بنحيى البغبغان - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بنحيى البغبغان

نشر فى : الأحد 25 يناير 2015 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأحد 25 يناير 2015 - 8:15 ص

يتمايل الحاضرون تلقائيا كما لو كانوا فى حلقة ذكر، وعن بعد تلمع شاشات المحمول بالعشرات، قد أخرجها أصحابها لالتقاط صورة «سيلفى»، على أنغام وأصوات تم دمجها لتصبح أعمالا تقف فى المنتصف بين الموسيقى الشعبية والإيقاعات الإلكترونية. منتج ثقافى خرج من سنوات الثورة بكل ما فيها من عنف وتمرد على النوستالجيا وتفكيك للقوالب الجاهزة، حتى لو لم يكن له وظيفة سياسية، فما يسمى بالإلكترو شعبى أو المقطوعات الإلكترونية الهجينة التى ظهرت فى الأفراح الشعبية وأزقة العشوائيات قبل الثورة بقليل لتعبر عن روح القاهرة الهادرة الساخرة وفوضاها، صار أربابها نجوما بعد الثورة وخرجوا من الهامش للعالمية، نظرا للاهتمام التى حظيت به فنون بلاد الربيع العربى سابقا. تلقفها أحد نجوم الموسيقى البديلة، ابن الطبقة الوسطى، ليصنع منها بدوره شيئا مختلفا، وهو موريس لوقا فى ثانى أسطوانة له «بنحيى البغبغان» التى صدرت فى نوفمبر الماضى.

•••

جاء العنوان ربما تحية لأحد نجوم الأغنية الشعبية وهو شعبان البغبغان على طريقة «نبطشية» الأفراح البلدى، وربما كان كناية عن مرحلة يردد فيها البعض عبارات رنانة دون أن يفهم معناها فى إطار العبث العام، أو على اعتبار أن موريس لوقا نفسه يكرر فى أحيان كثيرة جملة موسيقية واحدة ويدخل عليها توزيعاته أو يعالجها إلكترونيا ليدخلنا فى حالة أشبه بحلقات الصوفية، لكن على إيقاع حديث. فى بعض المقطوعات يكرر كلمات قليلة مثل «صحصح أوعى تنام، بنحيى البغبغان» أو «شرق راح تغرب، تبعد راح تقرب، ح تولع صدقنى» أو «الدنيا غابة، وإحنا غلابة، فى الحتة دية مالكش دية»، وأحيانا يكتفى بالموسيقى كما فى مقطوعة «العصر الذهبى» الذى يشير بها للمرحلة الحالية، إذ يرى أن هناك طاقة موسيقية كبيرة فى القاهرة قد نكتشف فيما بعد أنها توازى أى عصر ذهبى آخر، خاصة الموسيقى الشعبية التى يعتبرها الوحيدة القادرة حاليا على طرح بديل حقيقى.

•••

خريج كلية التجارة الذى بدأ بالعزف على الجيتار ضمن فرق الروك الغربية، ثم مع فرقتى «بيكيا» و«الألف» لا ينفى تأثره بالظرف السياسى، من احتفاء بالتغيير إلى الخوف منه « فى لحظة ما بين إدعاء الثقة وبين أننا مالناش دية»، كما صرح فى حديث أجرته معه الفنانة مريم صالح التى تنتمى هى الأخرى إلى الساحة الجديدة للغناء وعالم «الأندرجراوند». هذا الأخير يحكمه أيضا أمل متردد كالعديد من المؤسسات والفاعليات والأنشطة الفنية التى عرفت استحسانا ملحوظا بعد ثورة 25 يناير مباشرة، ثم لاقت تراجعا ملحوظا أيضا فى الآونة الأخيرة. لكن رغم كل شىء تظل الثقافة هى خط الرجعة الأول والأخير، منها تبدأ الثورة وإليها تعود. ويظل الناس يتمايلون على إيقاعات لوقا التى سجلها داخل استوديو العربى بشبرا، أحد أشهر أماكن تسجيل الأغنيات الشعبية فى الثمانينيات، بمصاحبة حوالى 14 عازفا. يبنى المقطوعة فى ذهنه قبل أن يدخل إلى الاستوديو ويشرح لمهندس الصوت ما يريد، ويبدأ فى تقطيع التسجيلات والجمل، ثم تركيبها لتظهر بالشكل الذى يبغيه، عندئذ تتبدل هوية الأشياء، تلبس حلة أخرى تليق بعالم وسط البلد ومقاهى المثقفين والبارات والمراكز الثقافية. مزمار شعبى، نغمة أكورديون وقد أضاف لها العازف الشعبى من مخزونه، صوت علاء فيفيتى ــ مغنى المهرجانات.. التوليفة تستقى من حوارى القاهرة، إلا أنها تخاطب جمهورا آخر، ربما أوسع.

مازلنا فى محطة رمسيس، لكن ربما فى عربة القطار الإسبانى السريع درجة أولى، حيث هناك مجال «للتجريب الكهربائى». يتراقص الناس على موسيقى موريس لوقا، كما يرقص معازيم الأفراح الشعبية فى الشارع، مع اختلاف الأسلوب.. يشحنون طاقاتهم، ويفرغون السلبى منها.. ويستمر المتخصصون وعلماء الاجتماع ومخرجو الأفلام الوثائقية إلى ما غير ذلك فى تحليل الظاهرة، مبرهنين على وجود علاقة وثيقة بين الموسيقى الإيقاعية والثورة، مستندين فى ذلك إلى كلمات الملحن الأمريكى الطليعى، جون كيج، أحد رواد استخدام التكنلوجيا والوسائط الإلكترونية فى الموسيقى.. فما بالك بإيقاع مدينة لاهثة كالقاهرة وهى فى حالة فوران.

التعليقات