خيارات السلامة والندامة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خيارات السلامة والندامة

نشر فى : الأربعاء 24 فبراير 2010 - 10:32 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 فبراير 2010 - 10:32 ص

لا أعرف ما هى الرسالة التى تلقاها أهل القرار فى مصر، الذين لا أشك فى أنهم تابعوا أصداء عودة الدكتور البرادعى إلى القاهرة. كما أننى لا أعرف كيف يفكرون فى التعامل مع هذه الأصداء.

ولا أشك فى أن الأجهزة المعنية حرصت على التهوين من شأنها، حتى لا تسبب قلقا أو إزعاجا للمقامات العليا، ومن ثم تطمئنها إلى أن «كله تمام» وأن الموقف تحت السيطرة. وهذا الشق الأخير ليس افتراضيا، لأن من تقاليد جهاز الإدارة فى مصر أن يتجنب إحداث صدمة لصاحب القرار، ولذلك فإن المسئولين عن هذا الجهاز عادة ما يخففون من أى صورة كئيبة ينقلونها أو يعرضونها بالتقسيط.

وفيما سمعت من بعض الوزراء السابقين الذين أعرفهم، فإنهم كان يطلب منهم قبل لقاء المسئول الأكبر أن يذكروا الأخبار الجيدة، ويستبعدوا من أحاديثهم أى أخبار سيئة تبعث على الكدر ولا تسر الخاطر.

ليس بمقدورنا لا فى الحاضر ولا فى المستقبل القريب، أن نقيس كم نسبة الغاضبين والساخطين على الوضع القائم فى مصر، والداعين إلى تغييره.

ذلك أنه بمقدورنا أن نعرف كل أسبوع أو أسبوعين مدى شعبية الرئيس ساركوزى فى فرنسا أو جورج براون رئيس الوزراء فى بريطانيا أو غيرهما من قادة الدول الديمقراطية، لكننا نعجز عن أن نتابع مؤشرات شعبية الرئيس مبارك على مدى 29 عاما، ليس ذلك فحسب، وإنما هناك شك كبير فى أى تقديرات يمكن أن تطلق فى هذا الصدد. ذلك أن الذين يزورون الانتخابات ويصطنعون أغلبية كاسحة للحزب الحاكم فى المجالس المحلية والنيابية المنتخبة، لن يترددوا فى تزوير الحقيقة فيما يخص شعبية النظام وشرعيته.

أيا كان الأمر، فالذى لا يختلف عليه اثنان أن ثمة سخطا شائعا بين فئات المجتمع المصرى لا ينبغى تجاهله أو التهوين من شأنه. والقول بغير ذلك يظل نوعا من دفن الرءوس فى الرمال، من شأنه كتمان الغضب وتراكمه، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى مالا تحمد عقباه فى أى وقت، قريب أو بعيد.

إذا سلمنا بوجود السخط والغضب، فإن السؤال التالى هو: كيف سيتم التعامل معه؟..

ــ فى الرد على السؤال هناك ثلاثة احتمالات، أحدها تجاهل ما يجرى، والثانى استنفار الأمن للتعامل معه، أما الثالث فهو التفاعل السياسى معه.

إذ لا أستبعد أن يتم تهوين الموقف بحيث يعتبر النظام أن تلك الأصداء مجرد عاصفة لن تلبث أن تهدأ، وحماس سيفتر ويتبدد بمضى الوقت. ومن ثم يقف منها موقف الحياد واللامبالاة. وهذا هو الخيار الأسوأ الذى يفتح الباب لاحتمالات الفوضى والانفجار الذى لا يعرف له شكل أو حدود أو موعد.

الاحتمال الثانى هو الخيار الأمنى، الذى يحيل الملف بكامله إلى أجهزة وزارة الداخلية للتعامل مع جميع مفرداته وعناوينه، من ثم تتحرك الآلة التى نعرفها. للرصد والمراقبة والملاحقة والاعتقال وتلفيق القضايا، وإعادة إنتاج التقارير والادعاءات التى تتحدث عن التجمهر غير المشروع وبث الشائعات المغرضة، والتخابر والعمل لصالح جهات أجنبية، والتآمر لقلب نظام الحكم، إلى غير ذلك من الاتهامات التى كدنا نحفظها لكثرة استخدامها فى وسائل الإعلام الحكومية، وهذا هو الحل القمعي الذي يستسهل النظام اللجوء إليه، وهو خيار لا يقل سوءا عن سابقه سواء فى أدواته أو فى مآلاته.

الخيار الثالث يمثل مدخلا سياسيا يصغى إلى أصوات الساخطين، ويتحرى مطالبهم، ويحاول أن يتفاعل معها، بإيضاح ما التبس، وتصحيح ما اعوج أو انحرف، والتراجع عما ثبت فشله أو ضرره. ولكى ينجح ذلك الخيار فينبغى أن ترفع عنه يد فئتين هما المنتفعون والمنافقون من ناحية، والأجهزة الأمنية من ناحية ثانية، لأن دخول الطرفين من الباب سيعنى مباشرة تغييب الحقيقة من باب آخر.

للأسف، فإن نظامنا انحاز دائما إلى الحل الأمني، وفضل استخدام هراوة الشرطة على الاستماع إلى صوت المجتمع، لذلك فالناس معذورون إذا هم انصرفوا عنه إلى من يتصورون أنه يمكن أن يصغى إليهم، وأن يعتبروا أى بديل عنه يمكن أن يكون أفضل منه، وهذه رسالة ينبغي أن يتسلمها أركان النظام، بعدما أرسلتها إليهم الجماهير التى خرجت إلى مطار القاهرة يوم الجمعة الماضي.  

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.