ونعم بالله - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ونعم بالله

نشر فى : الأحد 25 أكتوبر 2009 - 4:34 م | آخر تحديث : الأحد 25 أكتوبر 2009 - 4:35 م

 الحقيقة أننى لم أكن أتصور أن تصمد كلمات الفلاح الفصيح فى العصر الفرعونى كل هذه السنوات لدرجة تستطيع معها أن تتحدى فصحاء زماننا هذا لتعبر بجلاء عما نعيشه وكأنه يطل علينا الآن من مقهى فى وسط البلد. جدنا الفصيح قال لحاكم زمانه هو: «أليس من العار أن الميزان مائل، ومقيم العدل منحرف، والمحققون يقتسمون المسروقات، ومن يقوم بالقسمة سارق، ومن عليه مكافحة الفقر يزيده». ولأننى لا أجيد اللغة الفرعونية بطلاقة فقد استعنت بهذه الكلمات مما جاء فى دراسة حول «قيم النزاهة والشفافية والفساد» أعدتها وزارة الدولة للتنمية الإدارية مؤخرا والتى ستجلب عليها الكثير من الويلات من فرط فصاحة الفلاح وأحفاده من أساتذة علم الاجتماع، ومن طول لسان المصريين.

المصريون يفضفضون فى هذه الدراسة ويؤكد ٪75 منهم على سيادة الظلم وعلى شعورهم بعدم العدالة، وأن الدولة تنحاز فى غير صالحهم وتوزع القيم توزيعا غيرعادل بين الناس، وأن التحيز يأتى أولا لصالح رجال الأعمال ثم المسئولين وبعدهم رجال الشرطة. و٪92 منهم قالوا إن ثمة تمييزا بين الأغنياء والفقراء.

والحقيقة أن ما ذكرنى بنتائج هذه الدراسة والعودة إليها هو ما جاء من جدل خلال اليومين الماضيين فى مؤتمر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية حول ما إذا كان ضروريا أو شرطا أن يكون العدل مصاحبا لعملية النمو، أم يمكن تأجيله إلى حين. حيث سيأتى حتما مع استمرار النمو.

الدكتور محمد تيمور رئيس المركز السابق طرح القضية وأعطى مثلا بالصين التى حققت نموا هائلا نقلها إلى الصفوف الأولى فى العالم فى ظل عدالة منقوصة أو غائبة، وأن غياب العدل لم يعطل النمو، إلا أن الدكتور سلطان أبو على أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق عارضه بشدة مؤكدا أنه لولا أن الصين اهتمت بالعدل لما كان عدد فقرائها قد انخفض من ٪63 إلى ٪17 وعلى الرغم من أنه بدا لى فى أوقات سابقة أن هذه القضية قد حسمت لصالح أفكار تنتصر لحق الناس فى العدل الذى فى غيابه يصبح النمو مجرد مكافأة للأقلية مع أن الأكثرية لها حق فيه أيضا، ليس بحق الجيرة ولكن بقدر نصيبها فى صنعه. إلا أنه يبدو أن البعض يغمض عينه عندما يكون حديث العدل متعلقا بتوزيع الغنائم، أما فى مرحلة توزيع أنصبة المغارم فيصبح العدل هو الحل.

ولأننا نعيش الآن هذه المرحلة التى على الجميع فيها أن يأخذ نصيبه من الأزمة العالمية فيحق لنا أن نسأل عن العدل فى توزيع أنصبتها علينا، ونطالب هؤلاء الذين ينادون بتأجيل العدل لحين يتحقق النمو، على الآخرين أن يطبقوا قاعدتهم هذه المرة بتأجيل نصيب الفقراء من توابع الأزمة. أليس هذا هو العدل؟

ولكن الحقيقة أنه حتى لو طالب أصحاب أفكار «العدل المؤجل ليوم القيامة» فلن يفيد كثيرا بعد أن وقعت الواقعة، ووقع أثر الأزمة بالفعل على الفقراء منا. وما ذكرته الدكتورة هناء خير الدين المدير التنفيذى للمركز من أثر الأزمة على الفقراء هو أحد الدلائل على ما سيدفعه الفقراء وهو تراجع نسبة الدعم فى المصروفات العامة من ٪12 إلى ٪18.4 فقط فى موازنة العام الحالى. إلى جانب أن المبلغ المخصص للدعم تراجع بنسبة ٪37 فى نفس العام.

وليت الأمر توقف عند الدعم فقط ولكن تضيف لنا الدكتورة نجلاء الأهوانى نائب المدير التنفيذى للمركز أثرا آخر وهو أن بطالة الفقراء وصلت إلى ٪12 فى حين أن هذه النسبة كانت عند غير الفقراء فى الحضر لا تزيد على ٪7 وذلك بفعل أن غير الفقراء لديهم القدرة على إزاحة الفقراء من سوق العمل. بالإضافة إلى أنه بسبب أن العدل يصل للفقراء سريعا عند جنى الأزمات ولا يخطئهم أبدا حيث تم تسريح العمالة بنسب وصلت إلى ٪20 فى بعض المنشآت وبالطبع هذه العمالة معظمها من العمالة المؤقتة والموسمية وهم الأقل دخلا. وكان الأثر الأكبر من تراجع النمو الاقتصادى واقعا بنسبة أكبر على الإناث والفقراء والمشتغلين بصورة غير رسمية كما أوضحت الدكتورة نجلاء. إلى جانب ما أفرزته الأزمة من تراجع فى فرص العمل الجديدة التى تم توفيرها خلال العام الأول للأزمة والتى لم تتجاوز 600 ألف فرصة بما يعنى أنها انخفضت بنسبة 13% عن العام السابق.

والحقيقة أنه حتى لما أرادت الحكومة أن تصالح الناس وتحاول إقناعهم بأنه تصلح الأحوال فى ظل الأزمة بإعلانها عن ضخ حوالى 15 مليار جنيه لتنشيط الأسواق وخلق فرص عمل «استخسرت» فى الناس الفلوس وراحت تقتطع منها مرة لصالح وزارة الداخلية فأعطت لها 200 مليون جنيه، ولوزراة الأوقاف 50 مليونا أخرى ولصندوق أبنية المحاكم 50 مليونا أخرى دون أن نعرف كيف تخلق وزارة الداخلية فرصا للتشغيل أو كيف يكون صندوق المحاكم منشطا للسوق.

ولم تنس الحكومة من باب العدل أيضا أن تعطى رجال الأعمال من هذه الحزمة 2.1 مليار جنيه وتستغنى عن 2 مليار أخرى هى قيمة الخفض فى التعريفة الجمركية والإعفاء من ضرائب المبيعات على السلع الرأسمالية.

والحقيقة أن موضوع العدل ربما يظل معلقا فى رقبة الحكومة لفترة قد تطول خصوصا بعد أن عرفت من دراسة الشفافية إياها أن نصف المصريين الذين يشعرون بعدم العدل لا يفعلون (طبقا للاستطلاع) شيئا سوى أن «يفوضوا أمرهم لله» ولن يكون أمام الحكومة إلا أن ترد عليهم «ونعم بالله»

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات