الحياة المزدوجة ما بين الـ«تيك توك» والنقد المجتمعي - نادين السيد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحياة المزدوجة ما بين الـ«تيك توك» والنقد المجتمعي

نشر فى : الخميس 21 يوليه 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : الخميس 21 يوليه 2022 - 7:25 م

كان الحكم على قاتل نيرة أشرف حكما سهلا: تم القبض على القاتل متلبسا بعد أن قتل ضحيته على الملأ وفى وضح النهار، ثم اعترف بجريمته وبالتخطيط لها مسبقا لرفض الضحية الزواج منه. وبالرغم من سهولة الحكم، وبشاعة الجريمة، ظهرت أصوات متعاطفة مع القاتل، ومنتقدة لملابس نيرة يوم وقوع الجريمة وفى صورها على صفحات التواصل الاجتماعى الخاصة بها، ودعوات للنساء بالاحتشام للحفاظ على حياتهن. ووصل التعاطف مع القاتل، الذى أثبتت التحقيقات أنه لم يكن على علاقة بالضحية ولم توعده بالزواج أو تهينه كما زعم، أن يعرض البعض جمع تبرعات لدفع الدية لأهل نيرة وإنقاذ القاتل من حكم الإعدام.

قضية نيرة ليست بالاستثناء، فهناك فجوة متزايدة بين الواقع التى تعيشه النساء والبنات فى شوارع مصر، والحياة التى يعيشنها على مواقع التواصل الاجتماعى ويتصورن أنهن آمنات فيها. يكفى أن نتذكر قضية الفيرمونت عام ٢٠٢٠ حين انتقد الكثير ضحية الاغتصاب الجماعى لمجرد اعتراضهم على صورها على حساباتها على تلك المواقع.

تلك الفجوة بين حياة الإنفلونسرز أو المؤثرين/ات (رواد مواقع التواصل الأكثر شهرة وتأثيرا) التى يتابعها الشباب المصرى يوميا سواء من الإنفلونسرز المصريين أو العالميين، والشارع المصرى الذى يرفض إعطاءهم تلك الحريات. الفجوة اجتماعية واقتصادية بنفس القدر، فالكثير من المؤثرات فى مصر يرتدين ملابس أقل حشمة من تلك التى ارتدتها نيرة، ولكنهن قلما تستقلين وسائل المواصلات العامة أو حتى تتمشين فى الشوارع العامة لأكثر من بضعة أمتار، ويقطن بداخل مجمعات سكنية منغلقة على سكانها، ولذا فاحتكاكهن بالشوارع المصرية الصعب إرضاؤها ضئيل للغاية. على الصعيد الآخر، أسلوب حياة الأغلبية العظمى من الشعب ومن رواد مواقع التواصل مختلف تماما، ولكن الكثير من الشباب يسعون لنسخ وإعادة خلق تلك البوستات والأزياء وحتى رقصات التيك توك التى يتابعونها على حسابات المؤثرين المفضلين لديهم.

كل صباح أرى العشرات من الشباب فى العشرينيات من أعمارهم يتواردون على منطقة قصر البارون التاريخى؛ حيث أسكن، وهم عادة ما يأتون فى وسائل مواصلات مختلفة مرتدين أحدث الأزياء التى يمكنهم شراءها لالتقاط صور بجانب القصر أو إحدى الفيلات المجاورة من أجل اللقطة المثالية لبوست السوشيال ميديا. وكثيرا ما يتشاركون فى إكسسوار مثل نظارة شمس قاموا بشرائها معا ويتبادلون لبسها لالتقاط الصورة بها. ذلك المشهد متكرر عبر الشوارع والمناطق المختلفة، ففى جميع المولات مثلا نرى نفس المشهد حيث يذهب الشباب لالتقاط صور فى أحدث أزياء وبجانب ديكورات الكريسماس أو رمضان والهالوين، على حسب الموسم المحلى أو العالمى.   

تلك المشاهد متكررة حول العالم، فهذا جيل مهووس بحساباته على تلك المواقع، ومن ثم مهووس بمظهره. وجدت دراسة أجرتها مؤسسة Censuswide أن المظهر من أكثر الأسباب المسببة للقلق والتوتر لنحو ٤٥ بالمائة من الـ Gen Z (الشباب بين عمر الـ ١٣ والـ٢٣)، حيث قاموا بترتيب المظهر كمصدر قلق قبل الأموال والعمل وحتى الإرهاب. ذلك الجيل يشكل شريحة كبيرة فى مصر حيث إن ٦١ بالمائة من الـ٩٥ مليون نسمة تحت سن الثلاثين. الغالبية العظمى من مستخدمى الإنترنت فى مصر من الشباب، حيث إن ٦٧ بالمائة من مستخدمى فيسبوك مثلا بين سن الـ ١٣ والـ٣٤. 

الهوس بالسيلفى هوس عالمى، ولكن الكثير من تلك الشابات المصريات والعربيات يواجهن التعنيف والانتقاد من أسرهن التى كثيرا ما تمنعهن من نشر تلك الصور والبوستات التى أحاكتنها بدقة وتمعن، أو حتى من استخدام مواقع التواصل تحت أسمائهن الحقيقية ويجبرونهن على استخدام أسماء مستعارة بدون أى صور لهن أو يدفعونهن لإنشاء حسابات سرية لا تعرف عنها الأسرة شيئا.

فذلك الجيل يعيش فى واقع مهووس بالمظاهر، على الإنترنت وفى الحياة العامة، ولكن شتان الفرق بين الهوسين. على الإنترنت، تتلقى الشابات رسائل من رواد مواقع التواصل محليا وعالميا تدعو لحب أنفسهن والافتخار بأجسادهن وأشكالهن والاهتمام بأحدث صيحات الموضة العالمية، والتعبير عن أنفسهن، ثم استعراض كل ذلك على وسائل التواصل فى رغبة منهن للشهرة السريعة أو حتى بعض الإعجاب والشعبية. فى حياتهن خارج تلك التى يعيشونها أونلاين، نفس الجيل يواجه دائما رسائل مختلفة تماما تدعونهن بالحشمة والخجل من أجسادهن والمرور دون أن ترى أو تلحظ، والتفحص فى أزيائهن فى كل يوم من حياتهن كراشدات أو حتى مراهقات للبقاء آمنات فى الشوارع.

تحت سطح ذلك الجيل المهووس بالسيلفى، هناك حقيقة أعمق وأخطر تغلى فى أذهان تلك الشابات اللاتى تعشن فى مجتمعات محافظة مثل المجتمع المصرى ومجتمعات أخرى كثيرة فى المنطقة، حيث يرغبن أن يكن التريند وأن تكون حياتهن ومظهرهن ملائمين للإنستجرام، ولكن المجتمع خارج السوشيال ميديا لديه آراء مختلفة تماما. 

نادين السيد أستاذ مساعد بقسم الإعلام في الجامعة الأمريكية
التعليقات