استمعوا يرحمكم الله - داليا شمس - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استمعوا يرحمكم الله

نشر فى : السبت 21 مايو 2011 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 21 مايو 2011 - 9:15 ص

 منضدة مستطيلة يجتمع حولها عدد من البشر، أغلبيتهم من السيدات، فإذا تحدث أحدهم قاطعته إحداهن لتذكره بما وقع السنة الماضية، وتعلق مستشهدة بالجدل الدائر حاليا حول كذا، مستعرضة كمًا لا بأس به من المعلومات التى وردت إليها من مصادر مجهلة ولكن موثوق بها، فإذا بأخرى تنخرط فى الحديث لتدلى بدلوها، وهكذا دواليك.. يحاول المتكلم الأساسى الإمساك بطرف الحديث مجددا للإفصاح عن وجهة نظره أو تبرير اختياره، لكن دون جدوى، فالكل يريد أن يعبر عن رأيه تجاه أى موضوع يذكر حول الطاولة، وإثبات وجوده، وطرح الأسئلة ربما دون رغبة حقيقية فى انتظار الإجابة التى قد تأتى أو لا تأتى.. لم يعد ذلك مهما، ولا أحد يريد فعليا الاستماع على ما يبدو.. لماذا تطرح الموضوعات إذا على مائدة الحوار؟ ليثبت كل طرف منا ربما أنه على حق ويقتنص فرصته فى الكلام، فقد طال انتظارها.

والنتيجة تذكرنى على الفور بتعبير لسيدة ريفية قريبة من العائلة، يصف بدقة ما يحدث فى العموم، وهو «هيصة لغربة» (جمع غربان). فهذه الطيور المتطفلة أحيانا والتى تعرف بذكائها وقدرتها التنظيمية الاجتماعية العالية ــ مقارنة بمثيلاتها ــ تنعق بأصوات ناشزة وتعيش فى مستعمرات صاخبة، وسيلة التعبير الأساسية لديها هى الصراخ بدرجات متفاوتة، تارة للإنذار والوعيد والملاحقة وتارة للنداء والتعارف على الشريك، أو للدفاع عن «أراضيها» بصرخات تتوالى أصداؤها فى الفضاء دون انتظار الرد، تماما مثل الشاويش أو عسكرى الدورية الذى كان يصيح «مين هناك؟» ليعلن عن وجوده فيخشاه من يخشاه.

الحوار إذا غائب وهو ما يفجر الصراع، فنحن لا نجيد فن الإنصات والاستماع لكى نفهم بعضنا البعض ونخلق قاعدة للتواصل، بل نطالب بالحرية بأسلوب ديكتاتورى، فى حين أن الديمقراطية تقوم على إبداء الرأى والتواصل بهدف الإقناع أوالجذب أو المشاركة.

الثورات هى عادة لحظات من الانصهار والتضامن والذوبان، تليها مرحلة أخرى من الفوضى، يشعر الأفراد خلالها بالتحرر وبرغبة عارمة فى إبداء الرأى. الناس جميعا يتكلمون فى الوقت ذاته ولا أحد ينصت، لا من مستمع ولا من مجيب.. ولكن بعد مرحلة «الحديث من طرف واحد» ووضع كل شىء موضعا للشك يأتى وقت نسمع فيه بعضنا البعض، ونكتشف أننا لسنا على وفاق بل اتخذنا لأنفسنا طرقا مغايرة، ذلك السيناريو يتكرر مع كل الثورات، ولكن يبقى المحك فى المرحلة اللاحقة: ما الذى تفعله الشعوب عندما تكتشف أن «شهر العسل الثورى» قد انتهى وأنه حان وقت الانصات والتفاوض بهدف التواصل؟

فى بعض الدول التى عانت طويلا من الديكتاتورية والقمع والاضطرابات السياسية مثل جنوب أفريقيا وشيلى وتيمور الشرقية جاء الحل فى صورة لجان للحقيقة والمصالحة. وهى لجان غير قضائية يتم تشكيلها وفقا للدستور أو القانون بهدف المكاشفة الوطنية، يعترف أمامها الضحايا والجلادون بما حدث بالضبط ولماذا حدث، ثم يعتذر المذنب عما فعل.

تتكشف الحقيقة جلية أمام الأفراد بدلا من أن يحاول كل على حدة أن يصل إليها بطريقته الخاصة من خلال الإنترنت أو غيره من الوسائل فتتعمق نظريات المؤامرة وتتسع، كما هو حاصل الآن. كان هذا هو ما أنقذ جنوب أفريقيا على سبيل المثال من حمامات الدماء فى منتصف التسعينيات، وهو ما قد يؤدى بنا إلى التطهر والتنفيس بدلا من أن يظل من يقفون أمام ماسبيرو معتصمين هناك، ومن هم أمام جامع مصطفى محمود مرابضين هناك، ومن هم فى التحرير ينادون فى مالطا، والشرطة مهتزة وغير مفهومة الموقف والأداء، ومذيعة التوك شو مشغولة عن الضيف بترتيب الأوراق وتحضير السؤال المقبل... فقد حان وقت الاستماع بتوقيت القاهرة، واستمرار «هيصة الغربان» طويلا ينذر بالشؤم.

التعليقات