حين يتخذ المواطنون زمام المبادرة - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حين يتخذ المواطنون زمام المبادرة

نشر فى : الثلاثاء 25 أغسطس 2015 - 6:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 25 أغسطس 2015 - 6:50 ص

لا ينفك عدد من التونسيين عن ابتكار الأفكار، وتقديم البدائل، وعرض الحلول فى محاولة منهم لتجاوز حالة السلبية والإحباط وكأن لسان حالهم: لن نهادن ولن نستسلم. فكلما ضيق الخناق وتعقدت الحياة اليومية، وسالت دماء الأبرياء سعت فئات إلى بعث رسائل الأمل مثل: حملة «ناقفو لتونس» وحملة دعم السياحة التونسية، وحملة «رشح كفاءات نسائية فى الحكومة الجديدة»، ومؤتمر للمثقفين ضد الإرهاب، ومبادرة لترميم المدارس، وحملة «رجع فلوس الشعب» للضغط على المترشحين فى الانتخابات الفارطة حتى يعيدوا الأموال التى أخذوها من الدولة لتمويل حملاتهم الانتخابية، وحملة «قصلو من الشهرية يرجع للثنية» لإجبار الحكومة على اقتطاع كل أيام الإضراب للموظفين، وآخر هذه المبادرات «سيب التروتوار» (اترك الرصيف أنا أحق به منك)، وهى حملة أطلقها مواطن للتنديد بظاهرة الاحتلال العشوائى للأرصفة فى مدينة صفاقس العاصمة الاقتصادية والهدف منها تحرير الأرصفة من قبضة أصحاب المقاهى، والمطاعم، والبائعين الذين يحتكرون هذه الفضاءات العمومية فيحولونها عنوة إلى فضاءات تجارية تدار لحسابهم الخاص.

ولئن كانت هذه الحملة مندرجة فى إطار تجميل الشوارع ومقاومة مظاهر خرق القانون والاعتداء على حق المواطنين فى بيئة سليمة وشوارع نظيفة ومدن جميلة؛ فإن ما يسترعى الانتباه فى مثل هذه المبادرات درجة الوعى الذى بلغه عدد من المواطنين فإذا بهم ينتفضون ضد سطو التجار على الفضاء العمومى. وليست هذه الممارسات، فى نظر أصحاب الحملة إلا علامة دالة على عقلية «البلطجة» التى تفشت فى البلاد والتى جعلت عددا من الناس يخرقون القوانين دون أدنى خوف من عواقب هذه التصرفات.

***
تكمن طرافة هذه المبادرة فى التطور الحاصل على مستوى علاقة المواطن/ة بالدولة إذ أنه لم يعد ينظر إليها على أساس أنها المسئولة الوحيدة عن الإصلاح والتغيير وحماية الحقوق، والسهر على حسن تنفيذ القوانين... بل إن المواطن/ة بات يؤمن أنه مسئول هو أيضا عن بلاده فيما يتعلق بأمنها وسلامة بيئتها ونظافة شوارعها ومدنية أهلها وتحضرهم، وعلى هذا الأساس كان تخليص الفضاءات العمومية من هيمنة بعض «المتطاولين على القوانين» من أوكد واجبات المواطن/ة خاصة بعد أن استوعب ما ترتكز عليه ثقافة المواطنة من قيم وأثبت مدى إصراره على القطع مع السلبية والحرص على الانطلاق فى سلسلة من الأنشطة الدالة على الفاعلية.

لا غرابة إذن أن يؤمن عدد من المواطنين من مختلف الأعمار والمستويات الثقافية والاجتماعية والانتماءات الجهوية والأيديولوجية بضرورة النهوض بأدوار متعددة تهدف إلى إخراج الناس من حالة اليأس والتسليم بالموجود إلى حالة الفعل فى الواقع وتغييره، وهو شكل من أشكال التعبير عن دخلة قيم المواطنة من جهة، والتعبير عن حب الوطن من جهة أخرى. ولئن تم الاعتداء بالضرب على صاحب هذه الحملة فى محاولة لثنيه عن عزمه والحد من فاعليته التى تتعارض مع أصحاب المصالح فإن نجاح مثل هذه المبادرات الفردية يكمن فى «العدوى» التى تسربت على إثرها فى صفحات التواصل الاجتماعى فما عاد بالإمكان منعها.

إن أهمية هذه المبادرة تتمثل فى تقديرنا، فى اندراجها ضمن نسق رمزى يخول لنا فهم بنية العلاقات القائمة على الهيمنة والانتباه إلى هذا الجدل بين الفضاء الخاص والفضاء العام فضلا عن علاقة جديدة تتأسس بين المواطن والفضاء العمومى. لقد تحول الفضاء العمومى مباشرة بعد الثورة إلى فضاء محرر يمكن للجميع أن يستمتعوا به دون ادعاء أية فئة حق احتكاره، ولكن سرعان ما تنازع التونسيون من أجل امتلاكه وفرض السلوك الواجب التحلى به فى هذا الفضاء والهيئة المقبولة والزمن الذى يتعين الخروج فيه، إلى غير ذلك من المحاولات التى سعت جماعات متشددة إلى القيام بها متخذة من الرايات السود والسيوف والتكبير وسائل تدعم سلطتها. فبيد أن إصرار من آمنوا بأن الفضاء العمومى هو ملك للجميع دفعهم إلى تكرار التظاهرات المعبرة عن ثقافة الحياة. ويبدو أن التفاوض حول الفضاء العمومى سيستمر فى تونس إلى أن يدرك المواطنون أن مبدأ العيش معا قوام العمران.

 

التعليقات