اللغة العربية.. ومشروع النهوض العلمىّ العربىّ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 10:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللغة العربية.. ومشروع النهوض العلمىّ العربىّ

نشر فى : الخميس 25 مايو 2023 - 9:10 م | آخر تحديث : الخميس 25 مايو 2023 - 9:10 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب حسين جواد قبيسى، شرح فيه إذا ما زالت اللغة العربية قادرة على صنع حضارة عربية جديدة، وهل انعدام شروط قيام النهضة حاليا فى البلدان العربية يدعو إلى اليأس وموت الأمل.. نعرض من المقال ما يلى.
احتفاء بـ «اليوم العالمى للّغة العربيّة»، نظم «معهد الضياء لتعليم العربية» فى باريس، ندوة حوارية. بحثت الندوة فى «قدرة اللّغة العربيّة على النهوض بمشروعٍ حضارى جديد عماده العلم» على نحو ما فعلت هذه اللّغة عندما أنتجت حضارة عربيّة إسلاميّة كانت أساس الحضارة الغربيّة الحديثة، وانخرطت فى صنعها، وباللغة العربية أيضا، شعوب غير عربية. فهل ما زالت هذه اللّغة قادرة على أن تكون «وسيلة وأداة لصنع حضارة عربية جديدة عمادها العِلم»؟
• • •
على هامش الندوة، رُفع السؤال إلى صاحب الاختصاص الأكاديمى فى هذا المشروع، رشدى راشد، فهذا السؤال هو مفتاح المشروع العلمى الضخم الذى أنجزه البروفيسور رشدى راشد أستاذ تاريخ وفلسفة العلوم العربيّة فى جامعات عربيّة وألمانيّة وأمريكيّة وبريطانيّة وفرنسيّة، والأستاذ الفخرى فى جامعة طوكيو فى اليابان.
يلتقى رشدى راشد مع مفكرين آخرين دعوا، وعلى امتداد قرنيْن من الزمن، إلى نهضة عربيّة. دعوة راشد تضع العرب أمام خياريْن لا ثالث لهما: إما أن يندثروا وإما أن يصنعوا حضارة جديدة عمادها العلم وباللغة العربية.
أجاب راشد: «طرحتُ هذا الخيار منذ أربعين عاما، أما اليوم فأرانا قد دخلنا فعلا مرحلة الاندثار: أُنظر الدمار الذى حل فى كل مكان، فى كل بلد عربى. ليست الدعوة إلى صنع حضارة جديدة بلغة علمية عربية، دعوة طوباوية، فعلى الرغم من أنه قد انتُزعت منا كل قدرة، فإن الأمل ما زال موجودا، وما زال عندنا مرتكزات حقيقية نعتمد عليها: أولا هناك طاقات وإمكانات عربية خارج البلدان العربية، وهم المهاجرون، بل قُل المهجّرون، الذين لم يجدوا فى بلدانهم مكانا يستوعب قدراتهم العلمية والتخصصية، وفى المجالات العلمية كافة، فبحثوا عن عمل فى بلدان أخرى؛ وهناك ثانيا طاقات فى الداخل، فالداخل لم ينتهِ، صحيح أنه مضروب ومعطوب، لكن ما زالت فيه قدرات الناس التى لم تقبل أن تنتهى. أعطيك مثلا: درّست العلوم فى جامعة القاهرة، وعرفت عن كثب متعلمين أكفاء فى ميدان الرياضيات مصممين على عدم توظيف قدراتهم فى الخارج، على الرّغم من الفَرق الهائل فى رواتب العمل. ولكن يمكن لى القول، على الرّغم من وجود هذه المقومات، فإنّ السنوات الطويلة من حظر التفكير والتعبير فى الدول العربية، تجعل النهضة العلميّة فى بلداننا العربية مستحيلة فى ظل الظروف السياسية الحالية، وغير ممكنة إلا بثورة اجتماعية شاملة تقاوم الاستعمار الحالى المتمكن من كل شىء فى بلادنا. ليس هناك أمل إلا بثورة من الداخل، وأتكلم هنا بصورة خاصة عن مصر، بعدما جرى تدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا ويجرى تدمير دول أخرى، وذلك لأن المواطن لا يُمكن أن يتكوّن علميا إلا إذا كان حرا. إذ ما معنى الديمقراطية وحرية التفكير والتعبير؟ معناها أنها توفر للفرد إمكان أن يتكون علميا، بإطلاعه على كل شىء، فيخالط كل الناس، يستمع إلى كل الآراء، يقرأ كل الكتب، يتكلم فى كل شىء، يحصل عنده نوع من حوار أو نقاش داخلى.. فإذا نزعت من الإنسان هذا الحوار الداخلى، أو منعته عنه، فماذا ستتوقع منه؟ إذا قضيت على كل إمكانية لنشوء عقلية علمية عند الناس، وقضيت على إنسانية الإنسان فيهم، فماذا يبقى لديك؟ حيوانات فقط. وما هى الحضارة؟ الحضارة ليست مجموعة من العلماء فى الرياضيات والفيزياء وميادين العلوم الأخرى، بل هى جو عام، مناخ عام من السماح الفكرى. هى التسامح، وأوله السماح الفكرى.
• • •
سُئل راشد: فى فترة تاريخية محددة، وحد العرب الفكر الذى أنتجته النُّخب العلمية لدى شعوب حوض المتوسط وصهروه فى بوتقةٍ واحدة، فى مزيجٍ معرفى كان فى أساس الحضارة العربيّة الإسلاميّة التى هى فى أساس الحضارة الغربيّة الرّاهنة، فهل يُمكن للعرب أن يُعيدوا إنتاج هذه البوتقة مجددا؟ أم أن الأمر دوّار: يكون مرة للعرب ومرة لغيرهم وهكذا، كما يقول مؤرِّخو الحضارات، بمن فيهم ابن خلدون؟.
فقال: «للنهضة العلميّة المنشودة شروط لا بدّ من توافرها كشرط التسامُح فى التفكير والتعبير، والشرط السياسى أن تتبنّى الحكومات برامج تعليميّة فتُنشئ جامعات تخصّصيّة ومراكز البحث العلمى الذى لا يقتصر على التطبيق فقط، كما هو واقع الحال فى بعض الدول العربيّة، بل يتعدّاه إلى الابتكار. وثمّة شرط الترجمة، فالعلوم وبخاصّة التخصصات العلمية تحتاج إلى ترجمة ولكن أى ترجمة؟ هناك نوعان من الترجمة: ترجمة العبيد وترجمة الأحرار، فالترجمة يجب ألا تكون ترجمة عبيد بل ترجمة أسياد، أى أن تكون تلبية لحاجة الباحث العلمية واستجابة لأسئلته البحثية التى لا يجد لها جوابا فى لغته، فيعمد إلى البحث عنها فى لغات أخرى، تماما كما فعل المترجمون العرب أمثال الكندى الذى ترجم عن اليونانيّة كلّ ما كان يحتاجه فى علم انعكاس الضوء وعلم المناظر (Optique)، وغيره من مئات العلماء، وتلك هى ترجمة الأسياد التى يحتاجها البحث العلمى، أمّا الترجمة من أجل الترجمة فهى أشبه بعمل العبيد. وهناك أيضا الشرط المالى، إذ لا يمكن أن تقوم مؤسسات علمية وأن يكون هناك بحث علمى من دون المال، والمال يأتى إما من الدولة (وهو مال الأمة على أية حال) وإما من متمولين أثرياء. لكن هؤلاء لهم أهداف معيّنة، ومن هذه الأهداف الفخر الشخصى، فصاحب الثروة لا يدعم البحث العلمى إلّا مشترطا أن تكون ثمرته العلميّة مقرونةً باسمه، وإلّا فلن يدعم الباحثين وأبحاثهم. من دون دعمٍ مالى (أيا كان اسم هذا الدعم: مؤسسة رأسمالية أو دولة أو صاحب ثروة...) يستحيل أن تقوم نهضة علميّة، فعلى سبيل المثال ظهرت العلوم والأبحاث العلميّة فى الدولة العباسيّة لأنّها اهتمّت بالعُلماء وأنشأت لهم مؤسّسات، فى حين أنّ الدولة العثمانيّة لم تخلق علما واقتصر نتاجها الحضارى على بعض الهندسة المعمارية، والدراسات القانونية، ولا شىء غير ذلك».
• • •
سألناه أيضا: هزال الشروط التى تقتضيها نهضة علمية عربية، بل انعدامها فى الدول العربيّة، ألا يدعو إلى اليأس وانعدام الأمل فى أن تجد هذه الدعوة طريقها إلى التنفيذ؟
قال: «إذا شئنا أن نستطلع آفاق الأمل، نجد أن ليس هناك أمل إلّا بثورة من الداخل، هناك أمرٌ آخر يخصّ الأمل أيضا، وهو عدد الأشخاص المتعلمين والخريجين والمختصين فى مختلف الفروع العلمية. ففى جميع الدول العربيّة أجيال من المتعلمين لكن لا يُستفاد منها بل تُقبَر فى الداخل، أو تُهجَّر إلى الخارج: انظر فى فرنسا مثلا إلى عدد الأطبّاء والمهندسين من شمال أفريقيا، ناهيك بالأطبّاء السوريّين واللّبنانيّين والعراقيّين، وغيرهم وغيرهم. خُذ المغرب العربى مثلا: هناك جيل كامل استعاد العربيّة على نحو تام ويتكلمها بإتقان وهذا لا يقوى عليه إلّا شعبٌ قوىٌّ مُقتدِر، وسيأتى يومٌ، لا مندوحة منه، يكون فيه للعقول العربيّة فعلٌ وتأثير، وسيحصل هذا فى بلادنا حتما. لكنّ المصيبة الكبرى ليست فى أنّه يحصل أو لا يحصل، بل هى فى الفَرق الزمنى: فنحن نقيس أنفسنا وأوضاعنا بمَن؟ إذا كنّا نقيسها بإسرائيل فإنّ الثروة العلميّة فيها نحتاج إلى خمسين سنة لبلوغها، هذا إذا بدأنا الآن، وعملنا بجدّ واجتهاد، فنحن لا نحتاج إلى الناس فقط بل نحتاج إلى الزمن أيضا. لم يعُد همّنا اليوم تعريب العلوم وتدريسها وما إلى ذلك من خطوات على طريق النهضة العلميّة (كما حصل فى فترات قريبة نسبيّا)، بل بات همّ الناس عندنا محصورا فى خبزهم وتحصيل لقمة عيشهم. ليست هناك نوايا حقيقيّة لإنجاح المشروع العلمى فى بلادنا.
• • •
يختم راشد حديثه بقوله: «نحن ندرك هول المصيبة وندرك أننا لا نستطيع أن نتداركها وحدنا، ولكن على الأقل يستطيع كل منا أن يعمل فى مجاله وبحسب همته وقدرته على العمل، وما يجعله يفعل ذلك هو تفكيره فى خدمة مستقبل هذه الأمة التى هى أمته لا أكثر ولا أقل، ولسان حاله يقول: أنا أعمل فى مجالى وأحاول أن أصل إلى أعلى مستوى ممكن، وهذا يُمكن أن يخدمها فى المستقبل وإن لم يخدمها هى بالذات فإنه سوف يخدم أُمما أخرى على أيّة حال».
النص الأصلى:
http://bitly.ws/FmhG
الاقتباس:
إذا شئنا أن نستطلع آفاق الأمل، نجد أن ليس هناك أمل إلّا بثورة من الداخل، هناك أمرٌ آخر يخصّ الأمل أيضا، وهو عدد الأشخاص المتعلمين والخريجين والمختصين فى مختلف الفروع العلمية. ففى جميع الدول العربيّة أجيال من المتعلمين لكن لا يُستفاد منها بل تُقبَر فى الداخل.

التعليقات