«جين دو بارى».. العلاقة بين القاع والقمة - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«جين دو بارى».. العلاقة بين القاع والقمة

نشر فى : الأربعاء 24 يناير 2024 - 8:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 يناير 2024 - 8:20 م
فى فيلمها السادس «جين دو بارى»، تقدم المخرجة والممثلة مايوين تجربة مختلفة لدراما تاريخية من عصر التنوير الفرنسى؛ حيث الشغف والطموح والتمرد والعلاقة بين القاع والقمة.
تطرح مايوين نفسها كممثلة أيضا فى دور يتطلب كثيرا من التحولات، فهى تجسد «جين بيكو فوبيرنييه»، امرأة من الطبقة العاملة ولدت كابنة غير شرعية لخياطة فقيرة، مصممة على تسلق السلم الاجتماعى مستخدمها سحر جمالها للهروب من حالتها فى علاقات غير شرعية، عشيقها الكونت دو بارى، الذى أصبح ثريًا بفضل مؤامرات جين الغرامية، يرغب فى تقديمها إلى الملك لويس الخامس عشر «الذى «يجسده جونى ديب»، وبالفعل ينظم لقاء من خلال دوق ريشيليو المؤثر داخل القصر، وقد تجاوز اللقاء توقعاته بكثير، حيث وقع لويس الذى «يجسده جونى ديب» فى حب جين من النظرة الأولى، ليعيد الملك اكتشاف شهيته للحياة بلقاءاتها لدرجة أنه لم يعد يستطيع العيش بدونها ويقرر أن يجعلها المفضلة لديه رسميًا.
قطعا يترتب على ذلك فضيحة فى القصر فلا أحد يريد فتاة من الشوارع فى تلك الحياة.
يستطرد الفيلم كيف أن جين تلك المرأة الشابة الآتية من خلفية اجتماعية متواضعة وأن الرجال كثر ممن تعاملت معهم تعاطوا معها بطريقة شائنة، ينتهى بها المطاف فى قصر فرساى وقطعا كان ذلك بالصدفة ومجهودها الخاص حيث تملك من الذكاء وحس الفكاهة ما يكفى كى تمضى قدما فى طموحها.
النص السينمائى، الذى شاركت فى كتابته مايوين مع تيدى لوسى موديستى ونيكولاس لايڤيتشى، وتدور أحداثه خلال سنة 1743 يكشف عن سخف وشوفينية طقوس حياة البلاط، فبعد أن أدرك الجميع انجذاب الملك وتعلقه بها، خضعت جين مكرهة لفحص طبى أنثوى مذل قبل أن يعلن طبيب القصر أنها «جديرة بالسرير الملكى».
وسط حياة البلاط الهادئة بشكل لافت نشهد صراعا مستمرا على السلطة والنفوذ، لكن تتبدى لحظات التوتر الدرامى الحقيقية عندما تنتظر جين لترى ما إذا كانت الأم مارى أنطوانيت المتحزلقة ستوافق على التحدث إليها، من ثم تثبت أنها غير منبوذة.
فى المنطق النفسى للأداء على الشاشة نرى أن جين الشخصية الوحيدة التى تستسلم لمشاعرها العفوية وتعبر عنها بصدق، بينما كل شخصية أخرى فى الفيلم ملزمة بالاتفاق أو المصلحة الذاتية فى الإفصاح عن المشاعر، وفى الوقت الذى يبدو فيه العمل فاتر المشاعر بشخصياته الجافة، نرى الملك وجين يكنان مشاعر عميقة لبعضهما البعض وهو ما يمنح اللحظة روحا خاصة.
فى ملمح آخر فإن الفيلم مثير للسخرية بين تلك الأزياء الفاخرة والملفتة للنظر، ومكائد البلاط الملكى والخدم اللطيفون الذين يبتسمون لجين بابتسامات تآمرية دافئة وآخرين من الحاقدين مصممون على إعادة جين إلى مكانها. إنه عالم تحمل فيه كل نظرة وإيماءة وكلمة معنى خفيا الكل يتآمر ضد الكل. ويعتبر إظهار أى شكل من المشاعر سلوكا سيئا.
المؤكد أن المخرجة مايوين اتخذت خيارًا جريئًا عندما قررت أن تلعب بنفسها دور هذه المرأة الجميلة المفعمة بالحيوية وتدخل فى علاقة حب جنونية مع الملك واحتقرتها سيدات البلاط الأذكياء ودافع عنها الرجال المحبون بعد أن بدت العشيقة الطموحة التى تستغل جمالها لتجاوز العديد من العقبات، حتى تصل إلى قمة الهرم.
أعتقد أن مايوين كانت شغوفة جدًا بإحياء شخصية تم التقليل من قيمتها فى الأيام الأخيرة من بلاط فرساى وعودتها إلى الحياة لدرجة أنها أصرت على كتابة الفيلم وإخراجه وإنتاجه وتمثيله، لكنها بالرغم من ذلك لم تمنح شخصياتها الحيوية المطلوبة، فمنذ المشاهد الافتتاحية، هناك حالة من الجمود فى الفيلم يصعب وصفها بالكلمات، وربما يكمن وراء ذلك السرد البسيط والثوابت الراسخة داخل الكادر بحكم حياة القصر.
قدم ديب واحدا من بين أدواره الأكثر هدوءا ورزانة باعتباره الملك الفرنسى الذى يقع فى حب فتاة وصفت بـ«باللعوب»، نعم يبدو كتوما وحزين ولكنه شخصية قيادية ذات جانب غير واضح فى حساباته.
ويبدو أن ديب كون لغته الفرنسية ليست جيدة مثل بقية الممثلين، فلم يكتب له سوى عدد قليل من سطور الحوار طوال الفيلم بأكمله.
فى الواقع كان لويس الخامس عشر الحقيقى شخصية مفعمة بالحيوية والنشاط، لكن لويس الذى جسده جونى ديب كان يتجول فى صمت ومظهر متجهم، مثل جثة مقيدة بخيوط.
فى النهاية كان ينبغى السماح لـ«مايوين» الحصول على حرية إبداعية أكثر لإعادة خلق شخصيتها التاريخية برؤيتها الفنية الخاصة، ولخلق قصة نسوية أكثر حداثة وهذه نقطة عادلة مثلما فعلت صوفيا كوبولا ذلك وحققت نتائج مدهشة فى فيلم مارى أنطوانيت (2006). وكذلك «المفضلة»، ليورجوس لانثيموس، و«كورسيج» لمارى كروتزر.
خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات