إبراهيم عبدالمجيد يتذكر «أيامنا الحلوة» - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إبراهيم عبدالمجيد يتذكر «أيامنا الحلوة»

نشر فى : السبت 25 فبراير 2023 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 25 فبراير 2023 - 9:30 م
ــ 1 ــ
لم يكن اللقاء الذى نظمته مكتبة تنمية الثقافية على شرف الكاتب الكبير والقدير إبراهيم عبدالمجيد، قبل أسبوعين تقريبا بفرعها فى المعادى، مجرد لقاء تكريمى لاسم وتاريخ وإبداع إبراهيم عبدالمجيد، فى ختام مهرجان تنمية الثقافى الأول، بقدر ما كان تأكيدا وترسيخا لحضور القيمة الإبداعية والإنسانية الكبيرة التى يمثلها إبراهيم عبدالمجيد، أولا، واستفتاء معلنا وظاهرا على تقدير ذائقة الشباب (المتهم دائما بنقص الوعى وابتسار الذائقة وقلة المحصول) واحترامهم لأصحاب الحضور والمشروعات الإبداعية الأصيلة والتفافهم حول هذه القيمة والتمسك بها،
ثانيا وثالثا، هذه الاستجابة العفوية المحبة لنماذج وممثلين من الكتاب والمبدعين والنقاد والناشرين، من أجيال مختلفة ومتباينة ومتنوعة لكن يجمع بينهم جميعا الاتفاق على المعانى والدلالات التى تمثلها رحلة الأستاذ إبراهيم عبدالمجيد، ومشواره الحافل بالكفاح والإصرار على الإبداع والكتابة، حتى أخرج لنا ما أخرج من إبداعات وروايات وقصص وأعمال تحظى بالمقروئية والإقبال والمحبة والاهتمام.

ــ 2 ــ
تزامن مع هذا اللقاء الاحتفالى التكريمى، باختياره شخصية مهرجان تنمية الثقافى الأول، توقيع بعض أعماله الأخيرة، وعلى رأسها روايته الأحدث الصادرة عن دار الشروق فى 2023 بعنوان «حامل الصحف القديمة»، ومجموعة أعماله القصصية الكاملة الصادرة فى طبعة حديثة عن الشروق أيضا بعنوان «أشجار السراب»، هذا بالإضافة إلى توقيع بعض كتبه الأخرى الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، وإيبيدى، وبيت الياسمين، وغيرها.

وفى حضرة إبراهيم عبدالمجيد ومحبته، تحدث كُتاب ونقاد وناشرون، كل بصياغته وطرائق تعبيره العفوية غير الرسمية، عن المعنى الذى يمثله إبراهيم عبدالمجيد بالنسبة له، يروى موقفا شخصيا أو يستعيد ذكرى مرتبطة بالمبدع الكبير أو باكتشاف نص من نصوصه المبدعة، أو فى الإشارة إلى تنوع التجارب الإبداعية والقيم الجمالية التى تبناها وحرص على إبرازها فى كل ما يكتب وينشر..
وكأن كل هذه الشهادات التى امتزج فيها الذاتى بالموضوعى كانت تمهد لحديث الكاتب الكبير الذى «يدهشك بألف حكاية غرائبية لشخوص استثنائيين من خلال سرد عذب ماتع وشيق، لا يغادر بهجته ولا ينسى جماله ويقف صامدا مبتسما فى وجه كل أنواء الحياة» كما يصفه الصديق الكاتب والصحفى والمترجم المتألق مصطفى عبيد».

ولم يفارق كاتبنا الكبير هذا الأفق المتوقع فأمتع جمهوره وحضوره بالفعل بسرده وذكرياته وحكاياته وأيامه الحلوة فقط التى يحب أن يستدعيها ويستحضر بعضها ليؤكد دائما أن الجمال وحده هو الذى يبقى ولا شىء آخر!

ــ 3 ــ
وعلى مدى ساعة تقريبا أو أقل تحدث الكاتب الكبير أمام جمهوره من الحضور عن بعض ما حفلت به تجاربه وخبراته العريضة فى الحياة والإبداع والثقافة والمجتمع، كعادته كان فياضا متدفقا صريحا غير هياب ولا خجل من التعبير عن الفكرة أو الخاطرة أو الواقعة أو الحادثة المستعادة إذا ما واتته فى حينه، ما من مرة التقينا فيها إلا وأمتعنا وأذهلنا بحكاياته وذكرياته وتفاصيل من أيامه الحلوة وسرده الجميل، وفى ذلك اللقاء استعاد كثيرا منها مما نشره فى «أيامنا الحلوة فقط» الصادر عن بيت الياسمين.

هذا الكتاب تحديدا يمثل جانبا مهما من جوانب شخصية إبراهيم عبدالمجيد المرحة الفكاهية الساخرة المتندرة، الشخصية التى ترصد «المفارقة» وتبرزها بخفة ودلع وجمال، تتأمل القبيح والمؤذى والضار فتحيله بسحر الفن وروعة الكتابة إلى جمال مؤسى وتفجير للمشاعر واستجابة جمالية ممتعة من قبل قارئها قبل كاتبها.

وأعادنى أستاذ إبراهيم عبدالمجيد بذكرياته إلى ذلك اللقاء الذى جمعنى به منذ أربع سنوات فى المكان ذاته بصحبة أخى وصديقى الناقد القدير محمود عبدالشكور، حيث كان يحدثنا ويهدينا حكايات وأياما من كنوزه السردية التى تبلورت وتشكلت وأخذت حضورها المتألق بين دفتى هذا الكتاب «أيامنا الحلوة فقط» وهكذا كنا شاهدين على ميلاد الكتاب وعلى تشكله وعلى صدوره وعلى حضوره.

ــ 4 ــ
فى ثنايا هذا الحديث الفائض بالذكريات الممتعة والتعليقات اللاذعة والإشارات التاريخية الواعية، كانت ثمة أفكار ذهبية غاية فى القيمة والأهمية وخاصة للكتاب وشباب المبدعين والمقبلين على القراءة والكتابة معا، تلك الإشارات النظرية حول عملية الإبداع عموما والكتابة الروائية والقصصية بشكل أخص. وليس ذلك غريبا على إبراهيم عبدالمجيد الذى سجّل كامل خبرته فى الكتابة والسرد فى كتابه المرجعى «ما وراء الكتابة تجربتى مع الإبداع» الذى صدر فى طبعات متعددة وقد كتبت عنه منذ سنوات لأنه يمثل تيارا فى الكتابة غير شائع فى الثقافة العربية كما يشيع فى الثقافة الغربية، وهو مراجعة الكاتب المبدع لتجربته كاملة على مستوى الأفكار والرؤى والأساليب الفنية والخيارات الجمالية واللغوية.. إنه حديث فى صميم الفن والإبداع والابتكار أهم من وجهة نظرى من كل النظريات الجافة المجردة الخالية من الروح والرواء.

ــ 5 ــ
ينتمى إبراهيم عبدالمجيد إلى تلك الفئة المبدعة القليلة التى تحيل كل ما تواجهه من مواقف وأفكار وخبرات وممارسات حياتية وثقافية ومجتمعية إلى حكاية تحكى، رواية تروى سردا ممتعا يروى شفاها على أسماع الحاضرين، ويقرأ كتابا بين دفتى كتاب ورواية ومجموعة قصص وقراءات ومراجعات ومقالات، نموذج عبقرى للإحالة والانخراط فى الدور الاجتماعى للمثقف الحقيقى غير المنعزل فى برجه، ولا المنكفئ على ذاته، ولا الناقم ولا دائم الشكوى والتشكى؛ إنه المثقف الذى يحيل تنامى المعرفة وممارسة الاطلاع والفهم والتأمل إلى «وعى» يتشكل، و«وعى» يسعى لإشاعته بكل الطرق المتاحة، وفى حدود المسموح به!

ويبقى الإبداع وحده، بجانب الغاية الأولى والمركزية من وجوده وهو الإمتاع المحض، أحد أبقى وسائل المقاومة الذاتية وتوليد الأمل والرهان على المستقبل والبحث عن الطريق إذا ما اسودت الدنيا وضاقت السبل وجأر الناس بالشكوى حيثما كانوا! (وللحديث بقية)