ما العمل؟ للدرجة دى - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 1:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما العمل؟ للدرجة دى

نشر فى : الأحد 23 مايو 2010 - 10:16 ص | آخر تحديث : الأحد 23 مايو 2010 - 10:18 ص

 أستكمل مقال الأسبوع الماضى وكنت قد بدأت أستعرض أهم العوامل وراء اتساخ وقذارة المدن والقرى والنجوع المصرية لتحليل هذه الظاهرة من أجل التفكير لاحقا ــ بناء على هذا التحليل ــ فى الاقتراحات اللازمة للعمل على إنجاز التقدم المنشود نحو بلد نظيف. كنت قد ذكرت بداية ثلاثة عوامل. أولا: العلاقة بين الخاص والعام فى الوعى المصرى وثانيا: وضع النظافة فى قائمة القيم المنقولة للنشء داخل منظومة التربية وثالثا: عدم وجود رابط فى وعى المصرى بالعلاقة البديهية بين القذارة العامة والصحة. وأستكمل هنا ما كنت قد بدأته وفى إيجاز شديد، فكل عامل يستحق أن يفرد له مقال كامل.

رابعا: غياب دور الدولة. فالحكومة المصرية إما تائهة بين دورها الحيوى وبين عمليات التخصيص الغبية وغير المجدية على الإطلاق التى تستمر فى تنفيذها بناء على توصيات المؤسسات الدولية الحاكمة، أو فاشلة تماما فى إنجاز التقدم. ومن ضمن مظاهر الفشل الحالة المزرية التى وصل إليها الشارع والحارة والزقاق من قذارة.

فالحكومة المصرية فى الواقع من خلال مؤسساتها المختلفة من وزارات ومحافظات ومديريات ومجالس شعبية محلية وغيرها من تقسيمات إدارية قد وصلت إلى درجة من التفسخ الإدارى وفساد النظم مما يجعل تحقيق النجاح فى قضية النظافة بالنسبة إليها ضربا من ضروب المستحيل. وأنا هنا لا أتحدث عن قضية القمامة فقط أو عدم وجود سلال للقمامة إلا فيما ندر وإنما عن منظومة أشمل بكثير وهى المرتبطة بالحالة العامة للنظافة فى كل أنحاء مصر.

خامسا: طبيعة البيئة الزراعية والثقافة المرتبطة بالفلاحة: حيث إن المجتمعات الزراعية القديمة فى وديان الأنهار الكبرى كالهند مثلا ومصر أكثر اتساخا من المجتمعات التى يعمل معظم سكانها تاريخيا فى مهن غير الفلاحة مثل الصيد أو التجارة أو الرعى أو من المجتمعات التى تزرع فى مناطق جبلية أو فى وديان ضيقة. هذا المدخل الأنثروبولوجى يحتاج إلى مساحة أطول للتحليل وإنما سوف أكتفى هنا بعرض المبدأ.

سادسا: عدم تكيف السكان الجدد مع منظومة المدن كمقابل لمنظومة القرية. فالتغييرات العنيفة فى بنية السكان والتمركز العشوائى فى المدن المصرية الكبرى من سكان الريف تم دون استيعاب هؤلاء السكان المفاهيم الفكرية الجديدة للسكن فى المدن.

صحيح أن ظاهرة النمو الحضرى هى ظاهرة عالمية فحسب إحصاءات الأمم المتحدة ارتفعت نسبة سكان الحضر من إجمالى السكان من 29% عام 1950 إلى 49% عام 2005. وحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فنسبة سكان الحضر فى مصر فى عام 2007 بلغت 43.1% من إجمالى السكان. ولم أجد رقما أثق فيه عن نسبة سكان الحضر فى مصر فى عام 1950 ولكننى لا أتصور أن يتعدى الرقم 20% من السكان. أما بالنسبة لسكان القاهرة الكبرى فقد بلغ تعداد السكان عام 1950 مليونى نسمة ويبلغ الآن قرابة الخمسة عشر مليون نسمة.

هذا النمو السريع فى نسبة سكان المدن إلى إجمالى تعداد السكان فى مصر لم يواكبه تطور موازٍ فى بنية القيم المدنية. الأمر الذى أدى إلى مشاكل عديدة من ضمنها ما نراه من حالة متردية للنظافة. فالمواطن المدنى الحديث لا يشعر بانتمائه إلى هذا الفضاء العام الجديد عليه. الأمر الذى أدى إلى خلل بنيوى خطير فى نسق القيم المرتبطة بالريف والحضر فى المجتمع المصرى.

سابعا: عدم الانتماء: أو غياب مشروع مجتمعى. أقصد هنا مشروع حياة. فالدولة المصرية عجزت تماما عن طرح مشروع اجتماعى عام يربط أبناء الشعب بمستقبلهم. أو يربط الشعب بنظام عام مستقر سواء كان سياسيا أم اقتصاديا.

فرغم هذا الاستقرار الذى يشدو به الحزب الوطنى من ثبات الوضع السياسى منذ قرابة الثلاثين عاما فإن هذا النظام غير مستقر فى الواقع كما هو ظاهر من فوق السطح، حيث تتناقض السياسات مع الشعارات كما تتناقض الرؤى الاجتماعية مع ما يعيشه المواطن فى حياته اليومية. هذه التناقضات الصارخة جعلت من مشاعر الخوف من الغد البطل فى الشخصية المصرية. افتقارنا لحلم أو لمشروع أو لأمل أو لانتماء جعلنا غير عابئين بحالة النظافة فى بلدنا.

ثامنا: وأخيرا التعود الثقافى على القبح. منذ ثلاثين عاما انتصر القبح انتصارا فادحا. أتذكر جيدا النقاشات العائلية فى بداية الثمانينيات والجميع يتحدث عن بدء انتشار ظاهرة القبح فى الشوارع المصرية. بداية اجتثاث الأشجار، واقتلاع الدور الثقافية، وانتشار البنايات غير المطلية، وتشييد أبنية لا شكل معمارى لها وغير متناسقة مع مثيلاتها فى نفس المنطقة، مرحلة طفرة فى عالم المقاولات دون تخطيط أو دراسة أو نظام عام، والقبح أصبح سمة سائدة فى المدن المصرية.

أتذكر أيضا مقالات الأستاذ أحمد بهاء الدين فى هذه الفترة فى الأهرام عن ظاهرة القبح الجديدة. كانت هذه البدايات. ونشأت أجيال جديدة دخلت اليوم بداية عقدها الرابع ولم تر غير مظاهر القبح فى دولة هى الأغنى فى تراثها الجمالى والحضارى. ما العمل؟ هو موضوع مقالى القادم.

خالد الخميسي  كاتب مصري