نشرت صحيفة The Guardian مقالًا للكاتبة يولى نوفاك، ونشر موقع Mako الإسرائيلى مقالًا للكاتب إفرايم عنبر، تناولا فيه الوضع فى غزة، حيث يعكس اليوم صراعًا متعدد الأبعاد، يجمع بين مأساة إنسانية مستمرة وتحديات عسكرية وسياسية معقدة.. نعرض من المقالين ما يلى:
وفق المقال الأول، «يجب على إسرائيل مواجهة المساءلة عن إبادة شعبنا. وكذلك الولايات المتحدة»، فإن ما يحدث فى غزة ليس حدثًا منفردًا، بل هو إبادة جماعية منظمة: «الإبادة الجماعية عملية وليست حدثًا منفردًا.. وإذا بقيت تلك الظروف دون تغيير ولم تكن هناك مساءلة، فهناك ما يدعو للاعتقاد بأن العنف سيعود – وربما بشكل أسوأ – خصوصًا إذا لم يوقف بالكامل. وهذا بالضبط ما نشهده فى حالة غزة».
توضح هذه الرؤية أن الهدوء الذى أعقب إعلان وقف إطلاق النار ليس متوازنًا: «لكن هذا الهدوء – الذى لم يُمنح لغزة حيث قُتل أكثر من 200 مدنى منذ بدء سريان وقف إطلاق النار المزعوم – يقوم على خطة غير واضحة وضعها دونالد ترامب، لا تتناول جذور العنف، وليست سوى سراب». فالآلة العسكرية التى تمارس الهيمنة على الفلسطينيين ما تزال قائمة، ومنطق العنف والسيطرة هو الحاكم.
يصف مقال يولى نوفاك العمليات العسكرية بأنها محاولة منهجية لتدمير مجموعة من الناس: «على مدى ما يقرب من عامين، شنت إسرائيل حملة على غزة تستوفى أوضح تعريف للإبادة الجماعية: محاولة منهجية، غالبًا ما كانت معلنة، لتدمير مجموعة من الناس – الفلسطينيين فى غزة – عبر القتل والتجويع والتهجير القسرى وتدمير مقومات الحياة. الإبادة هنا ليست مجازًا، بل المصطلح الوحيد الملائم». ويذكر المقال حجم الخسائر البشرية المروّع: «قُتل أكثر من 68 ألف إنسان، ثلثهم أطفال ونساء... دُفن أطفال أحياء تحت الركام... دُمّرت البنية التحتية... وصرّح مسئولون إسرائيليون علنًا بأن الهدف هو تدمير غزة وجعلها غير صالحة للعيش».
فى المقابل، المقال الثانى بعنوان: «العالم لن يساعدنا ضد حماس: وحده الجيش الإسرائيلى يمكنه إنجاز المهمة فى غزة» يركز على البعد العسكرى والاستراتيجى للصراع، ويرى أن الحسم ضد حماس ضرورة ملحّة: «يجب أن يبقى احتلال قطاع غزة بأكمله على جدول الأعمال... يجب على إسرائيل أن تسعى للحصول على دعم أمريكى لاستئناف القتال من أجل تحقيق حسم عسكرى يمنع حماس من تحقيق انتصار سياسى ودعائى، يضمن ردعًا طويل المدى ويمنع صعود محور سنى راديكالى حولنا». ويؤكد المقال أن المهمة يمكن تحقيقها فقط عبر الجيش الإسرائيلى.
فى التحليل الإسرائيلى، الحرب ليست مجرد مواجهة عسكرية قصيرة، بل صراع مستمر على الأرض والهوية: «بعد عامين من القتال ضد حماس فى غزة... لا تستطيع إسرائيل الادعاء بأنها انتصرت فى الحرب... فى غزة، حيث بدأت الحرب، سيُحسم النصر، وهناك حاجة إلى ضربة قاضية». ويشير المقال إلى أن حماس تمكنت من الصمود أمام الهجمات الإسرائيلية، وأنها «انتصرت فى حرب الدعاية، وروّجت بنجاح الأكاذيب بأن إسرائيل تجوّع سكان غزة وترتكب إبادة جماعية.. أكبر إنجاز استراتيجى لها كان إشعال حرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل – وهو هدف تاريخى للحركة الوطنية الفلسطينية».
• • •
هنا يظهر التباين الجوهرى بين المقالين: الأول يركّز على المساءلة الدولية والبعد الإنسانى، بينما الثانى يركّز على الرد العسكرى والحسم الاستراتيجى. ومع ذلك، يتفق المقالان على أن الصراع مستمر وأن النتائج لم تُحسم بعد. ففى مقال يولى نوفاك، يُحذَّر من تطبيع العنف: «لا يجب أن نصرف الأنظار.. فالواجب على كل من يرغب بالوقوف معنا، نحن جميعًا.. أن يتحرك لوقف هذا النظام العنيف، العنصرى، المتجه نحو الفاشية، ومحاسبة قادته». وفى المقال الإسرائيلى، يُشدَّد على الحاجة إلى انتصار حاسم: «يجب على إسرائيل التخطيط لهجوم أمامى حاسم وسريع لاحتلال القطاع بأكمله، بهدف استباق التدخل الدولى لوقف الحرب وتحقيق نصر واضح».
النصر، وفق المقال الإسرائيلى، له أبعاد متعددة: الفلسطينى، الإقليمى، والعالمى. على المستوى الفلسطينى، الرد على هجمات حماس فى 7 أكتوبر يجب أن يكون «هزيمة ساحقة.. يجب على إسرائيل أن تبعث برسالة واضحة حول استعدادها للقتال، لتحمّل الخسائر والألم فى حرب طويلة ضد الفلسطينيين». وعلى المستوى الإقليمى، الهدف هو «هزيمة حماس لأنها فرع من الإخوان المسلمين.. قطاع غزة هو الطريق التاريخى للغزو باتجاه أرض إسرائيل من الجنوب، وهو منصة انطلاق لتدمير إسرائيل». وعلى المستوى العالمى، النصر يقلل من جاذبية التنظيمات الإسلامية المتطرفة، ويضعف تهديدات التحالف الأحمر – الأخضر: «المتطرفون الإسلاميون، سواء كانوا سنة أو شيعة، هم المعاصرون الملتزمون بتدمير الغرب.. انتهاء الحرب فى غزة بانتصار إسرائيلى سيكون ضربة لتهديد هذا التحالف على إسرائيل والحضارة الغربية».
ومع ذلك، يذكّر مقال يولى بأن النصر العسكرى لا يعالج جذور الأزمة الإنسانية: «هذه الإبادة لم تبدأ فى 7 أكتوبر 2023، ولم تنتهِ باتفاق وقف إطلاق النار.. جذورها تمتد عبر عقود من الحكم العسكرى الإسرائيلى على الفلسطينيين، والفصل العنصرى، والإفلات من العقاب، ونزع الإنسانية». ويشير إلى أن المساءلة ضرورية ليس للانتقام، بل لأنه «لا يمكن تحقيق المصالحة من دون تحمّل المسئولية.. لا يجوز تطبيع الإبادة الجماعية، ولا يجوز ترك النظام الذى يمارسها بلا مواجهة».
• • •
يظهر من دمج الرؤيتين أن تسوية الصراع فى غزة ليست مسألة عسكرية أو سياسية فقط، بل هى أيضًا اختبار للضمير الإنسانى والقانون الدولى. المقال الأول يدعو المجتمع الدولى إلى الاعتراف بالإبادة الجماعية ومحاسبة المسئولين، بينما المقال الثانى يرى أن الحسم العسكرى هو السبيل الوحيد لمنع استمرار حماس وتحقيق الاستقرار الإقليمى والعالمى.
فى النهاية، تمثّل غزة نقطة التقاء الإنسانية مع الاستراتيجية. مقال يولى نوفاك يركز على الضحايا وضرورة حماية المدنيين ومحاسبة المسئولين، بينما المقال الإسرائيلى يركز على الردع العسكرى والسيطرة على الأرض وهزيمة حماس. كلا المنظورين متكاملان بطريقة غير مباشرة: فعنف الحصار والقتال لا يمكن فصله عن المعاناة الإنسانية، وفى الوقت نفسه، أى حل مستدام يتطلب فهم البعد العسكرى والسياسى للصراع. ولذلك، أى تقييم للوضع الحالى يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الإنسانية والقانون الدولى من جهة، والحسم العسكرى والاستراتيجية الإقليمية من جهة أخرى.
هذا الدمج بين المقالين يظهر أن الواقع فى غزة يتسم بتعقيد شديد: لا توجد حلول سهلة، وأن القرارات الدولية والاستراتيجية العسكرية يجب أن تُوازَن مع الأخلاقيات الإنسانية والمساءلة الدولية، لضمان عدم تكرار دورة العنف والإبادة الجماعية، وحماية المدنيين، وفى الوقت نفسه الحفاظ على الأمن الإقليمى والعالمى.
إعداد وتحرير: يارا حسن
النص الأصلى:
1. The Guardian: https://bitly.cx/bFpP
2. Mako: https://bitly.cx/6xa4un