نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا للكاتب توماس لورن فريدمان تناول فيه تأثير قرارات حكومة نتنياهو الجديدة على مصير المصالح الأمريكية الإسرائيلية فى الشرق الأوسط، وتأثيرها على زعزعة الاستقرار الداخلى فى إسرائيل ــ بخاصة فيما يتعلق بالشأن القضائى ــ إضافة إلى وضع الإدارة الأمريكية فى موقف محرج إذ أصرت على الدعم الأعمى لتلك القرارات والتزام الصمت، فهل يتخلى بايدن عن دبلوماسيته تجاه نتنياهو لحماية إسرائيل والمصالح الأمريكية أم يظل محافظا على النهج المعهود ألا وهو غض البصر عن أخطاء الأصدقاء.. نعرض من المقال ما يلى.فى بادئ القول، يفترض الكاتب أنه عثر على رسالة على مكتب الرئيس الأمريكى بايدن عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، إليكم كيف ستبدأ:
«عزيزى السيد الرئيس، لا أعرف ما إذا كنت مهتمًا بالتاريخ اليهودى أم لا، لكن التاريخ اليهودى مهتم بك بالتأكيد اليوم. إن إسرائيل اليوم على وشك التحول التاريخى ــ من دولة ديمقراطية إلى أخرى سلطوية، ومن قوة تسعى لتحقيق الاستقرار فى المنطقة إلى قوة مزعزعة للاستقرار. قد تكون الوحيد القادر على منع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه المتطرف من تحويل إسرائيل إلى معقل غير ليبرالى للتطرف».
أود أيضًا أن أخبر بايدن أننى أخشى أن إسرائيل على شفا نشوب صراعات أهلية داخلية بسبب السلطة. لسنوات، كانت تدور المناقشات العنيفة لاتفاقيات أوسلو فى إسرائيل حول السياسة لكن اليوم هذا الصدام المحتدم يدور حول السلطة ــ من بيده الأمر ليقرر مصير الآخر فى مجتمع متنوع.
إليكم المختصر من قصة صعود تلك الحكومة المتطرفة، تشكلت حكومة نتنياهو بعد فوز فريقه فى الانتخابات بنسبة بسيطة من الأصوات (حوالى 30 ألف من حوالى 4,7 مليون)، ويرى النصف الآخر من الناخبين أن هذا الانتزاع للسلطة يقوده فريق فاسد ويهدد الحقوق المدنية. لهذا السبب نُظمت مظاهرة مناهضة للحكومة مكونة من ثمانين ألف شخص خلال عطلة الأسبوع قبل الماضى.
تلاشت إسرائيل ــ كما عهدها بايدن ــ معلنة ولادة أخرى جديدة بسياسات سلطوية، فالعديد من وزراء هذه الحكومة معادون للقيم الأمريكية وقيم الحزب الديمقراطى. ففى عام 2015، خطط نتنياهو ووزير الشئون الاستراتيجية، رون ديرمر، مع الجمهوريين فى إعداد خطاب يلقيه نتنياهو فى الكونجرس ويناقض به رغبات وسياسات بايدن والرئيس باراك أوباما. وهذا يعكس رغبتهم فى وجود رئيس جمهورى فى البيت الأبيض إضافة إلى ميلهم لدعم المسيحيين الإنجيليين بدلا من اليهود الليبراليين.
• • •
للوهلة الأولى، قد تُعرض الأزمة الحالية فى إسرائيل على بايدن كمسألة دستورية داخلية لا يحق له التدخل فيها. لكن الأمر لا يتعلق بالشأن الداخلى، فتداعيات تلك المسألة تؤثر على مصالح الأمن القومى للولايات المتحدة بشكل مباشر. ليس لدى الكاتب أية شكوك بأن فى مقدور بايدن إنقاذ إسرائيل مما هى عليه اليوم وتوجيهها إلى مسار أكثر أمنا للجميع.
تعيش إسرائيل حاليا حالة انقسام حاد بسبب الإصلاح القضائى الذى ينوى نتنياهو تطبيقه، فالمحاكم الإسرائيلية، بقيادة محكمتها العليا تلعب دور الحامى لحقوق الإنسان، وخاصة حقوق الأقليات. وتشمل هذه الأقليات المواطنين العرب والمثليين وحتى اليهود الإصلاحيون والمحافظون الذين يريدون نفس الحرية وحقوق الممارسة الدينية التى يتمتع بها اليهود الأرثوذكس والأرثوذكس المتطرفون. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لأن المحكمة العليا الإسرائيلية تراجع إجراءات جميع السلطات التنفيذية الأخرى، بما فى ذلك الجيش، فقد قامت فى كثير من الأحيان بحماية حقوق الفلسطينيين، بما فى ذلك توفير الحماية ضد الانتهاكات من قبل المستوطنين الإسرائيليين والمصادرة غير القانونية لممتلكاتهم الخاصة.
على الصعيد الآخر تسعى حكومة نتنياهو إلى تغيير الوضع فى الضفة الغربية جذريا وضمها فعليًا دون الإعلان رسميًا عن ذلك. بالتالى العقبة التى تحول دون تنفيذ تلك الخطة هى المحكمة العليا والمؤسسات القانونية الإسرائيلية.
كما أوضحت صحيفة The Times of Israel، فإن الإصلاح القضائى الذى يعتزم نتنياهو تمريره عبر الكنيست من شأنه أن «يمنح الحكومة السيطرة الكاملة على تعيين القضاة، بما فى ذلك المحكمة العليا»، بدلا من عملية تعيين قضائية ليست قائمة على أساس حزبى أو مهنى. إضافة إلى أن هذا الإصلاح سيحد بشدة من «قدرة المحكمة العليا على إلغاء التشريع» ــ لا سيما التشريع الذى قد يحد من حقوق الأقليات الإسرائيلية ــ «ويمكّن الكنيست»، الذى يسيطر عليه نتنياهو الآن، من «إعادة تشريع» القوانين التى ألغيت مسبقا من المحكمة.
هذا الإصلاح سيقلل أيضًا من استقلالية هيئات الرقابة القانونية فى كل وزارة، أى سيصبح كل وزير معنِى بالنظر فى الشكوى والبلاغات المقدمة إليه بدلا من إبلاغ المدعى العام.
جوهر القول، ستتولى السلطة التنفيذية الإسرائيلية السيطرة على القضاء. ويتزامن هذا التغيير المسمى بالإصلاح مع وقت يحاكم فيه نتنياهو نفسه بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة فى ثلاث قضايا رفعها المدعى العام.
فى وقت مبكر من هذا الشهر، غرد وزير الدفاع اليمينى السابق ورئيس أركان الجيش الإسرائيلى السابق، موشيه يعلون، أن «إصلاحات» نتنياهو القضائية كشفت عن «النوايا الحقيقية لمتهم جنائي» مستعد لإحراق البلاد وقيمها.. من أجل الهروب من قفص الاتهام. من كان يعتقد أنه بعد أقل من 80 عامًا من المحرقة التى حلت بشعبنا، سيتم إنشاء حكومة إجرامية وفاشية وفاسدة فى إسرائيل، هدفها إنقاذ مجرم متهم؟».
ولكن نتنياهو يقول أنه لا يفكر بهذه الطريقة إطلاقا ــ لا سمح الله.
أعلنت الرئيسة الحالية للمحكمة العليا الإسرائيلية، إستر حايوت، الأسبوع قبل الماضى أن الإصلاح الشامل الذى اقترحه نتنياهو «سيدمر النظام القضائى وهو فى الواقع هجوم لا حد له». إضافة إلى توقيع مجموعات من المتقاعدين من طيارى القوات الجوية والمحامين والقضاة من اليسار واليمين، بما فى ذلك بعض قضاة المحكمة العليا، رسائل تؤكد ما سبق ذكره آنفا.
• • •
كانت الولايات المتحدة الأمريكية خير رفيق لإسرائيل، فالمساعدات الاقتصادية والمعلومات الاستخباراتية والأسلحة الأكثر تقدما والدعم التلقائى ضد القرارات المتحيزة فى الأمم المتحدة أفضل دليل على ذلك. إلى جانب معارضة أى إجراء قانونى من قبل المؤسسات الدولية، بحجة أن إسرائيل لديها نظام قضائى مستقل ــ ليس طوال الوقت ولكن فى كثير من الأحيان ــ يطبق بشكل موثوق قواعد القانون الدولى على حكومة إسرائيل وجيشها، حتى عندما كان ذلك يعنى حماية حقوق الفلسطينيين.
لذا يحتاج بايدن إلى إخبار نتنياهو عبارات لا لبس فيها قبل أن ينجح فى وضع المحكمة العليا الإسرائيلية تحت إبهامه:
«بيبى، سياساتك تتخطى الحدود الحمراء وتضر بالمصالح والقيم الأمريكية. أحتاج إلى معرفة بعض الأشياء منك تماما مثل احتياجك إلى معرفة بعض الأشياء منى. أريد أن أعرف: هل سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية مسألة احتلال مؤقت أم خطة ضم مدى الحياة؟ أريد أن أعرف ما إذا كنت ستضع محاكمك حقًا تحت سلطتك السياسية بطريقة تجعل إسرائيل أكثر شبها بتركيا والمجر، لأننى لن أكون مؤيدا لذلك. أريد أن أعرف ما إذا كان وزراؤكم المتطرفون سيغيرون الوضع الراهن فى الحرم القدسى الشريف. لأن ذلك يمكن أن يزعزع استقرار الأردن والسلطة الفلسطينية واتفاقات أبراهام ــ الأمر الذى من شأنه أن يضر حقًا بالمصالح الأمريكية. حينئذ لن أكون الرفيق المؤيد الذى عرفته».
على النحو التالى يمكننا توقع رد نتنياهو على كل ما سبق:
«جو، جوى، صديقى القديم، لا تجعل هذه الأشياء تفسد صداقتنا الآن. أنا الوحيد الذى يكبح جماح هؤلاء المجانين، أنا وأنت يا (جو) يمكننا صنع التاريخ معا دعنا نوحد قواتنا ليس فقط لردع القدرات النووية الإيرانية، ولكن أيضا لمساعدة ــ بأى طريقة ممكنة ــ المتظاهرين الإيرانيين الذين يحاولون الإطاحة بالنظام الدينى فى طهران. ودعنا، نصوغ اتفاقية سلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. إن محمد بن سلمان مستعد لتلك الخطوة إذا كان بإمكانى إقناعك بإعطاء المملكة العربية السعودية ضمانات أمنية وأسلحة متطورة. دعنا نحقق أهدافنا أولا وبعد ذلك سوف أتخلص من هؤلاء المجانين».
اختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن صداقة إسرائيل والولايات المتحدة ليست حديثة العهد. لكن اليوم، يشرف طرف واحد فى هذه الصداقة ــ إسرائيل ــ على تغيير طابعه المألوف لدى الآخر. وعليه يحتاج الرئيس بايدن اتخاذ قرارات أكثر جرأة ووضوح لإعلان أن هذه التغييرات تنتهك مصالح وقيم أمريكا كما تضر بمصير مصالح الصديقين فى المنطقة، لذا لن تنال استحسان ودعم أمريكا كالمعتاد.
ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلى http://bit.ly/3wqMlI8