«الحفلة التنكرية».. جهد كبير ومشكلات كثيرة - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الحفلة التنكرية».. جهد كبير ومشكلات كثيرة

نشر فى : الخميس 21 سبتمبر 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 21 سبتمبر 2017 - 9:50 م
هذه مسرحية يمتلك أصحابها طموحا فنيا واضحا، امتزجت بعض مشاهدها بالجهد الكبير، وباللحظات اللامعة الذكية، كما تميزت عناصر كثيرة فيها كأداء الممثلين والموسيقى والاستعراضات وكلمات الأغانى والديكورات والإضاءة، ولكن مشكلات فنية متعددة لم تحقق للعمل التكامل المطلوب، وصنعت حواجز ظاهرة فى استقباله، والتفاعل معه.

أتحدث عن مسرحية «الحفلة التنكرية» التى شاهدتها على مسرح السلام من تأليف «ألبرتو مورافيا»، ومن ترجمة الراحل الكبير سعد أردش، ومن إخراج هشام جمعة، واشترك فى بطولتها محمد رياض، ولقاء سويدان، ومحمد محمود، وخالد محمود.

موضوع المسرحية كواليس السلطة والحكم فى دولة يحكمها ديكتاتور، ولعبتها الأساسية مؤامرة ضد الحاكم، يمكن أن تراها من زاويتين: مؤامرة حقيقية لمتمردين أو ثوار، أو مؤامرة مصنوعة لكى تبرر أجهزة القمع والأمن أهمية استمرارها، أو بمعنى أدق ضرورة استمرار رئيس جهاز الأمن فى موقعه، بعد أن فكر الديكتاتور (مبتور الذراع) فى عزله، وكان المسئول قد استنفد مهامه، وصار عبئا على النظام وسمعته.

لعبة الديكتاتور وأجهزته الأمنية صالحة لكل وقت وأوان، وهى فكرة ثرية فى معالجتها سواء كتراجيديا أو كعمل كوميدى، ولكن المسرحية كما شاهدناها كانت فى حاجة إلى التكثيف فى أحداثها ومشاهدها وخطوطها، وبينما يفترض أن يكون الديكتاتور محورها، فإنه يغيب طويلا عن الظهور والتأثير، وندخل فى تفصيلات وشخصيات تجعل العرض مترهلا، ثم تجىء النهاية الغريبة التى لا تغلق خطوطا، ولا تجيب عن أسئلة، بل إن الديكتاتور ومساعده الأمنى يظلان فى قلب الصورة، تسقط الأقنعة عن البعض، مثل الفتاة الجميلة التى تلعب على الجميع، بينما يحتفظ الحاكم ومساعده بأقنعتهما حتى النهاية!

أعتقد أن المخرج هشام جمعة قد شعر بمشكلات النص منذ البداية، فحاول أن يُقرِّبه إلى الجمهور بتلك المقدمة الغنائية الراقصة، وبتلك الإفيهات المعاصرة التى وضعت على لسان أبطال العرض، لكى تستدعى إلى الذاكرة شخصيات حاكمة مثل «جمال عبدالناصر» و«أنور السادات» و«القذافى»، بل إن الديكتاتور الإيطالى يقوم بتحية الجمهور بمد ذراعة للأمام على طريقة «هتلر» و«موسولينى»!

ولكن كل ذلك لم ينقذ المسرحية من التطويل، ولم يُسقط الحواجز بين النص ومشاهده، بل لعل تلك الإسقاطات السياسية صنعت اغترابا إضافيا، فلا الزمان هو الزمان، ولا العامية كالفصحى، والخروج على النص المترجم قد يكون ظريفا فى حد ذاته أحيانا، ولكننا سنعود حتما إلى عالم مسرحية أخرى، ومع ديكتاتور يبدو هزيلا مقارنة بما رأينا فى الواقع، هذه فجوة واضحة ومؤثرة، كانت فى حاجة إلى إعداد مختلف للمسرحية، أو بمعنى أكثر دقة؛ كنا فى حاجة إلى جرأة فنية بالانتقاء والحذف والتكثيف تعادل جرأة العمل السياسية، وإلا انتهى الأمر كما شاهدنا بأغنية لا علاقة لها فيما أظن بمعنى المسرحية، يرددها الديكتاتور مع كل أبطال العرض، وكأنه يعتذر عما رأيناه من أحداث!

أعجبنى مع ذلك أداء الممثلين: محمد رياض الذى ملأ شخصية الحاكم بكل تفاصيلها، بصوتها الغليظ، وبحركتها الثقيلة، ولقاء سويدان فى دورها المتلون شكلا ومضمونا وعاطفة، كما قدمت الاستعراض بشكل جيد ومميز، ومحمد محمود الممثل المسرحى الراسخ فى شخصية أمنية ماكرة، وكذلك بقية الممثلين فى أدوارهم المختلفة.

ظلت هناك مناطق لامعة فى هذه الحفلة التنكرية، ولكننا سرعان ما نعود إلى العادى والمألوف، هشام جمعة مخرج يعرف أدواته جيدا، ولديه القدرة والخيال على تقديم فرجة مسرحية آسرة، ولكن المشاهد لم تكن كلها على نفس المستوى، أفضلها تلك التى قُدمت فى شكل استعراضى، وبكلمات وموسيقى معاصرة معبرة، ليته تعامل مع النص كله بهذا المنطق، حتى يعادل التأثير، ذلك الجهد الكبير العظيم، الذى لا يمكن إنكاره فى التنفيذ.
محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات