يوليو ويناير - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوليو ويناير

نشر فى : الخميس 21 يوليه 2011 - 8:31 ص | آخر تحديث : الخميس 21 يوليه 2011 - 8:31 ص
تحل بنا بعد يومين الذكرى التاسعة والخمسون لثورة يوليو، وهى تمر بنا فى لحظة تاريخية ثورية لأول مرة منذ أن تمت تصفيتها اعتبارا من أكتوبر 1970، ومن المفيد أن نلقى نظرة مقارنة على الثورتين على الرغم من أن «يناير» قد أكملت بالكاد شهرها السادس، غير أن البدايات فى الحالتين كانت موحية، ولقد كاد المقال الممتاز للأستاذة أميمة كمال، الذى نشرته «الشروق» فى الثامن عشر من هذا الشهر بعنوان «الثورة لمن» أن يثنينى عن معاودة الكتابة فى الموضوع خاصة أن توجها واحدا يجمعنا، غير أننى رأيت أن أهمية الموضوع تستحق أن يُكتب فيه مرات، فالشعوب التى لا تعلم تاريخها تتعثر بالتأكيد فى حاضرها ومستقبلها.

●●●

تتعدد أوجه المقارنة بين الثورتين على الرغم من بعد الشقة الزمنية بينهما، وأول وجه من وجوه المقارنة أن كليهما كانت له إرهاصاته القوية ومقدماته الواضحة، فقد بلغ النضال الوطنى المصرى ذروة واضحة فى عقد الأربعينيات من القرن الماضى وكذلك فى السنتين السابقتين على قيام الثورة من عقد الخمسينيات، وحدث الأمر نفسه بالنسبة لثورة يناير فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وبالذات فى سنته الأخيرة السابقة على الثورة. أى أن كليهما كان نبتا للظروف الموضوعية، التى سادت الساحة السياسية المصرية قبيل تفجر كل منهما.

غير أن الطليعة الثورية فى يوليو كانت «عسكرية» تمثلت فى تنظيم الضباط الأحرار، الذى بدأ بالسيطرة على القوات المسلحة، ثم سرعان ما أخذت القوى الشعبية تلتف حوله نتيجة القرارات السريعة، التى اتخذت فى الأيام الأولى للثورة حتى أصبح من الممكن تكييف ما حدث على أنه ثورة. وفى يناير تمثلت الطليعة الثورية فى نفر من شباب مصر قاموا بما يشبه المعجزة فى تفجير الثورة وحشد الجماهير خلفها، غير أن حسم المعركة الثورية لصالحهم احتاج إلى تدخل القوات المسلحة لدعمهم، وقد فعلت، وأصبحت بذلك حامية للثورة، وإن لم تكن مفجرتها، وتولت مسئولية «إدارة شئون البلاد» فى المرحلة الانتقالية. أى أن الحكم قد آل إلى العسكريين فى الحالتين، مع فارق مهم، وهو أن العسكريين فى «يوليو» قد مثلوا الطليعة الثورية، كما سبقت الإشارة، ولذلك راحوا منذ البداية وبسرعة لافتة يضعون رؤيتهم لحاضر مصر ومستقبلها موضع التطبيق، أما العسكريون فى «يناير» فهم حماة الثورة والأمناء على الفترة الانتقالية، ولذلك فإن قراراتهم ذات طابع «إجرائى» مع الاعتراف بأن للأمور الإجرائية تداعياتها الموضوعية بطبيعة الحال.

●●●

كانت القيادة فى يوليو واضحة منذ بدايتها تتمثل فى مجلس قيادة الثورة ورجله القوى جمال عبدالناصر، ولم يتأثر سلوكها بالخلاف بين عبدالناصر ومحمد نجيب رئيس المجلس، ولذلك مضت الثورة قدما فى وضع رؤيتها موضع التطبيق بعزل الملك ونفيه بعد ثلاثة أيام من قيامها وإصدار قانون الإصلاح الزراعى بعد أقل من شهرين على قيامها، وإعلان النظام الجمهورى فى يونيو 1953، وغير ذلك. بعدها بدأت قيادة عبدالناصر فى التحول إلى النمط الكاريزمى خاصة مع قرار تأميم شركة قناة السويس فى يوليو 1956 والتصدى للعدوان الثلاثى على مصر بعد ذلك فى أكتوبر/نوفمبر من السنة نفسها. صحيح أنه كانت للقيادة الكاريزمية تداعياتها السلبية على عملية البناء المؤسسى للنظام الجديد، لكنها ــ أى هذه القيادة ــ كانت قادرة على حشد الجماهير على نحو استثنائى خلف أهداف الثورة.
أما فى «يناير» فلا يبدو أن هناك قيادة من أى نوع، وقد بدا فى مستهل الثورة أن هناك تنظيما شبابيا يحركها، وربما كان هذا صحيحا فى البداية، غير أن انقساما مروعا حدث داخل البنية التنظيمية للثورة فأصبح ائتلاف شباب الثورة مائة ائتلاف أو مائتين، ومع وجود قواسم مشتركة بين جميع هذه الائتلافات فإن بينها أيضا خلافات فى قضايا الحركة الثورية تضعف الثورة كثيرا.

●●●

غير أن الأهم من ذلك أن الطليعة الثورية لثورة يناير منذ البداية وقبل هذا التشرذم التنظيمى لم تصل إلى السلطة، وتمسك بمفاتيحها، إذ إنها استقرت فى المرحلة الانتقالية لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولذلك وجدت هذه الطليعة نفسها فى موقف ملتبس، فهى ليست صاحبة سلطة، وإنما هى تقوم بما يعرف فى السياسة بدور جماعة الضغط، وفى هذا الإطار أثبتت قدرتها غير مرة على فرض ما تريده من قرارات، لكن هذا سبب قدرا كبيرا من الارتباك فى عملية صنع القرار فى مؤسسات الحكم، فبدلا من أن تستكشف آراء هذه «الجماعة» قبل إصدار القرارات فهى تقوم بإصدارها لتقابل بمعارضة صلبة كما فى قرارات التشكيل الوزارى وتعيين المحافظين وغير ذلك، فتضطر هذه المؤسسات إلى مراجعة قراراتها وتعديلها، وهى ظاهرة صحية إن كانت جزئية، أى تطول قرارا بعينه. أما أن تتحول إلى ظاهرة كلية تنسحب على جميع القرارات التى تصدرها مؤسسات الحكم فإن هذا يسبب قدرا هائلا من الارتباك فى تقدم الثورة نحو تحقيق أهدافها العاجلة.

●●●

فى التنمية كان لثورة يوليو مشروعها الوطنى الشامل. أما الآن فيبدو أن ثورة يناير ــ أو على الأقل المسئولين عن الحكم فيها ــ فاقدون لأى رؤية اقتصادية جديدة، والواقع أننا لو تصورنا جدلا أن عملية إصلاح حقيقية قد جرت فى ظل العهد السابق، وتشكلت وزارة إصلاح جاد فإن الأمر لم يكن ليختلف كثيرا عما يحدث حاليا، بل إنه كانت هناك محاولات خجولة لاتخاذ بعض القرارات الاقتصادية ذات الطابع الإصلاحى سرعان ما يتم التراجع عنها خوفا على «مناخ الاستثمار» وتدفق المساعدات والقروض، أى أن الحفاظ على الإطار السابق له الأولوية على مقتضيات التغيير، ولهذا مردوده السلبى دون شك على هدف «العدالة الاجتماعية»، الذى جمع ثورتى يوليو ويناير.

●●●

فى المجال الخارجى أعطت يوليو الأولوية لهدف الاستقلال، وسعت إلى تحقيقه بمزيج من المفاوضات السياسية والمقاومة المسلحة. أما يناير فهى تتحرك فى إطار دولة «مستقلة» لكن هذا الاستقلال مشوب بعيوب فى الإرادة بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل، وهناك إجماع وطنى على احترام التزامات مصر الدولية، غير أن هناك أمورا واجبة التصحيح كتوزيع القوات فى سيناء بما يعزز القدرة المصرية على المحافظة على الأمن الداخلى. ولا تملك ثورة يناير فى هذا الصدد بسبب الظروف السائدة سوى العمل السلمى، وهو بدوره يبدو مؤجلا فى هذه الفترة الانتقالية.
كانت لثورة يوليو رؤيتها لدور مصر الخارجى فى إطار «الدوائر الثلاث»، واتبعت الثورة القول بالفعل فدعمت على نحو غير مسبوق جميع حركات التحرر الوطنى العربية والأفريقية وأصبحت لها مكانتها القيادية الرفيعة فى هذا الصدد، وتشترك جماهير يناير مع ثورة يوليو فى رؤيتها دون شك، لكن القيود المحيطة بحركة الثورة، وعلى رأسها تدفق المساعدات من دول عربية محافظة تلقى بظلال من الشك حول إمكان تطبيق هذه الرؤية فى الظروف الراهنة. كذلك استطاعت ثورة يوليو أن تتبنى نهجا استقلاليا فى العلاقة مع القوتين العظميين مستفيدة فى ذلك بمكانتها الإقليمية، لكن ثورة يناير ورثت عن العهد السابق علاقات دولية مختلة لا شك أن جماهيرها تريد إصلاح الخلل فيها، ومع ذلك فإن خطوة ما لم تؤخذ فى هذا الصدد حتى الآن.

●●●

ليس الغرض من هذه السطور إثبات أن «يوليو» أفضل من «يناير» فما زالت الأخيرة فى مرحلة الميلاد، كما أن التحليل السابق تجنب الخوض فى مطاعن معروفة لثورة يوليو يسلط خصومها الضوء عليها عادة، لكن الهدف هو لفت النظر إلى ما فى التجربتين من إنجازات وعثرات بما يفيد فى التخطيط لحاضر الوطن ومستقبله.
أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية