نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتب أحمد سلطان، أورد فيه أهم الموارد الطبيعية التى تتمتع بوجودها دولة الصومال، وكيف تؤهلها لتصبح الاقتصاد الأكثر نموا فى القارة السمراء. تطرق الكاتب للاتفاق التركى الصومالى لتطوير التعاون فى مجال النفط الخام والغاز الطبيعى وأهميته فى تعزيز النمو الاقتصادى بالصومال. أخيرا ذكر الأسباب التى حالت دون استفادة الشعب الصومالى من خيرات بلاده حتى الآن... نعرض من المقال ما يلى:
تُشكل القارة الإفريقية حالة من حالات التناقض الواضح، وذلك لأنها تتمتع باحتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية (ثروات متنوعة)، بما يكفى لجعل الاقتصاد الإفريقى من أكثر الاقتصادات فى العالم نموًا. على الرغم من ذلك فإن سكان العديد من دول القارة يعدون من أفقر شعوب العالم وأكثرهم معاناة وقد يموتون جوعا. تعد دولة الصومال نموذجًا مثاليًا للتعبير عن الواقع الإفريقى الأليم؛ حيث قضت الحروب الأهلية على الأخضر واليابس، وجعلته من بين أفقر دول العالم، وعليه يجدد الصومال جهوده لجذب الاستثمارات النفطية، أملا فى أن تساعد فى انتشال الدولة من حالة العوز الاقتصادى، ليصبح بلدا واعدا.
• • •
بشكل عام، تشتهر الصومال بتوافر الثروات والمواد الطبيعية فيها والمواد الخام الضرورية للعديد من الصناعات الحيوية، حيث يتوافر لديها احتياطيات كبيرة من النفط الخام والغاز الطبيعى، علاوة على ذلك فهى غنية بالحديد (حوالى 200 مليون طن ويبلغ متوسط محتواها حوالى 35%)، القصدير، النحاس والملح. وتتميز الزراعة فى الصومال بأنها من أكبر المجالات الاقتصادية؛ حيث تشتهر بوجود ثروة حيوانية ضخمة فيها.
تمتلك الصومال احتياطيات غير مستغلة من العديد من الموارد المعدنية، بما فى ذلك اليورانيوم، خام الحديد، القصدير، البوكسيت، النحاس، الملح والغاز الطبيعى.
وأمام ما تقدم، يمتلك الصومال ثروات ومقومات متنوعة فى مجال الطاقة (التقليدية والمتجددة)، والتى من الممكن أن تُسهم فى تحقيق نقلة نوعية للدولة، ولكن بشرط ضرورة استغلالها بشكل صحيح وعلمي. ومن الجدير بالذكر أن الصومال يتمتع بأعلى معدلات سطوع وإشعاع شمسى على مستوى العالم، حيث يصل إلى حوالى 3100 ساعة (أساس سنوى)، وهو الأمر الذى يؤهلها لإنتاج الطاقة الشمسية بمستويات مرتفعة وجدوى اقتصادية مؤكدة. بالإضافة إلى طاقة الرياح البرية والتى تتجاوز سرعتها حوالى 7 أمتار لكل ثانية، وذلك بفضل اتساع المساحة والموقع الجغرافى المميز، مما يجعلها فرصة للاستثمار فى مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية من طاقتى الرياح والشمس.
• • •
فى مارس 2024، وقعت الصومال وتركيا مذكرة تفاهم واتفاقية دولية لتطوير التعاون فى مجال النفط الخام والغاز الطبيعي، وذلك بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعى والاقتصادى، تُقدم تركيا بمقتضاها دعما أمنيا بحريا لمساعدة مقديشو فى الدفاع عن مياهها الإقليمية. يشمل الاتفاق، بالإضافة إلى التنقيب عن النفط فى الصومال، تقييمه وتطويره وإنتاجه، فى المناطق البرية والبحرية. ووفقا لوزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، يتضمن الاتفاق عمليات النقل والتوزيع والتكرير والمبيعات والخدمات للنفط والمنتجات الأخرى من مشروعات برية وبحرية، مؤكدة أنه اتفاق حكومى دولى.
وأمام ما تقدم، يُشكل تعزيز مفهوم أمن الطاقة بالنسبة إلى الصومال أمرًا بالغ الأهمية، وذلك بهدف تحقيق النمو الاقتصادى، ولكن بشكل عام، من المتوقع أن يستفيد كلا الطرفين من تعزيز التنمية المستدامة، اعتمادا على المشروعات المشتركة فى ملف الطاقة.
بناء عليه، غادرت سفينة الأبحاث السيزمية التركية أوروتش رئيس إسطنبول، السبت 5 أكتوبر الحالى، فى طريقها إلى الصومال لإطلاق أنشطة البحث عن النفط الخام والغاز الطبيعى قبالة سواحل الصومال، بموجب اتفاقية التنقيب عن الهيدركربونات وإنتاجها، ووفق وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، ستصل أوروتش رئيس إلى سواحل الصومال بحلول نهاية أكتوبر الحالى، لتبدأ التنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعى.
من الناحية الاقتصادية، تُشكل الصفقة فرصة مهمة للصومال، من أجل الوصول إلى نقطة ارتكاز حقيقى فى ملف إدارة الموارد والثروات الطبيعية غير المستغلة، هو الأمر الذى قد يُسهم فى تحقيق اكتشافات تجارية ومكامن هيدروكربونية كبيرة (برية وبحرية). وقد يكون ذلك بمثابة حافز كبير للنمو الاقتصادى؛ مما يمنح الاقتصاد الصومالى الدفعة التى يحتاج إليها بشدة للنمو وذلك من خلال تنويع وخلق مصادر جديدة للدخل وفرص عمل للشعب الصومالى. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق قد يضع الصومال فى وضع يمكنه من الاستفادة من موارده البحرية، وتعزيز إمكاناته الاقتصادية وتعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادى على المدى الطويل.
• • •
شهد قطاع النفط والغاز الطبيعى الصومالى تطورات إيجابية (واعدة ومبشرة) خلال السنوات الـ3 الماضية، وذلك مع إعادة فتح أبواب قطاع الطاقة أمام الشركات الكبرى مجددا للبحث والتنقيب عن مواردها الطبيعية بعد عقود طويلة من الانقطاعات بسبب الصراعات والحرب الأهلية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصومال تعانى من تحديات وأزمات صعبة والتى من ضمنها أزمة البطالة حيث بلغت حوالى 76%، ووصل معدل الفقر إلى حوالى 70% (أقل دول العالم نموًا) مع الاعتماد الكلى على المنح والمساعدات الخارجية بنسبة حوالى 70%، بالإضافة إلى أن هناك حالة واضحة من سوء إدارة الموارد والثروات الضخمة فى الصومال.
وبالنظر إلى الأهداف التركية من هذا الاتفاق المهم، نجد أن تعاون أنقرة مع الصومال فى مجال الطاقة يوفر فرصًا هائلة لها للنمو وبالأخص فى ملف الطاقة العابرة للحدود (التى تعتمد على تأمين موارد جديدة للطاقة من خلال المنابع الخارجية)، وهو نهج جديد تتبعه الإدارة التركية مؤخرا. علاوة على ذلك تتمتع الاتفاقية بأهمية استراتيجية خاصة وذلك من المنظور الجيوسياسى، بالنظر إلى التطلعات الإقليمية الأكبر لأنقرة فى منطقة القرن الإفريقى، حيث تتمتع المنطقة بأهمية جيوسياسية واستراتيجية كبيرة ومكانة خاصة فى أمن الطاقة العالمى، لأنها تقع عند تقاطع الممرات البحرية المهمة التى تربط البحر الهندى وبحر خليج عدن. وبالتالى تسعى تركيا من خلال الاتفاقية نحو تعزيز موقعها ونفوذها الإقليمى فى هذه المنطقة الحيوية.
يتوافق الاتفاق فى مجال الطاقة (وبالأخص النفط الخام والغاز الطبيعى) مع الأهداف الجيوسياسية الأوسع للإدارة التركية، وهو الأمر الذى يُسهم فى تعزيز مكانتها بصفتها لاعبا محوريا فى القرن الأفريقى وخارجه. لأن الفراغ الجيوسياسى الذى خلقته المنافسة بين واشنطن وبكين من شأنه أن يخلق بيئة خصبة، قد تسمح للقوى الإقليمية الفاعلة مثل تركيا أن يكون لها حظوظ أوفر فى ملء الفراغ الحالى وإعادة ضبط التوازن الاستراتيجى فى أماكن المنافسة والصراع المحتملة بينهما كمنطقة القرن الأفريقى (منطقة القرن الأفريقى أهم ممر لتجارة السفن فى العالم، وجميع الدول مهتمة بها، لذا قد تحدث مزيدًا من التطورات المهمة).
وعليه يمكن القول إن الاتفاقية تغطى مجالات أكبر فيما يتعلق بالتعاون الأمنى والدفاعى أكثر من مجرد التنقيب عن مصادر الطاقة الأحفورية. وبالتالى تعزز الصفقة العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد تمهد الطريق للتعاون المستقبلى فى مجالات أخرى غير الطاقة (توقعات محتملة).
• • •
مجمل القول، يزخر الصومال بموارد طبيعية كبيرة، لكن لم يستغلها الشعب الصومالى، وذلك بسبب هشاشة النظام الحكومى والأزمات السياسية والأمنية التى عاشها خلال ثلاثة عقود مضت. لذلك تأتى أهمية ضرورة العمل على أمن الصومال السياسى والأوضاع الأمنية لما لهما من تأثير مباشر فى حركة التنقيب ونشاط الشركات العالمية المتخصصة فى استخراج النفط الخام والغاز الطبيعى فى الصومال، وذلك حتى لا تتكرر مسألة تجمد المشروعات الاستكشافية لعقود طويلة كما حدث من قبل وأضاع على الصومال فرصة هائلة كان أحوج ما يكون إليها خاصةً فى الأزمات الصعبة التى مر ولا يزال يمر بها الشعب الصومالى.
فى الأخير، قد يكون إعادة عمليات البحث والتنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعى فى الصومال بمثابة بريق أمل لفجر جديد يبزغ على دولة ظلت لعقود طويلة رهينة للحروب والصراعات، ضاعت معها طموحات شعبها نحو حياة كريمة ومستقبل أفضل.
النص الأصلي: