الثورة المصرية تستكمل صورتها المبهرة أمام أحرار العالم - محمد العجاتي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 3:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثورة المصرية تستكمل صورتها المبهرة أمام أحرار العالم

نشر فى : الإثنين 19 سبتمبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 19 سبتمبر 2011 - 9:00 ص

اتصل بى صديق من المغرب مباركا على ما حدث فى مباراة الأهلى والوداد. ظننت فى البداية أنه يهنئنى بالتعادل خارج الأرض. وبما أن الأهلى عندى «خط أحمر»، أفهمته ان عليه أن يهنئ فريق الوداد بالتعادل مع الأهلى حتى لو كان ذلك فى الدار البيضاء. لكنه رد بأنه يهنئنى لأن الجمهور المغربى قام باستقبال اللاعبين المصريين بمنتهى الحفاوة، وكان يهتف لمصر طوال المباراة على غير العادة فى مباريات كرة القدم بين البلدين. وأكد أن هذه الحالة هى نتيجة مباشرة لاقتحام الثوار للسفارة الإسرائيلية فى القاهرة.

 

كان ذلك ليلة سفرى إلى هولندا ــ وما أدراك ما هولندا فى دعم إسرائيل ــ حيث التقيت عن طريق صديق مقيم هناك مجموعة من نشطاء مناهضة العولمة، فإذا بهم يشرحون لى كيف أن اقتحام السفارة هو الرد المناسب ليس فقط على ما حدث على الحدود المصرية، وإنما كذلك لتقرير الأمم المتحدة بخصوص أسطول الحرية، والصلف الإسرائيلى فى هذا الخصوص. وفى أثناء عودتى للفندق الصغير على شاطئ قنوات أمستردام، تلقيت اتصالا آخر من إحدى الصديقات الصحفيات من المشرق العربى لتقول لى: «سمعت خطاب نتنياهو بعد حادث اقتحام السفارة؟»، قلت لها هذا كان أمس الأول فقالت لى إنها لم تسمعه سوى من دقائق على اليوتيوب، وإنها شعرت بذات الفخر الذى شعرت به مرتين فى حياتها يوم تحرير الجنوب ويوم عودة الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية. قالت «لقد حول المقتحمون للسفارة نتنياهو إلى فأر مذعور، لقد تمكن المواطن المصرى العادى من أن يحقق ما عجزت عنه وزارات خارجية عربية، بل وجيوشها، نتنياهو كان يتحدث مثل مبارك عندما كان يتحدث عن إسرائيل، لقد قلبتم الآية».

 

هذه نماذج لآراء لا يبرزها الإعلام المصرى لأنها لا تسير على هدى ما استقر عليه الأمر فى عهد مبارك من قيم فى السياسة الداخلية والخارجية والحرية والاستقرار. فالميل والفكر المحافظ الذى زرعه نظام كامب ديفيد فى عقول المصريين، والذى اكتسب مصداقيته بسبب تجربة 1967، أصبح راسخا فى أذهان الطبقة الوسطى المصرية، وانعكس على المؤسسات باعتباره هو النهج الصحيح والعقلانى، والمنطق المقابل إما شعارات أو حماقة، مما أصاب مؤسسات الدولة المصرية بالتحجر. أضف إلى ذلك حالة الاحتقار للشعب التى زرعها مبارك بنفسه عبر خطبه عن الشعب المصرى، والتى جعلت النخب تعتقد أنها أعرف بمصالح الناس، وأن هذا الشعب لا يستحق أفضل مما هو فيه، «فهو غير مستعد للديمقراطية بعد». صاحب ذلك، ودعمه، الغزو الفكرى الوهابى لمصر. فتلاقحت هذه الأفكار لتشكل المنظومة الرجعية التى أوصلتنا للثورة، والتى تمثل تحديا أساسيا لها الآن.

 

إن ما حدث يوم الجمعة 9 سبتمبر لم يكن إلا فصلا من فصول الثورة المصرية يجب أن نقرأه حتى نفهم ما يحدث على الأرض، ونتخذ قرارا ليس فقط فى كيفية التعامل معه، وإنما حتى نتمكن بادئ ذى بدء من أن نحدد فى أى صف نحن: مع استكمال الثورة؟ أم أن هذا يكفى ولنعد إلى حياتنا كما كانت منذ 7 شهور؟ دون خلط أوراق من نوعية مع التغيير ولكن، أو تحيا الثورة بشرط.

 

 ما حدث أمام سفارة إسرائيل هو نتاج طبيعى لممارسات النظام القائم. فبعد استشهاد الجنود المصريين على الحدود، أبدى المصريون اعتراضهم بشكل حضارى وسلمى، وطلب منهم الحكام إنهاء اعتصامهم كى يتمكنوا من استرداد حقوقنا عبر الوسائل الدبلوماسية، ففض الثوار اعتصامهم. ومرت الأيام دون أى تحرك من جانب النظام بل ظهرت قصة مسودة بيان سحب السفير وإلغائها، ثم بناء جدار أشبه بالجدار العازل أمام السفارة لحمايتها، وكأنهم يخرجون لسانهم للشعب قائلين «ضحكنا عليكم». وطبقا لتوصية المجلس العسكرى للثوار فى بداية الثورة «أعطونا فرصة وإذا لم تتحقق مطالبكم فالتحرير موجود»، خرج المتظاهرون فى جمعة تصحيح المسار ليصححوا هذا الخلل بهدم الجدار وإجبار إسرائيل على سحب سفيرها. هكذا تؤخذ الدنيا غلابا، وهكذا يجب أن يفهم القائمون على الأمور أنه لم يعد ممكنا خداع الشعب المصرى ومراوغته مرة أخرى.

 

أما عن أحداث مديرية امن الجيزة فهى استمرار لجولة جديدة بين وزارة الداخلية والثوار، كانت بدايتها يوم مباراة الأهلى فى كأس مصر، والعنف غير المبرر فى التعامل مع الجمهور ليس فقط داخل الاستاد، بل ومطاردتهم فى الشوارع المحيطة. تريد وزارة الداخلية العودة إلى ممارسة عملها بنفس الشروط القديمة، التى تعتمد فى الأساس على القهر والقمع أو ترك البلاد فى حالة فوضى أمنية ــ يبالغ الإعلام فيها بشدة ــ  فيما يؤكد تواطؤه مع الداخلية.

 

إن عودة الداخلية بالشروط القديمة مرفوضة من الثوار. ومن الطبيعى أن يزداد الاحتقان خاصة بعد أن شاهدنا مساء الجمعة نفس المشهد لمدرعة الشرطة وهى تدخل وسط المتظاهرين لدهسهم فى ذات المشهد الخاص بـ28 يناير. وإذا لم تتحرك النخبة الحاكمة لتطهير وإعادة هيكلة وتأهيل وزارة الداخلية فستستمر هذه الحالة، ولن تنتهى سوى بكارثة  لا مسئول عنها سوى الحكام والشرطة. فمنطق قبول الوضع القائم من اجل عدم الانزلاق إلى كارثة رفضه الثوار منذ قرروا أن يبدأوا ثورتهم. وما لا يستطيع المحافظون إدراكه هو أن هذه هى اللبنة الأولى لبناء الديمقراطية فى مصر، محاسبة المسئول إذا وعد وأخلف، وحماية الحقوق والمكتسبات والتى يبدو أن نخبتنا لا ترغب فى بذل أى جهد بشأنها، فهى متمترسة داخل مؤسساتها تدافع عنها بكل مشكلاتها وترفض إحداث أى تغيير فيها.

 

إن فكرة الخوف على الإساءة لسمعة مصر، لدى  الحكومات أو المؤسسات الدولية، والتى يطرحها من ساندوا نظام مبارك، لا يجب أن تعنينا. فهؤلاء فى النهاية يرضخون للأمر الواقع من اجل تسيير مصالحهم. كذلك فإن تشويه سمعة الثورة أمام عامة الشعب، والذى يحذرنا منه «العقلاء»، مردود عليه. فمن قال إن الثورات تنتصر بتعاطف الأغلبية. إن دعم وتأييد الأغلبية يأتى عبر ما يحققه الثوار للشعب من مكاسب، وخطوة خطوة يكتسب الثوار شعبيتهم، وتفشل محاولات عزلهم المتعمدة من جانب النظام وآلته الإعلامية، ويكتشف هؤلاء أنهم كانوا يعضون أصابعهم. وعلى الثوار ألا ينجروا للرد على هؤلاء، فشعبيتهم سيكتسبونها بما يحققونه على أرض الواقع. فليكملوا ثورتهم وفى كل خطوة سيجدون التأييد يتزايد والشعبية ترتفع. إلى الأمام أيها الثوار الشرفاء، فأنتم تضعون لبنات الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، التى لا يستوعبها المحافظون والرجعيون.  

محمد العجاتي باحث والمدير التنفيذي لمنتدى البدائل العربي
التعليقات