المطارد الأبدى - داليا شمس - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المطارد الأبدى

نشر فى : الأحد 23 أغسطس 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : الأحد 23 أغسطس 2015 - 8:05 ص

خبر إلقاء القبض على الداعية السنى اللبنانى، أحمد الأسير، ونشر صوره الأسبوع الماضى متخفيا، تارة حليق الذقن والرأس، تارة أخرى فى هيئة «غوار الطوشى» الشخصية التليفزيونية التى أداها الممثل السورى دريد لحام أو الشاعر اللبنانى جوزيف حرب أو السياسى كمال شاتيلا، والكلام الذى تردد حول إجرائه عدة عمليات تجميل بغرض التنكر والهروب من حكم الإعدام الغيابى، كل ذلك أعاد إلى ذهنى شخصية الهارب المطارد وفرضها بشدة. جيمس بوند الأيديولوجيا أو المخدرات أو ما شابه. تركيبات فريدة من نوعها، تعج حياتها بالتفاصيل الثريةو غير المألوفة بالنسبة لأى كاتب أو مهتم بالنفس البشرية. دائما لديهم ما يوحى بالغموض، مساراتهم مختلفة، ونهاياتهم غالبا دراماتيكية. يزيد من طاقاتهم حديث الناس عنهم أو الصورة التى يرسمها لهم الإعلام، وينقصها الدقة فى كثير من الأحيان، فيزداد الغموض وتكرس الأسطورة. يصبح الشخص المطلوب، طريد العدالة، أشبه بنجم أفلام هوليود: الشرير الذى يضمن وجوده نجاح العمل وتحقيق أعلى الإيرادات.

الجمهور يتابع مغامراته بشغف، سواء يلاقى لديهم استحسانا أو يستهجنون أفعاله. يجدون عنده ما يثير الشجون: مادة خصبة للتسلية وإثارة حب الاستطلاع.

ينطبق ذلك على أحمد الأسير الذى ضاقت عليه الدوائر فى الساحة اللبنانية، بعد اتهامه وآخرين بقتل عناصر من الجيش وتأليف مجموعات عسكرية تعرضت لمؤسسة الدفاع واقتناء مواد متفجرة وأسلحة. هو الشيخ الذى أسر صيدا ولبنان لأشهر طويلة، اعتلى المنابر محرضا على نزع سلاح حزب الله، اختفى، مكتفيا بالتغريد بين الحين والآخر على مواقع التواصل أو بتعرف أهله وأنصاره على تسجيل صوتى منسوب إليه. تنتشر الروايات حول أصله وفصله: من مواليد صيدا عام 1968، من أم شيعية وأب سنى، تخرج الأخير من «استوديو الفن» ليمتهن الغناء بالمطاعم والحفلات. تلقى علومه الأولى فى «مدرسة ألكسندرا» للراهبات بصيدا، ثم التحق بكلية الشريعة فى جامعة بيروت الإسلامية، حيث تخصص فى الفقه المقارن، وكاد أن يحصل على الماجستير لولا انشغاله بالمجال الدعوى وتحوله إلى حالة سنية متطرفة فى وجه الحالة الشيعية الحزبية. عمل فى إصلاح الإلكترونيات وفتح فرن مناقيش، ونقل الخضار والفاكهة إلى بيروت وتاجر بالدراجات النارية. وارتحل إلى باكستان، يهوى لعب «البينج بونج» أو كرة الطاولة. أسس مسجد بلال بن رباح فى منطقة عبرا بصيدا، حيث تنامى مركزه الدينى خاصة ما بين 2011 و2013، ثم كان مشهد القبض عليه الأسبوع الماضى، فى مطار بيروت، متجها إلى مصر بجواز مزور، وكان من المقرر أن ينطلق منها إلى نيجيريا لينزل ضيفا على جماعة «بوكو حرام».

***

قد تكون تلك هى النهاية وقد لا تكون، مثلما حكايات العديد من المطاردين «الماسترمايند» أو العقول المدبرة الذين تنطبق عليهم عبارة «مستر إكس لا يمت أبدا». وأسامة بن لادن هو الآخر نموذج لهارب ظل لغزا حتى بعد مماته، لأنه مع اختفاء مثل هؤلاء الأشخاص من عالمنا تبقى العديد من الأسئلة التى تتعلق بهم دون إجابات. لا يتم فضح المستور الذى قد يرتبط بأجهزة وحكومات، ولا يتم التوصل لنتائج قاطعة فى التحقيقات التى تبدأ معها التسويفات والتسويات، ولا يعلن على الملأ عن الداعمين بالمال والسلاح، إذا يموت الشخص اللغز أو يختفى وتموت معه أسراره. وعندما نتعمق فى دراسة سيرة هؤلاء أو مجمل ما كتب عنهم دون مواقف مسبقة ــ نحتار بين إعجاب ودهشة وربما ضغينة فى بعض الأحيان. هم أشخاص بعيدو المنال، كمن يسكنون جبال الأوليمب الشاهقة. مثلا عندما يتحدث البعض عن أسامة بن لادن كعدو الولايات المتحدة الأمريكية رقم 1، وكصنيعتها فى آن، ويتم وصف هذا الثرى السعودى ذى الأصول اليمنية على أنه زاهد ومطارد فى جبال أفغانستان، قد تتعاطف معه فى مكان ما، حتى لو أنت ضده فكريا وعقائديا مئة بالمائة. مطارد من بلد لبلد، لكن مستمر فى الجهاد وفى الصرف على عشرات من شباب الباحثين فى الهندسة النووية وفى تمويل العمليات، كما نشر فى الصحف الأجنبية، قبل أن يلقى حتفه بسنوات على أيدى القوات الأمريكية، فيشكك الناس فى نهايته ويظل الغموض يحيطه بهالة المطارد الأبدى.

***

هو مصير محتوم كتب لأصاحبه، خاصة إذا ما تعاملنا معهم كشخوص الروايات والأعمال الفنية، ما يغرى بالضرورة بعض المخرجين بتناول سيرتهم الذاتية، كما أرادت كاترين بيجلو عند تحضير فيلم عن اغتيال بن لادن، مستعينة بمعلومات خاصة حصلت عليها من الاستخبارات الأمريكية ووزارة الدفاع، ما أثار ضجة كبيرة وقتها. كذلك أعلن أخيرا المخرج ريدلى سكوت عن عزمه وشركة فوكس للإنتاج السينمائى على تحضير فيلم عن حياة «التشابو» جوزمان، أخطر تجار المخدرات بالمكسيك والعالم وزعيم كارتل «سيناولا». هرب هذا الأخير من سجن مخصص لعتاة الإجرام، فى شهر يوليو الماضى. دخل ليستحم فى الزنزانة الخاصة به، وعندما غاب للحظات عن كاميرات المراقبة، اكتشفوا أنه خرج من فتحة صغيرة فى الجدار تؤدى إلى نفق يوصله لخارج السجن. رغم انتمائه لعالم آخر عن الجهاد والإيديولوجيا، إلا أنه نموذج أيضا للمطارد الأبدى الذى يكتنف حياته الغموض، حتى أن الأجهزة الأمنية تختلف حول تحديد عمره بالضبط: 58 أم 60 أم ماذا؟ قصة هروبه الأولى من سجن آخر بالمكسيك فى مطلع الألفية الثانية كانت أيضا أشبه بالمشهد السينمائى، حين خرج من محبسه مختبئا بعربة الغسيل، ومنها إلى شاحنة السيارة. «التشابو» أو قصير القامة بالإسبانية، الذى بدأ زراعة الخشخاش مع أبناء عمومته وهو فى الخامسة عشرة، تدرج سريعا فى المناصب حتى صار زعيما لأخطر تنظيم عصابى فى المكسيك وأهم بارونات المخدرات العابرين للحدود مع الولايات المتحدة الأمريكية. بعد هروبه الثانى، فى 11 يوليو الماضى، وضع ابنه صورا له وهو يحتسى كأسا مثلجة من البيرة على متن طائرة. وهكذا تستمر أسطورة الهارب الأبدى وشرير الشاشة الذى يجلب الإيرادات.

التعليقات