بعد ساعات من وصول طائرة إير فورس وان الرئاسية إلى سويسرا؛ حيث يعقد منتدى دافوس، وعلى متنها الرئيس الأمريكى، بدأ مجلس الشيوخ الأمريكى جلسات محاكمة دونالد ترامب.
وتزامن بدء المحاكمة يوم الثلاثاء الماضى مع أول أيام عام ترامب الرابع فى الحكم، وتعد المحاكمة الأولى فى التاريخ لرئيس أمامه خوض انتخابات رئاسية ثانية فى نفس عام المحاكمة، كما تعد تلك محاكمة الرئيس الثالثة فى التاريخ الأمريكى، والأولى لرئيس جمهورى، إذ سبق وحوكم الرئيسان الديمقراطيان، أندروا جونسون عام 1868 والرئيس بيل كلينتون 1998، وفى الحالتين لم تتحقق الأغلبية المطلوبة لعزل الرئيس.
ويواجه ترامب اتهامين أولهما يتعلق بإساءة استغلال سلطات منصبه عندما طالب أوكرانيا بالتحقيق بشأن منافسه السياسى الديمقراطى جو بايدن، وحجز مساعدات عسكرية كوسيلة ضغط، وذلك للإضرار بمرشح محتمل فى الانتخابات الرئاسية، والثانى تتعلق بتهم عرقلة تحقيقات الكونجرس والتى ظهرت فى رفضه تقديم وثائق تخص البيت الأبيض لفريق التحقيق، ورفضه لتعاون كبار مساعديه فى التحقيقات.
ويقود رئيس المحكمة العليا جون روبرتس المُحاكمة، وهو قاضٍ محافظ، عينه الرئيس الجمهورى السابق جورج بوش الابن عام 2005، وعلى الرغم مما منحه الدستور لنائب الرئيس من مهام وصلاحيات أصبح بمقتضاها رئيسا لمجلس الشيوخ، لا يحق لنائب الرئيس المشاركة أو التصويت فى محاكمة الرئيس، إذ هناك تعارض مصالح؛ حيث إن النائب يصبح الرئيس الجديد إذا ما تمت إدانة الرئيس الحالى.
***
تاريخان مهمان يرتبطان بمحاكمة الرئيس ترامب، أولهما يتعلق بهيئة المحلفين المكونة من أعضاء مجلس الشيوخ المائة، وآخر يتعلق بالرئيس ترامب، بعض أعضاء المجلس من الديمقراطيين، وبالتحديد أربعة أعضاء منهم، يتنافسون على بطاقة الحزب للانتخابات الرئاسية لاحقا هذا العام، ويواجه الأعضاء بيرنى ساندرز وإليزابيث وارين وأيمى كلوبوشار ومايكل بينيت أول انتخابات تمهيدية، وتشهدها ولاية آيواه فى الثالث من الشهر القادم.
ومن ناحية أخرى من المنتظر أن يلقى الرئيس ترامب خطاب حالة الاتحاد فى اليوم التالى أى الرابع من شهر فبراير، وهو الخطاب الأهم للرئيس وتتضاعف أهميته فى عام الانتخابات الرئاسية، ويرغب ترامب طوى صفحة المحاكمة قبل هذا التاريخ.
ويواجه المرشحون الديمقراطيون معضلة الرغبة فى العودة سريعا لحلبة السباق الانتخابى بما يتطلبه من عقد مؤتمرات انتخابية والالتقاء مع أكبر عدد من الناخبين المحتملين، وبين رغبتهم فى محاكمة طويلة تستنزف الرئيس ترامب، خصمهم فى الانتخابات القادمة.
من ناحيته يأمل الرئيس ترامب فى إنهاء محاكمته سريعا كى لا تتقاطع مع خطاب حالة الاتحاد الذى يخشى أن تغطى أخبار المحاكمة على الخطاب ذاته حال عدم الانتهاء منها قبل موعد إلقاء الخطاب.
***
يصف ترامب محاكمته باستمرار بأنها «خدعة وعملية مطاردة لأشباح»، وهاجم فى عدة مناسبات إجراءات عزله ووصفها بأنها «أكثر جلسات الاستماع غير النزيهة وغير المتوازنة فى تاريخ الكونجرس».
ويرى محاميا الرئيس ترامب، جاى سيكولو وبات سيبولونى، أن الديمقراطيين يشنون هجوما خطيرا على حق الأمريكيين فى اختيار رئيسهم بحرية، وقدم فريق دفاع ترامب ردهم الرسمى على اتهامات مجلس النواب ودفعوا فيها ببراءة ترامب من الاتهامات الموجهة إليه، وأكدوا أنه لا ينبغى عزله من منصبه مثلما يطالب الديمقراطيون، وجاء رد فريق ترامب القانونى فى مذكرة من 110 صفحات اعتبروا فيها أن محاكمة الرئيس تشكل «انحرافا خطيرا للدستور»، فى حين أكد رئيس الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل فى عدة مناسبات أنه لن يكون محايدا فى المحاكمة؛ حيث إن ديمقراطيى واشنطن كانوا وما زالوا يسعون بكل وسيلة لإبطال نتيجة انتخابات 2016 التى خسروا فيها كما ذكر.
ويرى الجمهوريون أن هناك حملة منظمة ضد الرئيس ترامب بدأت مع وصوله للحكم على خلفية رفضهم لرئيس غير تقليدى غير سياسى يصل صوته للناخب الجمهورى المهمشم من نخب واشنطن، ويستدعى الجمهوريون تحقيقات روبرت موللر حول تدخل روسيا ويرون قضية أوكرانيا كحلقة جديدة معادية لترامب الذى ربما قد يكون ارتكب مخالفات، لكنها فى أسوء الأحوال لا تستدعى عزله، كما يعتمد الجمهوريون على أن هناك انتخابات رئاسية بعد أشهر، وعلى الكونجرس ترك الشعب يقول كلمته حول مستقبل ترامب.
ولا يزال الجمهوريون داعمين بشكل تام للرئيس ترامب الذى تتطلب إدانته فى مجلس الشيوخ، ومن ثم عزله، أغلبية الثلثين فى الوقت الذى يمتلك الجمهوريون أغلبية 53 مقعدا مقابل 47 للديمقراطيين، من الصعوبة أن يقدم أحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين على التصويت بإدانة ترامب وعزله، تكلفة الإقدام على هذه الخطوة كبيرة خاصة مع خوض 25 سيناتورا جمهوريا انتخابات فى نوفمبر القادم يحتاجون فيها بشدة دعم الرئيس خاصة فى الولايات التى يتمتع فيها ترامب بشعبية طاغية مثل حالة السيناتور سوزان كولين من ولاية ماين، وتحدث البعض عن بعض الأعضاء ممن لن يخوضوا انتخابات فى نوفمبر القادم مثل السيناتور سارة ماركوتسكى من ولاية ألاسكا والسيناتور ميت رومنى ومن ولاية يوتا، إلا أنهم لا يريدون أيضا استعداء قاعدة شعبية داعمة لترامب، إضافة إلى رغبة بعضهم فى تبوُّؤ مناصب رفيعة فى إدارة ترامب حال إعادة انتخابه.
***
ويقف الشعب الأمريكى حائرا وسط انقسام غير مسبوق واستقطاب حاد بين أنصار وأعداء الرئيس ترامب دفع لوجود نسب متقاربة مع وضد المحاكمة، وتشير استطلاعات الرأى المتكررة عن رغبة شعبية فى إنهاء محاكمة ترامب والالتفات للقضايا الحقيقة التى تواجهها الولايات المتحدة، ومن المبكر الحكم على فرص ترامب، لكن يشهد التاريخ أنه فى حالات محاولات العزل الفاشلة يكسب الرئيس تعاطفا شعبيت واسعا، لكن فى حالة الاستقطاب الحاد الحالية، من الصعوبة التكهن بنتائج الانتخابات وبتأثير المحاكمة على فرص انتخاب ترامب فى هذا الوقت المبكر.
كاتب صحفى يكتب من واشنطن