السعودية والصراع على القيادة السنّية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السعودية والصراع على القيادة السنّية

نشر فى : السبت 24 سبتمبر 2016 - 9:10 م | آخر تحديث : الأحد 25 سبتمبر 2016 - 12:45 م
نشر موقع صدى كارنيجى للسلام الدولى مقالا لـ«هالة الدوسرى» الباحثة الزائرة بمعهد الخليج العربى بواشنطن حول المملكة العربية السعودية وصراعها على القيادة السنية والتطورات الأخيرة التى طرأت على المؤسسات الدينية لديها.

تبدأ «هالة الدوسرى» بالإشارة إلى القرار الذى اتخذته السعودية بالحد من السلطة التى تتمتع بها هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ــ عبر منعها من مطاردة المشتبه بهم أو توقيفهم أو استجوابهم ـــ وردود الفعل إزاءه والذى قد لاقى استحسانا لدى المعلّقين الذين رأوا فيه محاولة للاستجابة للمظالم. وردا على الانتهاكات التى ارتكبتها الهيئة، طالب السعوديون بإصلاحها، مقترحين ضبط سلطتها عبر وضع بروتوكول يتضمن عرضا للإساءات العامة المحدّدة التى تُصنَّف فى خانة المُنكَر. وعلى الرغم من إجراء إصلاحات صغيرة النطاق فى الأعوام القليلة الماضية، مثل الطلب من عناصر هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وضع شارات والامتناع عن اللجوء إلى العنف اللفظى أو الجسدى، لم يتم تطبيق إصلاحات جدّية. حتى القرار الذى صدر فى أبريل الماضى اكتفى بإلغاء الأدوار الواضحة فى العلن التى تؤدّيها الهيئة مع الإبقاء على دور المراقبة العامة، بما فى ذلك المراقبة عبر الإنترنت. وجدير بالذكر أن الدعوات لإصلاح هذه المؤسسة تحجبها الحاجة السياسية الواضحة إلى إبقاء هذه الهيئة الضخمة والواسعة الانتشار قيد العمل.

تزامن توقيت هذه الإجراءات الإصلاحية مع إطلاق برنامج التحول الوطنى 2020 الذى يسعى إلى تطبيق الرؤية السعودية 2030. يهدف البرنامج الكبير الذى أُطلِق فى أبريل 2016 إلى زيادة الإيرادات غير النفطية، وتطوير القطاع الخاص، وتعزيز السياحة والاستثمارات الخارجية. وقد هدفت الإصلاحات إلى تهدئة أى مخاوف بشأن تأثير الاعتقالات العلنية التى تقوم بها الهيئة على قرارات الشركات الأجنبية تأسيس مقار لها فى السعودية، لكنها تؤشر أيضا إلى مسألة أكبر تتمثّل فى المحاولات التى تبذلها السعودية من أجل إعادة النظر فى هويتها الإسلامية وإصلاحها لتصبح أكثر اعتدالا وتسامحا. وقد يكون السبب فى ذلك الحاجة إلى تعزيز أجواء محلية آمنة وجاذبة للمستثمرين الأجانب، وجعل النسخة السعودية عن الإسلام بمنأى عن أى تشابه مع الإسلام الذى تروّج له حركات التمرد الإسلامية التى هى فى تنافس دائم مع الدولة السعودية حول الجهة التى تقدّم الرؤية الأكثر «أصالة» عن مفهوم الدولة الإسلامية.

***

تشير «الدوسرى» إلى أن نطاق الإصلاحات الدينية فى السعودية والهدف منها دائما محاطَين بالالتباس والغموض، ولا يمكن تقويمهما بسهولة مادام الدين لا يزال يُستخدَم كأداة سياسية لتحقيق مآرب متغيِّرة. وقد أطلقت السعودية، لطمأنة حلفائها الغربيين فى مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، سلسلة من الإصلاحات الدينية بين العامَين 2003 و2006، شملت وضع برنامج وطنى لمكافحة الإرهاب بغية استهداف المتطرّفين الدينيين، بتمويل مقدم إلى الأمم المتحدة بلغ ملايين الدولارات؛ وإنشاء مركز دولى للحوار بين الأديان، ومركز محلى للحوار الوطنى، ومؤسسة مختلطة للتعليم العالى، ومركز وطنى استشارى لمكافحة الإرهاب؛ وقد ضمّ علماء من المذاهب السنّية الأخرى إلى هيئة كبار العلماء التى يسيطر عليها المذهب الحنبلى. وكذلك اتفاق غير رسمى جرى التوصل إليه فى العام 2005 بين كبار المسئولين الأمريكيين والسعوديين لإصلاح الكتب المدرسية الدينية، وعلى الرغم من أن التغييرات فى الكتب المدرسية تضمّنت بعض الإشارات إلى الإسلام بوصفه دين السلام للبشرية جمعاء، إلا أنه لا يزال بالإمكان العثور على عناصر تنم عن تعصّب تاريخى ضد اليهود والمسيحيين فضلا عن بعض المذاهب أو مدارس الفكر فى الإسلام، بحسب دراسة وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية فى العام 2013.

إن الإصلاحات الهادفة إلى ضمان الحرية الدينية الحقيقية فى الانتماء والممارسة، ولو بصورة نسبية، لم تكن جوهرية بما يكفى. فقد جرى إقرار مجموعة من القوانين والمراسيم عام 2014 لحماية الامتياز الممنوح إلى الملك وكبار العلماء باحتكار الدين. على سبيل المثال، يعتبر قانون مكافحة الإرهاب الصادر فى 31 يناير 2014، الإلحاد عملا إرهابيا. وينص المرسوم الملكى رقم 44 الصادر فى 3 فبراير 2014، على تجريم الانتماء الدينى إلى بعض المجموعات ــ مثل الحوثيين والإخوان المسلمين، فضلا عن القاعدة وسواها من حركات التمرد الإسلامية ــ أو الدعوة «للفكر الإلحادى» و«التشكيك فى ثوابت الدين الإسلامى» (التى تحدّدها السلطات السعودية بطبيعة الحال). علاوة على ذلك، بدأت المنظومة القانونية المستندة إلى الدين باستخدام القوانين الجديدة من أجل إصدار الأحكام بحق الأشخاص على خلفية نشرهم آراء انتقادية أو مثيرة للجدل عن الإسلام عبر الإنترنت. فعلى سبيل المثال، استند البيان الاتهامى الذى أصدرته المحكمة بحق الصحفى علاء برنجى، إلى تغريدات أبدى فيها تأييده لحملة دعم حق المرأة فى قيادة السيارات فى السعودية وللإفراج عن السجناء السياسيين، واعتبارها دليلا على خروجه عن النهج الدينى الذى تتبعه الدولة وعلى استهزائه بالفقهاء الدينيين.

***

ساهمت المحاولات السعودية من أجل التصدّى للنفوذ الإيرانى فى المنطقة إلى زيادة حدّة المنافسة لتحقيق السيطرة الدينية؛ ففى أغسطس الماضى، اجتمع أكثر من مئة فقيه سنّى يمنى فى الرياض تحت رعاية وزارة الشئون الإسلامية السعودية، وأصدروا بيانا عن الأخلاقيات الإسلامية هدفَ إلى قطع الطريق على إيران والمناهج الفكرية والدعوية المرتبطة بها. وأعلن الشيخ أبو الحسن مصطفى السليمانى، رئيس لجنة وضع مسوّدة البيان، أنه نظرا إلى أن عناصر الاتفاق مستوحاة من القرآن والسنّة، فإن الفقهاء الإسلاميين اليمنيين ملزَمون حكما بتوقيعه. وأضاف أن الاتفاق، وعلى الرغم من أنه أُريد له أن يكون شاملا، لا يهدف بأى طريقة من الطرق إلى رأب الجسور مع الرافضة، وهو مصطلح غالبا ما يستعمله السلفيون للإشارة إلى الشيعة بطريقة مسيئة. وأعلن أن جميع المسلمين ــ بما فى ذلك أتباع الصوفية والزيدية، وهما المذهبان اللذان ينتمى إليهما الحوثيون ــ مرحّب بهم للتوقيع على الاتفاق، فى مؤشر واضح عن ترك الباب مفتوحا قليلا أمام الحوثيين للانضمام إلى الميثاق باعتبارهم مرءوسين«تائبين» فى ظل الرعاية السنّية.

***

تختتم الكاتبة بأن السعودية تحاول إعادة صوغ رؤيتها الدينية السلفية بحسب احتياجاتها السياسية، ويبدو أن بلدانا أخرى قلقة من التأثير المتزايد للسلفيين تتصدّى لتلك الجهود. وقد سعى المؤتمر الذى عقد أخيرا فى جروزنى بالشيشان أغسطس الماضى إلى وضع تعريف جديد ردا على السؤال: «من هم أهل السنّة والجماعة؟» واعتبرت مؤسسة طابة التى تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرا لها وهى الجهة المنظِّمة للمؤتمر، أنه مجهود ضرورى فى وقتٍ تُبذَل فيه محاولات اختطاف لقب «أهل السنة والجماعة» من قبل طوائف تُسْتَغل ممارساتهم الخاطئة لتشويه صورة الدين الإسلامى. وقد شمل التعريف الذى ورد فى البيان الختامى الصادر عن المؤتمر جميع المجموعات التى تُعرِّف عن نفسها بأنها سنّية، ما عدا السلفيين، وامتدادا الوهابيين. وقد أوحى البيان انتقادات غير مباشرة إلى السلفية السعودية على ما تُظهره من عنف مذهبى وتعصّب دينى من خلال إقصاء المجموعات السنّية التى لا تنسجم مع منهج الدولة السلفى. وكما كان متوقّعا، شنّ كبار العلماء فى السعودية ــ فضلا عن السلفيين والإخوان المسلمين والأزهر ــ سيلا من الانتقادات الشديدة لما اعتبروه تدخّلا روسيا فى السياسة الإقليمية عن طريق الدين، وخيانة من الفقهاء المصريين لمموّليهم السعوديين، واتهاما ضمنيا للسلفيين بأنهم من الخوارج.
المقال كاملًا: هــــنـــا

التعليقات