مَنْ قتل الأقباط؟ - جلال أمين - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مَنْ قتل الأقباط؟

نشر فى : الجمعة 22 يناير 2010 - 9:51 ص | آخر تحديث : الجمعة 22 يناير 2010 - 9:51 ص

 
فارق شاسع بين حادث اغتصاب طفلة مسلمة، الذى ارتكبه شاب قبطى فى بلدة فرشوط فى نوفمبر الماضى، وحادث قتل ستة شباب من الأقباط (بالإضافة إلى إصابة تسعة آخرين)، وهم خارجون من كنيستهم فى ليلة عيدهم يوم 6 يناير، بيد رجل مسلم. الفارق الشاسع الذى أقصده، ليس أن ذلك حادث اغتصاب وهذا حادث قتل، ولا أن الضحية فى الحادث الأول شخص واحد، وفى الثانى ستة عشر شخصا، (خمسة عشر قبطيا بين قتيل ومصاب ومسلم واحد قتيل)، ولكن الذى أعنيه هو الفرق بين دور الدين فى الحادثين، ففى الأول، لا أرى أى علاقة بين الدين وما حدث، بينما يلعب اختلاف الدين دورا أساسيا فى الحادث الثانى.

لم يعتد الشاب القبطى على الطفلة المسلمة لأنه قبطى وهى مسلمة، بل لأنه شاب منحرف جنسيا، فاقد العقل أو الإرادة أو كليهما، ومن المتصور أن يقوم هذا الشاب القبطى بهذا العمل الإجرامى إزاء طفلة أو فتاة قبطية، كما أن من المتصور أن يقوم به شاب مسلم منحرف جنسيا وفاقد العقل والإرادة إزاء طفلة أو فتاة مسلمة، فاختلاف الدين فى هذه الحالة، أمر ثانوى لا قيمة له فى فهم دوافع ارتكاب الجريمة.
ولكن فى الحادث الثانى، ليس من المتصور أن يحدث حادث القتل بالعشوائية التى حدث بها، إلا إذا كان القاتل يأخذ دين الضحايا فى الاعتبار، فالقاتل لم يكن يستهدف شخصا معينا بالذات، ولم يكن يهمه، فيما يظهر ما إذا كان القتلى سبعة أو أكثر، وإن كان من المؤكد أن يهمه هذا التوقيت الفظيع الذى اختاره لارتكاب جريمته.

لا يمكن إذن وصف الحادث الأول بأنه «طائفى» إلا بمعنى سطحى جدا وغير مفيد، ولكن من المؤكد أن الحادث الثانى «طائفى» إذ لايوجد سبب واحد للاعتقاد بأن هناك سببا آخر لهذه الجريمة.

كان من الطبيعى إذن أن استغرب بشدة التصريح الذى صدر من رئيس مجلس الشعب، وكرره وزير الشئون البرلمانية، والذى وصف فيه الحادث بأنه «مجرد جريمة فردية وليس لها دوافع دينية»، ونفى عنه صفة «الطائفية». وقد فسرت هذه التصريحات بأنها لابد أن تكون مدفوعة بدوافع سياسية. ولكن أبسط تفكير فيما حدث يبين أن النتائج السياسية لهذه التصريحات سيئة جدا بدورها، إذ إن مثل هذه التصريحات لايمكن أن تساهم قيد أنملة فى حل المشكلة الطائفية فى مصر، ولايمكن أن تخفف من شعور الأقباط بالمرارة، ولم تخفف من شعورهم بالاغتراب فى هذا البلد، بل ستزيد هذا الشعور قوة.

ولكن الذى أصابنى بإحباط أكبر ما قرأته فى بيان النيابة العامة عن طريقة التصرف فى هذا الحادث. لقد أنهت النيابة التحقيق فى الحادث بسرعة مدهشة لاتتناسب أبدا مع خطورته، فأحالت القضية إلى محكمة الجنايات بعد عشرة أيام فقط من وقوع الحادث، وقالت فى بيانها الذى أحالت به المتهمين الثلاثة إلى المحكمة (الكمونى وقرش أبوالحجاج وهنداوى» أنه «لم تسفر التحقيقات وتحريات الشرطة عن وجود محرضين، واقتطفت زعمهم» بأنهم ارتكبوا الجريمة بسبب «تأثرهم بواقعة اغتصاب طفلة مسلمة بدائرة أحد المراكز المجاورة ومشاهدتهم للقطات مصورة لفتيات مسلمات فى أوضاع مخلة وخادشة للحياء».

وتكرر هذا النفى لوجود محرضين فى الجريدة الرسمية أكثر من مرة، إذ ذكرت أنه «رجحت مصادر أمنية أن هذا (أى الاغتصاب) هو السبب فى قيام الكمونى بتنفيذ جريمته ليلة عيد الميلاد (الأهرام 17/1).

هل يتصور أن يحدث حادث كهذا دون تحريض من أحد؟ إن المعلومات المتوافرة عن القاتل الذى أطلق الرصاص تكاد تفصح بأنه لايمكن أن يرتكب هذا الفعل إلا بتحريض من أحد.

المعلومات عنه تفيد بأنه شخص ضائع تماما «مسجل شقى خطر» يرتكب الجريمة بعد الأخرى، وسبق اعتقاله فى سنة 2002، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات فى جريمة بلطجة، أى أنه محترف إجرام، وأنه شخص يمكن استئجاره لارتكاب أى جريمة، إذا دفع له المقابل المناسب، وأن مثل هذا الشخص لايمكن أن يرتكب عملا كهذا، أو أى عمل آخر، بسبب حماس انتابه لأى قضية أو مبدأ، أو مدفوعا بشعور فياض بالتعاطف مع الطفلة المسلمة التى تعرضت للاغتصاب، أو الشعور بالغضب (كما قيل إنه قال) بسبب نشر صور خادشة للحياء لبنات مسلمات... الخ

(أى حياء لدى الكمونى يمكن أن يخدشه بعض الصور؟) هل مثل هذا المسجل الشقى الخطر هو الذى يتوقع أن يغضب للإسلام والمسلمين لدرجة ارتكاب جريمة بهذه البشاعة؟

هل هذا هو ما اقتنعت به النيابة العامة حقا به؟
من المستفيد من جريمة كهذه؟ هل هو حقا رجل من نوع الكمونى؟ هل يستفيد منها الإسلام والمسلمون؟ هل المستفيد هو مصر والمصريون؟ أم أن المستفيد الحقيقى هو شخص أو مجموعة من الأشخاص أو دولة يهمها أو يهمهم القضاء على الإسلام والمسلمين، وأن يزداد حال مصر والمصريين انحطاطا؟

ألم يخطر ببال النيابة مثل هذا السؤال؟ أم أنه خطر لها وعرفت إجابته، ولكنها رأت الاحتفاظ به سرا وألا تخبر أحدا به، تحقيقا لمصلحة شخص أو مجموعة من الأشخاص أو دولة لاتريد النيابة العامة أن تفضحها أو تفضحهم؟

جلال أمين كاتب ومفكر مصري كبير ، وأستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة الأمريكية ، من أشهر مؤلفاته : شخصيات لها تاريخ - ماذا حدث للمصريين؟ - عصر التشهير بالعرب والمسلمين - عولمة القهر : الولايات المتحدة والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر.
التعليقات