منذ أيام طالعتنا قمة العشرين المنعقدة فى الهند، والتى كانت مصر واحدة من البلدان التى حضرتها، بخبر مثير حول «الممر الاقتصادى الجديد». هذا الممر باختصار هو ممر تجارى، يهدف إلى نقل المنتجات والسلع والمواد الخام من آسيا إلى أوروبا وبالعكس، وذلك عبر ممرين بحريين وممرين بريين. الممر البحرى الأول هو نقل تلك المنتجات من الهند وبعض الدول الأخرى الواقعة فى الطريق حتى مضيق هرمز إلى الإمارات العربية، ومنها تتحول التجارة إلى السكك الحديدية عبر السعودية والأردن حتى تصل إلى حيفا فى فلسطين المحتلة، ومنها يبدأ الممر البحرى الثانى عبر المتوسط إلى أوروبا، فالممر البرى الثانى من اليونان وإيطاليا إلى وسط وغرب أوروبا.
المسألة الرئيسة فى هذا الموضوع الذى يأتى فى إطار الرغبة الصينية السابقة فى تشغيل طريق الحرير أو ما يسمى بالحزام الآمن، وإنه يأتى فى إطار التنافس الصينى الأمريكى، ومحاولة واشنطن ضرب النفوذ الاقتصادى الصينى المتنامى بمساعدة الهند، وكسر نفوذها السياسى باعتبارها الداعم الرئيس لروسيا فى حربها ضد أوكرانيا. بالطبع الولايات المتحدة تسعى إلى إنكار ذلك كله، وتروج إلى أن المشروع يزيد فى فرص العمل ويحد من الانبعاثات الحرارية والربط التقنى والمعلوماتى. الملاحظة فى هذا المشروع هو أن أبو ظبى والرياض المشتركتان فى المشروع، انضمتا منذ أيام قليلة لعضوية البريكس التى عمادها الصين، ما يؤكد أن البريكس ليس تحالفا اقتصاديا جامدا، أو أنه لم يضع اشتراطات معتبرة على أعضاؤه بشكل يجعل منه حلفا فى مواجه النفوذ الاقتصادى الأمريكى. هنا من المهم التذكير بأن الإمارات والسعودية تحتلان المرتبة رقم 3 ورقم 4 ضمن شركاء الهند التجاريين.
المؤكد أيضا أن المشروع فى أحد أهدافه هو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذ أن مد خطوط السكك الحديدية إلى حيفا، يجعل الصلة مستمرة ووثيقة بين الأطراف الأقليمية التى سيمر بها قطار البضائع.
هنا بالطبع بقى السؤال المهم: ماذا عن قناة السويس فى هذا الشأن؟ بعبارة أخرى، إلى أى حد سيضر هذا المشروع بقناة السويس؟
الناظر إلى محاولات عديد البلدان لوجود ممرات بديلة عن القناة كثيرة، فهناك محاولة استغلال خليج العقبة سواء بطريق ملاحى يصل البحرين الأحمر والمتوسط، أو بطريق سكك حديدية تربط العقبة بحيفا. وهناك محاولة ناجحة قامت بها روسيا منذ بضعة أسابيع بعد استغلال تأثير التغيرات المناخية بمرور السفن عبر القطب الشمالى من أسيا إلى أوروبا. المحاولة الأولى مكتوب لها الفشل غالبا لأن الملاحة فى خليج العقبة صعبة للغاية، ناهيك عن أن شق قناة بين البحرين الأحمر والمتوسط يحتاج إلى جهد مضنى، إضافة إلى مخاطره الجيولوجية. أما المحاولة الروسية فهى خاضعة لطبيعة التغيرات المناخية، إضافة إلى أنها محاولة موسمية مرتبطة بشهور الصيف فى القطب الشمالى.
اليوم يأتى المشروع الصينى الأمريكى سالف الذكر، وهو رغم كونه جدى نظرا لتبنيه من أكثر من قوى دولية وإقليمية، على عكس المشروع الصينى الذى تتباناه الصين وحدها، فهو أيضا يجد صعوبته البالغة فى كونه يعتمد على القطارات فى نقل البضائع مرتين، مرة من دبى إلى حيفا مرورا بأربعة دول هى الإمارات والسعودية والأردن ثم فلسطين المحتلة. والمرة الثانية هى من اليونان أو إيطاليا إلى وسط وغرب أوروبا وهى طرق سكك حديدية تبدو قائمة بالفعل لكنها تحتاج إلى دعم كبير، وهى تمر بنحو 10 دول.
الصعوبة الثانية مرتبطة بوسيلة نقل البضائع، إذ من المعروف أن أكبر وسيلة للنقل من حيث الكم أو الوزن أو الكتلة هى السفن يليها القطارات يليها الشاحنات البرية الكبيرة فالطائرات. وإذا تبين لنا أن القطار الكبير بالكاد يستطيع أن ينقل فى الرحلة الواحدة 120 حاوية، وناقلات السفن العملاقة تصل حمولة الواحدة منها لما فوق 20 ألف حاوية، لتبين لنا أننا فى حاجة إلى أكثر من 150 قطارا لنقل شحنة تنقلها سفينة واحدة!!!
لكن على أية حال، فإننا يجب أن نحتاط من جميع تلك المحاولات التى تهدف إلى الاستغناء عن قناة السويس، وبعض تلك المحاولات قد لا يكون مقصودا منها إيذاء مصر بالضرورة، لكن الحيطة واجبة فى دراسة جميع تلك الأمور. ويعتقد أن هيئة قناة السويس لديها الآلية وتستطيع أن تجلب جميع المعلومات كى تعرف مثالب وإيجابيات كل مشروع بديل للقناة من وجه نظر من يتبناه. فالموضوع جد مهم، ولا يفوتنا هنا التذكير بأن دخل القناة فى 10 أشهر السابقة لأبريل 2023 بلغت 9.9 مليار دولار، متجاوزة عائد الاستثمارات الأجنبية فى ذات الفترة والبالغ 7.9مليار دولار.