وجوه خلدتها الكاميرا - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وجوه خلدتها الكاميرا

نشر فى : السبت 22 أكتوبر 2022 - 8:00 م | آخر تحديث : السبت 22 أكتوبر 2022 - 8:00 م

أولى صور كتاب «وجه فى مرآة الزمن» (A face in a time) الصادر بالإنجليزية فى طبعة فاخرة عن دار نشر زيتونة ترجع إلى العام 1865، وهى للوالدة باشا هوشيار قادين أفندى أو «خوشيار» بالعربية، أم الخديوى إسماعيل وزوجة إبراهيم باشا والى مصر وابن محمد على.
فى عهد إسماعيل بدأت عادة صور البلاط، وكانت أيضا بداية عهد جديد للتصوير فى مصر، فمن بعدها ستنتشر الاستوديوهات الخاصة التى يرصد الكتاب نشاطها منذ ذلك الحين إلى العام 1939. أكثر من مائتى صورة من 81 استوديو فنيا تجاريا، تلك هى حصيلة الكتاب الفخم الذى أعده الكاتب والناشر شريف برعى وقدم له الصحفى والأديب يوسف رخا. يشرح هذا الأخير فى عدد قليل من الصفحات كيف ظهر التصوير بمصر فى عهد محمد على باشا الكبير سنة 1839 أى فى العام نفسه الذى انتشرت فيه طريقة الفرنسى لويس داجير فى التصوير الفوتوغرافى والتى صارت تُعرف حول العالم بالداجيروتايب، بعد فترة من البحث والتجارب. اختصر داجير مدة التقاط الصورة من ثمانى ساعات إلى 15 دقيقة بفضل اختراعه الذى استعمل فيه ألواحا معدنية مفضضة تتعرض لبخار اليود، ثم توضع فى الكاميرا للحصول على صور الأشياء والأشخاص. وقد ساعدت هذه التقنية فى انتشار التصوير، وكانت مصر من الدول الجاذبة للمصورين والمغامرين والرحالة الأجانب لأسباب عدة، منها موضة الولع بالشرق ووجود الأماكن التاريخية بها وازدهار علم الآثار وموقعها الجغرافى.
• • •
يصف يوسف رخا فى مقدمته نظرة محمد على الثاقبة التى تلفت الانتباه من خلال أول صورة التقطها له مصوران فرنسيان مع أفراد عائلته، ويوضح أنه سيكون علينا الانتظار أكثر من عشرين عاما حتى تنتشر عادة التصوير بشكل أوسع فى نهاية القرن التاسع عشر، ويصبح الاستوديو مثل محل الحلاق والأجزخانة مكانا لتجاذب أطراف الحديث وتواصل الجيران، وصالونا يختلط فيه عدم التكلف بالشكل الرسمى للعلاقات.
التنقل بين صفحات وصور الكتاب ممتع للغاية، نتعرف من خلاله على روح عصر بواسطة الملابس وطريقة تصفيف الشعر والتزين والفروقات الطبقية بين فئة وأخرى، فهو يبدأ باستعراض صور البلاط والعائلة الملكية والبورجوازية ورجال السياسة، ثم يتطرق لصور أسر مصرية عادية وأطفال وشباب وفتيات فى المدارس بمراحل متنوعة من التعليم وكذا صور الأعراس، إلى ما غير ذلك. وقد قام شريف برعى بتجميعها من مدن مختلفة: القاهرة وطنطا والإسكندرية وبورسعيد والزقازيق والأقصر.
• • •
قبل العام 1860، اقتصر التصوير فى مصر على بعض الهواة والمغمارين والرحالة والوجهاء الغربيين الذين مروا بها أو مكثوا فيها عدة أشهر والتقطوا صورا وبورتريهات قاموا على الأغلب ببيعها فى سوق أوروبية كان لا يزال وليدا، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر ماكسيم ديكان الذى أتى إلى مصر بصحبة صديقه فلوبير وترك لنا العديد من الصور الشهيرة. أما بعد سنة 1860، فقد استقر بها العديد من المصورين الأجانب من أصول ألمانية ومجرية وفرنسية وإيطالية وأرمنية، ثم التحق بهم الشوام والمصريون.
كان لافتتاح قناة السويس سنة 1869 أثر فى جذب المزيد من السائحين والأجانب؛ وبالتالى اتساع سوق التصوير، كما لعب وصول من يصطلح على تسميتهم «مصورو القسطنطينية» إلى القاهرة والإسكندرية ــ دورا بارزا فى تطوير هذه السوق وانتشار الاستوديوهات. نتفحص فى قائمة المصورين الموجودة فى بداية الكتاب فنلاحظ أسماء بعض هؤلاء ومن بينهم مثلا الإخوة عبدالله الذين افتتحوا أول استوديو لهم فى القاهرة عام 1886 وظلوا يعملون بها حتى 1895، وكان اسمهم قد لمع فى إسطنبول قبلها بعشرات السنين لكن ارتباطهم بالسلطان العثمانى عبدالعزيز الذى تنازل عن الحكم سنة 1876 وهزيمة الأتراك أمام روسيا سنة 1878 سارع بقدومهم إلى مصر. نلمح أيضا فى الكتاب اسم منافسهم الأساسى فى القاهرة وفى إسطنبول باسكال صباح (1823ــ1886)، وهو من أب سورى وأم أرمنية، وقد ساهم فى كتاب شهير حول «الملابس الشعبية فى تركيا» وافتتح استوديو فى حى الأزبكية الذى كان مركزا يجمع العديد من محلات التصوير إلى جانب شارع الموسكى والمنطقة المحيطة بفندق شبرد.
• • •
الأسماء والعناوين المختلفة تأخذنا من قصة إلى أخرى، كيف عاش هؤلاء وكيف ماتوا وكيف انتقلت ملكية محلاتهم وكيف تكونت شبكة معقدة من العلاقات والتفاعلات والشراكات بين مصورين فى القاهرة والإسكندرية وبورسعيد وبيروت ودمشق والقدس، وكيف نشأت سوق لكل ما هو شرقى وازدهرت فى باريس.
السياسة بالطبع هى الحاضر الغائب فى كل هذه التفاعلات، فدخول المصورين إلى البلاط وتحديدا إلى الحرملك وانتشار صور النساء دون يشمك، ساهم ولو بعض الشيء فى تحرير صورة المرأة ومهد لمشاركة النساء فى ثورة 1919 على النحو الذى نعرفه، وكانت من التقطت واحدة من أشهر صور هدى شعراوى هى المصرية دولت شحاتة، ابنة رياض شحاتة الذى افتتح استوديو خاصا به عام 1907 ومنحه الخديوى عباس حلمى لقب «باشا».
وعلى صعيد آخر، ساهمت الحرب العالمية الأولى فى ظهور صور الأطفال والعائلات على نحو كبير، لأن المسافر إلى الجبهة يحتاج لذكرى من أهله تصبره على تحمل أهوال القتال، وبالتالى انتشرت صور الزوجات والأبناء، وبدأت أيضا عادة تصوير الأولاد الصغار عرايا وهم ينامون على بطونهم ويضحكون. نرى وضعيات التصوير نفسها فى مصر وفى أماكن أخرى حول العالم فى ذات التواريخ، بل أحيانا نجد مصر أسرع فى تتبع آخر الصراعات من بلدان أخرى كثيرة.
فتيات مدرسة «حُسن المسرات الإسلامية» لا تغطين رءوسهن. سعد زغلول يجلس بمنتهى الوقار فى صورة التقطت له بواسطة استوديو «الأنجلو سويس» عام 1924 عند توليه رئاسة الوزراء. ومن حقبة العشرينيات الهادرة أيضا تأتينا صورة نينا ومارى، مغنيتين فى كباريه شهير بالقاهرة، أو اسم «استوديو لوكاجيان» الذى اشتهر بوصفه «المصور الرسمى لجيش الاحتلال البريطانى».
• • •
نتوقف عند أسماء كل هؤلاء لنعرف المزيد، فالكتاب لا يحتوي ــ بخلاف المقدمة ــ سوى على تعليقات قصيرة أسفل كل صورة، لتحديد مصدرها وهوية الشخص إن أمكن، وهى معلومات كفيلة باستثارة الخيال. نحلق بعيدا مع هؤلاء الأشخاص المتجهمين فى الصور على الأغلب. نراقب متى بدأت الابتسامة تغزو الفوتوغرافيا ونتفهم كيف كان بطء الأداء فى البدايات لا يسمح بتثبيت الابتسامة فترة طويلة على الشفاه، هذا إلى جانب العوامل الثقافية والاجتماعية بالطبع التى تجعل الأشخاص يريدون أن يظهروا بكامل هيبتهم، فهم سيظلون عالقين فى الذاكرة الجمعية بهذه الهيئة سنوات وسنوات بعد وفاتهم، والكتاب خير دليل على ذلك.

التعليقات