الحرب فى اليمن: مراجعات لازمة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب فى اليمن: مراجعات لازمة

نشر فى : الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 10:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 10:45 ص

«لقد أغلقت اليمن الأبواب على نفسها ألف سنة فلم يختفِ منها الشعر، ولكن المشكلة الحقيقية هى متى يغزوها العلم؟!».
كانت تلك صورة بلد عربى معزول عن العالم وعلمه الحديث ــ كما سجلها «نجيب محفوظ» فى قصته القصيرة «ثلاثة أيام فى اليمن»، التى نشرت عام (١٩٦٩) من ضمن مجموعة «تحت المظلة».
«هل ثمة فرصة لأكتب كلمة سريعة؟
أخى العزيز..
كم وددت أن أودعك قبل الرحيل. أذكرك بالحب والإكبار وأنا على وشك العودة إلى أرض الوطن. ستعود إليه ذات يوم منتصرا راضيا بإذن الله. اهنأ الآن بأنك تحارب فى سبيل قضية عادلة، قضية التقدم للإنسان العربى. ومهما تكن العوائق ومهما تكن العواقب فإنك بذرت فى الأرض بذرة من طبيعتها النمو والازدهار».
كانت تلك رسالة الراوى ــ «محفوظ» نفسه ــ إلى جندى يحارب فى اليمن.
على الرغم من كل ما هو منسوب للدور المصرى فى حرب اليمن من أخطاء فإنه نقل هذا البلد العربى من القرون الوسطى إلى العصور الحديثة.
هناك عشرات الشهادات بأقلام مثقفين يمنيين عن مدى الصدمة، التى انتابتهم عند الخروج إلى العالم ومعاينة وسائل حياة عادية لم تكن تخطر لهم على بال.
القيمة السياسية لشهادة «محفوظ» أكبر من الأدبية، فهى ليست من أعماله التى تستوقف النقاد والقراء.
المثير أنه نشرها بعد أن وقعت الهزيمة العسكرية عام (1967) ونسب إلى حرب اليمن ما نسب.
لم يتردد أن ينشر نصه كما كتبه فى حينه، غير أنه عاد عام (١٩٨٢) عبر إحدى شخصيات رواية «الباقى من الزمن ساعة» للتعريض بحرب اليمن:
«أسمعت ما يُقال عن أغنية أم كلثوم أسيبك للزمن!
يقال إن الأصل أسيبك لليمن».
عبقريته فى قدرته على التقاط الدراما من قلب الحياة وتحولاتها السياسية والاجتماعية، لا فى آرائه السياسية.
من الناحية الاستراتيجية ساعد التدخل العسكرى فى اليمن على تحرير جنوبه من الاحتلال البريطانى والسيطرة على مضيق باب المندب، حتى بات البحر الأحمر عربيا بالكامل.
أثناء حرب أكتوبر (١٩٧٣) أغلق المضيق فى وجه الملاحة الإسرائيلية.
نصبت كمائن سياسية وعسكرية حتى تكون حرب اليمن مستنقعا للقوات المصرية يصعب الخروج منه.
كانت التجربة قاسية بكل معنى عسكرى بالنظر إلى الطبيعة الجغرافية لليمن وحجم التدخلات المباشرة سعودية وأمريكية وإسرائيلية.
مالت حسابات «عبدالناصر» عندما أطيح بالحكم الإمامى عام (١٩٦٢) إلى أنه لا يصح التردد فى الوقوف بجوار الثورة اليمنية، وإلا فإنه إخلال جسيم بالدور الذى تضطلع به الثورة المصرية فى عالمها العربى.
بالتوقيت جاء الحدث اليمنى الكبير بعد انفصال الوحدة المصرية ــ السورية وتراجع حركة القومية العربية.
كانت تلك فرصة استراتيجية على البحر الأحمر بالقرب من منافع النفط لرد الضربة بأقوى منها.
كان تقديره أن تدخل بعض قوات الصاعقة، وسرب واحد من الطيران يكفى.
وفق شهادة الأستاذ «محمد حسنين هيكل» فإن الحرب اتسعت «لا لأن هذا الطرف العربى، أو ذاك تدخل فيها، وإنما اتسعت الحرب حينما تدخلت قوى السيطرة العالمية، وفى مقدمتها إدارة المخابرات المركزية الأمريكية، التى جندت للحرب آلافا من الجنود المرتزقة الأجانب، إنجليزا وألمانا وفرنسيين وأمريكيين. وقصة هؤلاء ذائعة مشهورة، ولكن ذاكرتنا ضعيفة ننسى بسهولة ما هو حق لنا ونبتلع بسهولة دعاوى الآخرين علينا.. ننسى أنه فى وقت من الأوقات كان هناك أكثر من خمسة عشر ألفا من الجنود المرتزقة الأجانب فى اليمن.. وننسى أن لندن ــ كما حدث فى حالة أنجولا ــ كانت مركز تجنيدهم وتسليحهم وإرسالهم إلى اليمن».
كان «أنور السادات» يتولى إدارة الجهد السياسى المصرى فى اليمن، لكنه عندما آلت إليه مقادير الرئاسة رعى حملات التشهير، كأنه لم يكن المسئول الأول عن الملف.
صبيحة (٥) يونيو تبدت مشكلة مستعصية مع بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية أن الجيش المصرى كان موزعا على جبهتين بينهما آلاف الكيلومترات.
كان استنزاف الجيش المصرى فى اليمن مقصودا لأهداف استراتيجية تتعدى الصراع فى هذه البقعة الاستراتيجية إلى انتظار لحظة انتقام عبر الحدود الشرقية.
أسوأ معالجة ممكنة لحرب اليمن والدور المصرى فيها الانتقائية بالأهواء وتصفية الحسابات، فلا نعرف ما الذى جرى حقا؟
بأى معيار تاريخى، موضوعى ومنصف، فقد كان الدور المصرى فى اليمن تحرريا وسقط شهداء صنع اليمينون من أجل تخليدهم نصبا تذكاريا فى قلب صنعاء.
عادت القوات المصرية بعد هزيمة (5) يونيو، ونجح النظام الجمهورى الوليد فى دحر الحصار العسكرى الذى فرض على صنعاء لسبعين يوما بدعم سعودى كامل.
هكذا انتهت الحرب الأولى فى اليمن وجرت مياه كثيرة تحت الجسور.
قصة اليمن تستحق المراجعة، ما الذى جرى فيه من صراعات على السلطة، وأدوار الجوار الإقليمى، وكيف استحالت أحلامه فى وحدة شطريه الشمالى والجنوبى إلى حرب أخرى جرت على أرضه قرب منتصف تسعينيات القرن الماضى؟
كانت تلك حربا ثانية خلفت جراحا غائرة فى النفوس بقدر ما سقط فيها من آلاف القتلى والجرحى.
ثم كانت الحرب الثالثة، التى أطلق عليها «عاصفة الحزم»، مأساة كاملة بدت مشاهد ضحاياها ومجاعاتها ضغطا لا يحتمل على الضمير الإنسانى استدعى فتح الملف على أوسع نطاق دولى إعلامى وحقوقى ودبلوماسى.
برعاية أممية أفضت مفاوضات فى العاصمة السويدية «ستوكهولم» إلى تفاهمات بين الطرفين المباشرين لتبادل الأسرى وأعدادهم بعشرات الآلاف، وهذه خطوة أولية وإنسانية لبناء الثقة المطلوبة فى الإجراءات الأصعب التالية.
ولم تكن التفاهمات التى جرى التوصل إليها فى «ستوكهولم» بشأن ميناء «الحديدة» ومطار صنعاء سوى محاولة أخرى لتخفيف وطأة المأساة الإنسانية وبناء قدر آخر من الثقة على الأرض.
السؤال الرئيسى الآن: ما الصورة السياسية التى سوف يستقر عليها اليمن؟
أخطر التحديات وحدة اليمن نفسه.
هذه مسألة حياة أو موت.
هل يجرى تقسيمه بطريقة أو أخرى؟.. وإذا استعاد وحدته فعلى أى أساس ووفق أى صيغة؟
أزمة اليمن الحقيقية أنه لم يتسن له أبدا الانتقال من القبيلة إلى الدولة، فإذا ما توزعت الحصص والأنصبة بغير نظر إلى مصلحته وطبيعة مشكلاته يصعب التعويل على وقف مأساته.