الإرهاب يبدأ فكرة.. - جورج إسحق - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 9:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإرهاب يبدأ فكرة..

نشر فى : السبت 24 ديسمبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 24 ديسمبر 2016 - 9:30 م
فى البداية لابد أن نقر أن الجرائم الإرهابية تمثل انتهاكا جسيما وصارخا لأسمى حق من حقوق الإنسان وهو الحق فى الحياة الذى تصونه التعاليم السماوية والتشريعات الدولية. كما أن استهداف دور العبادة وقتل الأبرياء والمدنيين هى بمثابة أعمال إرهابية كاملة الأركان تخالف قيم التسامح والسلام وقبول الآخر وكل أحكام الأديان السماوية، وتعد تهديدا صارخا للاستقرار السياسى والاجتماعى والأمنى بالبلاد.

وفى هذا السياق لابد أن نؤكد «مما لا يدعى أى مجالا للشك» دعمنا وتأييدنا الكامل للدولة فى محاربة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره. ونتضرع إلى الله أن يتقبل كل شهداء هذا الوطن من جنود وضباط ومدنيين وأن يرحمهم الله برحمته الواسعة. وكل هذا الدعم لا يمنعنا أن نرى الصورة كاملة وأن نطالب بشكل علنى بالتحقيق الجاد والمحاسبة الناجزة لأى تقصير فى حماية أرواح المصريين.

ولن تحل مثل هذه الحوادث الإرهابية بالتصدى الأمنى فقط بل يجب أن يواكب التصدى الأمنى التصدى للأفكار والثقافة السائدة فى نشر ثقافة الكراهية وعدم قبول المختلف دينيا وخطابات التحريض من قبل السلفيين على كراهية الأقباط فى مصر والوقوف بحزم ضد الفتاوى المحرضة على الكراهية وتكفير الآخرين لأن هذا لن يؤدى إلا إلى مزيد من العنف. ويجب أن تتوقف فضائيات الضلال عن نشر هذه الثقافة بشكل متعمد وصراخ وتحريض وأخبار كاذبة طوال الوقت. وهذا بجانب الخلل الإعلامى فى التعامل مع مثل هذه الحوادث الإرهابية؛ فإذا قارنا ما حدث فى وسائل الإعلام المصرى بوسائل الإعلام الفرنسى بعد الحادث الإرهابى الذى حدث للجريدة الساخرة «شارلى ايبدو» على سبيل المثال لا الحصر نجد أن هناك عوارا كارثيا فى تناول الحادث إعلاميا. فبينما تؤكد وسائل الإعلام الفرنسية على استمرار دعمها الكامل لحرية الرأى والتعبير نجد أن وسائل الإعلام المصرى تدعو إلى عودة العمل بنظام الطوارئ والمحاكمات العسكرية دون أن تشير أن هناك مواد فى الدستور والقانون رادعة بشكل كافٍ لمثل هذه الجرائم وما نحتاجه فقط هو محاسبة ناجزة وعاجلة وعلنية وتحقيقات جادة وسريعة وقبل هذا وذاك أمن قومى وحماية حاسمة لأرواح المواطنين واتخاذ جميع إجراءات مكافحة الأعمال الإرهابية قبل حدوثها. ونجد أن الشعب الفرنسى تظاهر بكل فئاته وأعلنوا الوقوف فى كل فرنسا دقيقة حداد فى وقت واحد فى يوم الخميس الأول بعد الحادثة. فى حين أنه فى مصر تم القبض على بعض الشباب القبطى الغاضب فى مظاهرتهم السلمية للتنديد بما حدث ومطالبتهم المشروعة بمحاكمة كل المتسبب فى هذا الجرم الإرهابى القاتل. مع منع المئات من الأقباط من الدخول للكنيسة للصلاة على الشهداء وذلك لإتمام الجنازة العسكرية مما لا يصعب تصديقه. فى حين أن الرئيس الفرنسى قام بدعوة رؤساء الدول فى المشاركة فى مسيرة مهيبة فى شوارع فرنسا للتنديد بالإرهاب مما كان له عظيم الأثر محليا ودوليا ورسالة فى منتهى القوة لمواجهة الإرهاب بالجهود الدولية الموحدة.

***

إن كلمات الندب والشجب والتعويض والحداد وما يقال عليه «بيت العائلة» وكلمات الوحدة الوطنية بديلا لكلمة المواطنة أصبحت لا ترقى مطلقا لمستوى الحدث والإفراط فيها دون حلول جذرية افقدها جدواها. دعونا نعترف أن هناك مشكلة فكرية نواجهها وهناك أوضاع مأزومة نعيشها، وهناك خطابا يحتاج إلى مراجعة وهناك مناهج تعليمية يجب أن تراجع وتعدَل ويجب أن تكون هناك أنشطة خاصة فى مدارس النشأ تؤكد على فكرة المواطنة والمشاركة وعدم التمييز على أساس الجنس أو الدين والإسراع بوضع قانون منع التمييز ومواجهة كل من يعمل على إثارة هذه النعرات الدينية ووقفها ومحاسبة من يدعو إليها.

بجانب ذلك لابد أن يكون هناك تضامن دولى لا حدود له فى مواجهة الإرهاب على أى بقعة من بقاع العالم وتوحيد الجهود للتصدى له ولكل من يحاول المساس بإنسانيتنا أو استهداف المقدسات الدينية، كما نطالب دوما وأبدا المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته من خلال تكثيف الجهود لنشر قيم التسامح ومحاربة الإرهاب بمواجهة كل من يسىء إلى الأديان السماوية أو يمس رموزها ومقدساتها.

***

شعورنا بأن هناك نوعا من التقصير الأمنى فى حماية المواطنين يدفعنا لأن نطالب المسئولين بأن يكون هناك وقفة مع النفس والاعتراف بأن المراجعة وتصحيح الأخطاء والمساءلة والمكاشفة والمحاسبة الناجزة شىء صحى لا يقلل من شأن أحد ولكنه يرفع من شأن المسئولين أمام أنفسهم أولا ثم أمام شعوبهم. ولابد أن يدرك كل الأطراف المعينة أن دعمنا لجهود القوات الأمنية فى مواجهة الإرهاب الغاشم لا يتعارض أبدا وتحت أى ظرف فى دفاعنا عن الحريات والديمقراطية وكل حقوق المواطنين المصريين. يجب أن تتغير المواجهة الأمنية بأدوات حديثة ويوجد بالفعل من بين رجال الأمن من يعرف جيدا أن يتعامل مع هذه الأدوات ويجب فورا الاستعانة بهم وعدم ترك المواجهة القديمة على ما هى عليه وإلا ستتكرر هذه الحوادث عدة مرات.

جهود الدولة المصرية لابد ألا تقتصر على التصدى للإرهاب بعد حدوثه، ولكن التصدى لابد أن يكون بتحليل أسباب هذا الإرهاب والوقوف الحقيقى عند الدواعى والمسببات التى أدت لانتشار الإرهاب بهذا الشكل. وانخراط شباب فى عمر الزهور فى هذا التنظيم وتفضيلهم عضوية هذا التنظيم عن ممارسة العمل المهنى المفترض بعد انتهائهم من دراستهم، وهو أمر فى منتهى الأهمية والخطورة، وإذا لم نتوقف عند هذه الأسباب ونوجد حلولا مناسبة لها وخطابا مناسبا عاقلا يتم توجيهه لهؤلاء الشباب فلن نستطيع القضاء على هذا الإرهاب من جذوره، وأى حلول للتصدى الأمنى فستكون مسكنات وحلولا مؤقتة لهذا الإرهاب. التربية والتعليم ــ فى الأنظمة العربية خاصة ــ هى من أهم مسببات انخراط الشباب فى مثل تلك الأنظمة الفاشية، فكيف سيتكاتف علماء مصر التربويون لإصلاح التعليم فى مصر ورفع وعى المجتمع ويقرون أنه لا غنى لنا عن مجتمع صحى واعٍ سلمى.

من جهة أخرى إرساء العدل والمساواة فى المجتمع، والتأكيد على المجتمع المدنى ودوره فى إرساء روح التطوع والعمل الجماعى بشأنه أن يتصدى وبقوة لهذا الخطر، وأؤكد أهمية العمل التطوعى من خلال منظمات مجتمع مدنى قادرة على احتضان حماس الشباب، وطاقتهم الجارفة الكامنة بداخلهم لتحقيق ذاتهم، والـتأكيد على فكرة حب الحياة وليس النظرة العدمية لها.

***

أكرر مرارا وتكرارا أن الرد الأمنى الموحد مهم جدا ولا غنى عنه ولكن يجب رفع شعار السلام ورسالة الإنسانية معا للتصدى لأكبر خطر يهدد الإنسانية على كل شبر فى أنحاء العالم.

يا شعوب العالم اتحدوا ضد الإرهاب...
جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات