييرات الحاصلة فى مستوى شكل الخطاب السياسى ومضامينه للغنوشى على وجه الخصوص ولكننا نقدر أن تبنى منطق التهديد لن يعالج أزمة الثقة الراهنة. فأكثر الأحزاب تتساءل كيف يمكن شن حرب جماعية على الإرهاب والنهضة لم تضع الحروف على النقاط فى ما يتصل بعلاقة رموزها بقيادات إرهابية؟ فهل تفاجئ النهضة الرأى العام وتقدم على المراجعات لسنوات تزعمت فيها حكم البلاد؟


أستاذة بالجامعة التونسية
التعليقات