تطورات ذات مغزى فى الخليج - معتمر أمين - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 6:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تطورات ذات مغزى فى الخليج

نشر فى : الخميس 25 فبراير 2021 - 9:00 م | آخر تحديث : الخميس 25 فبراير 2021 - 9:00 م

لم تعد مفاجأة صدور قرار مفاجئ من المملكة، فلقد جرت العادة منذ تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد على التغيرات الجذرية السريعة. لكن إصدار القرار لا يعنى نجاح القرار، ولكن أى قرار يخضع لاختبار الزمن. فالتدخل فى اليمن منذ عام 2015 لم يحقق الهدف، فلا الحوثيين توقفوا ولا حكومة عدن استقرت. بل على النقيض، حكومة عدن نفسها تعرضت لاقتتال داخلى كاد أن يعصف بها من داخلها. وفى السياق نفسه نزفت الخزينة السعودية المليارات من الاحتياطى؛ حيث انخفض الاحتياطى فى البنك المركزى السعودى من مستوى 730 مليار ريال عام 2015 وقت اندلاع حرب اليمن، إلى 358 مليار ريال بنهاية عام 2020، طبقا لبيانات البنك المركزى السعودى. ولعل انهيار أسعار البترول على مدار السنوات السابقة ساهم فى زيادة الضغط على الاحتياطى النقدى للمملكة. على أى حال، لا يوجد مؤشر يدل على نهاية الحملة العسكرية، فحتى لو أعلن التحالف بقيادة المملكة رفع شعار الحل السياسى، فإن الحوثيين لا زالوا يستهدفون أراضى المملكة بالصواريخ. فمن يتوسط بين الطرفين؟ وما هو الحد الأدنى الذى يوافق عليه الحوثيون من أجل وقف إطلاق النار؟
وفى سياق متصل، أصدرت المملكة قرارا فى منتصف فبراير الجارى، يتعلق بالتعامل مع الشركات الأجنبية العاملة فى المنطقة؛ حيث جاء القرار المفاجئ فى محتواه وتوقيته، ليدلل على زيادة حدة المنافسة داخل المنطقة بين الدول الشقيقة، فالمملكة أعلنت، أن حكومتها عازمة على إيقاف التعاقد مع أى شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمى فى المنطقة فى غير المملكة ابتداءً من (1 / 1 / 2024م)، ويشمل ذلك الهيئات والمؤسسات والصناديق التابعة للحكومة أو أى من أجهزتها. والحجة أو السبب الرئيسى وراء القرار بحسب تصريحات المسئولين السعوديين هى ضمان أن المنتجات والخدمات الرئيسية التى يتم شراؤها من قبل الأجهزة الحكومية المختلفة يتم تنفيذها على أرض المملكة وبمحتوى محلى مناسب. لكن وراء هذا الهدف المعلن إعلانا مستترا بالتنافس بين المملكة والإمارات. فالأخيرة لديها المقرات الرئيسية لعشرات الشركات والصناديق الدولية الكبرى. والقرار السعودى يضع هذه الشركات أمام خيارات قليلة. فإما الانتقال إلى المملكة أو فقدان النفوذ والحصة السوقية فى أهم وأكبر أسواق الخليج. فضلا عن تبعات ذلك على الإمارات نفسها. فانتقال المقر الرئيسى للشركات الدولية يخصم من قوة الإمارات الاقتصادية ووزنها السياسى. وهو الأمر الذى يكشف عن حدة التنافس بين أقرب الحلفاء على ريادة المنطقة، أو أمور أخرى أبعد من ذلك.
***
لقد كان لولى العهد السعودى، زيارة مطولة إلى واشنطن مكث فيها قرابة العشرين يوما فى ربيع عام 2018، أجرى خلالها العديد من اللقاءات مع المسئولين الأمريكيين والمستثمرين والفنانين ورجال القوى الناعمة فى المجتمع الأمريكى. وكانت الزيارة فى إطار تفعيل استراتيجية المملكة لتحقيق رؤية 2030. ولقد ظهر ولى العهد فى تلك الزيارة متحررا من اللباس السعودى التقليدى، ومرتديا «بنطلون وقميص وجاكت»، فيما بدا وكأنه محاولة لتغيير الشكل النمطى عن المملكة وجذب أكبر عدد من المستثمرين الكبار للمملكة. وفى الزيارة التقى بكبار رجال المال والأعمال أمثال بيل جيتس، وجيف بيزوس، مارك زوكربيرج، بالإضافة لرؤساء شركات جوجل، ووارنر بروذارز، ووالت ديزنى، وغيرها. والهدف كان الانفتاح على الشركات الأمريكية ودعوتها بالاستثمار داخل المملكة، وتمهيدا لمشروع نيوم العملاق، الذى كانت السعودية عازمة على تنفيذه فى شمال شرق المملكة مقابل لشرم الشيخ المصرية، وجزيرتى تيران وصنافير. وكاد الأمر أن يتم؛ حيث أعلنت العديد من الشركات الكبرى الأمريكية جديتها فى الاستثمار بالمملكة، لاسيما بعد التغيرات الجذرية التى أطلقها ولى العهد. ومع نهاية عام 2018، تبخرت أحلام وتراجعت وعود بسبب حادث مقتل خاشقجى. حتى إن مشروع نيوم تباطأ العمل فيه. فهل قرار المملكة المفاجئ الذى يحتم نقل المقرات الرئيسية للشركات الدولية فى المنطقة إلى داخل المملكة سيساهم فى إحياء المشروع؟
***
الإشارات السياسية الصادرة عن واشنطن توحى ببرودة حلت على العلاقات مع ولى العهد، فلقد خرج تصريح عن البيت الأبيض ليعلن أن الرئيس الأمريكى جو بايدن يعمل على إعادة تقييم العلاقات الأمريكية مع السعودية، ويخطط للتواصل مع «نظيره» العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وليس ولى العهد الأمير محمد بن سلمان. وأكدت المتحدثة الرسمية للبيت الأبيض على هذا المعنى؛ حيث أشارت إلى أن التواصل يتم «من نظير إلى نظير»، فلماذا التراجع فى التعامل مع ولى العهد؟ لو كانت المسألة بروتوكولية كما تقول المتحدثة الرسمية فالأمر هين. لكن قد تكون المسألة إشارة لما هو قادم. فمثل هذا التصرف يوحى بأن واشنطن مصممة على عدم إغلاق ملف خاشقجى، ولا على تفويت ما جرى فى اليمن. وعدم التحدث مع ولى العهد هى أولى الخطوات. وهذه الإشارة مفهومة جيدا للشركات المعنية بمسألة الانتقال من الإمارات. لذلك سيخضع قرار النقل لاختبار الزمن، ومن المستبعد التيقن بنجاحه الآن. وهذا لا يعنى أن المسألة ستنال المملكة بمفردها. فنفس إدارة بايدن فرضت تعليقا مؤقتا على بعض صفقات السلاح لحلفاء الولايات المتحدة من أجل مراجعتها، مما يعنى حرمان الإمارات من صفقة المقاتلات إف ــ 35، ولو إلى حين! وإلى أن تتنبه الدول وتدرك أن الحل فى التنسيق ووحدة الصف، فإن كل تغيير فى واشنطن سيتبعه تداعيات فى المنطقة.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات