سيد الموقف - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيد الموقف

نشر فى : السبت 25 نوفمبر 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 25 نوفمبر 2017 - 9:10 م

صور المرشحين في انتخابات الأندية الرياضية المقرر إجراؤها نهاية نوفمبر الجاري تطاردنا في كل أحياء القاهرة، أعلى الكباري وأسفلها، على البنايات وأعمدة الإنارة... وتزداد كثافة بالطبع كلما اقتربت من أحد مقراتها فتزين الأرصفة خارجها، ولا تكتفي بالإعلان عن أسماء القوائم خلف أسوار النادي، و كأن هناك رغبة في التأكيد على أن اختيار رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات لم يعد مجرد شأن داخلي للنوادي، بل تشبه الحملات الدعائية الانتخابات السياسية إلى حد كبير. النادي يتحول لوطن صغير لأعضائه، والمرشحون ينفقون ببذخ لجذب الانتباه والدفع بأنهم الأصلح، ويحاولون إثبات ذلك بادئ ذي بدء من خلال الملصقات الضخمة التي تصور معظمهم عاقدا ليديه مثل مقدمي التوك شو في إعلانات برامجهم.
***
وضعية عقد اليدين صارت موضة في السنوات الأخيرة، وغالبا تستخدم من قبل المعلنين للرمز بالقوة والتحدي والصلابة وفرض السلطة والإصرار على أنه لا وقت ضائع بعد اليوم وأن مع هذا المرشح الذي يعرف جيدا ما يفعله يمكننا المضي قدما، لكن في الواقع هي ترمز أيضا في لغة الجسد إلى الانغلاق وإلى عدم الرغبة في سماع الآخر وإلى جمود الرأي. وبالتالي لا أعلم مدى إصرار شركات الدعاية على استنساخها في كل الصور أو الكثير منها، وهل نحن محتاجون في هذه المرحلة لمن يعرف أكثر ولا يستمع؟ هكذا تقول صورهم.
***
تقول الصور أيضا إنه لا فارق ملحوظ بين برامج هذا وذاك، فهي لا تعكس شخصيات وخلفيات مختلفة، بل تظهر غالبية المرشحين ببدلة رسمية وكرافات (الأولى زرقاء والثانية حمراء في كثير من الأحيان)، وتأتي صورة سيدة في كامل أناقتها وسط صور أعضاء القائمة الانتخابية، وكأنها "قرنفلة في عروة الجاكيت". الهيئة العامة لهؤلاء توحي بل وتؤكد على انتمائهم لطبقة اجتماعية واقتصادية معينة، أو بتعبير آخر على أنهم مرتاحون ماديا ولديهم ما يبذلوه ويقدموه. والأفيشات تشي بأن "الدكانة واحدة"، وأنه لا سبيل للاختلاف، حتى لو تعلق الأمر بحملة دعائية، فأقصى ما يمكن تغييره هو إظهار المرشح ماشيا أو واقفا بالطول و كأنه سيد الموقف أو رجل المرحلة، وكأن الخيال والإبداع لا مجال لهما. الجميع يمشي على الدرب نفسه، وشكل الصراعات هنا يعكس شكل وواقع الصراعات على مستويات مختلفة، والانتصارات الرياضية لها شعبيتها التي طالما ما استثمرتها الأنظمة السياسية داخليا وخارجيا، على مدار التاريخ و الأزمنة.
***
شاهدنا كيف تم توظيفها خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية بين 1960 و 1990، حين كان عدد الميداليات الأوليمبية يضاف لرصيد انتصارات البلدين كل منهما على الآخر. وتابعنا كيف تستخدم لإثبات الذات أو التأكيد على وجود بلد على الساحة الدولية مثلما فعلت قطر وغيرها من دول الخليج. ورأينا من قبل كيف استخدمها هتلر وموسوليني كأداة بروباجندا، ليبعثا برسائل إلى العالم تتضمن مدى تفوقهما وتمجد انتصاراتهما، فبزغ مثلا نجم لاعبي كرة القدم الإيطالية في ثلاثينات القرن الماضي وذاع صيتهم عالميا. أما على الصعيد الأفريقي فكانت الرياضة دوما الملاذ الآمن والبديل عن السياسة، وهو بديل يسمح بلم الشمل بخلاف هذه الأخيرة، فهو يسمح بصهر الهويات المتناحرة أحيانا ودمجها في بوتقة الألعاب. وهو ما استوعبه جيدا جمال عبد الناصر عندما كان أحد الداعين لتأسيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم في نهاية خمسينات القرن الماضي ليؤكد على الهوية الأفريقية من خلال تنافس الفرق الرياضية، فما كان من فرنسا في المقابل إلا أن نظمت دورة الألعاب الفرانكفونية.
***
وحاليا أكثر من أي وقت مضى أصبحت الرياضة في صدارة مجالات البيزنس المتعولم، تجذب أصحاب الأموال الذين يسعون لغسلها من خلال الأنشطة الرياضية أو للاستثمار فيها والحصول على المزيد من البريق الاجتماعي والسلطة، لذا تطالعنا صور المصرفيين ورجال الأعمال ونواب مجلس شعب جنبا إلى جنب مع الأبطال الرياضيين السابقين، كلهم قرروا خوض الانتخابات والمنافسة، واختاروا قوائم وشعارات لها صبغة سياسية أحيانا، فكتب مثلا تحت صورهم "مجموعة التغيير" أو قائمة "الإصلاح" أو "الاستقرار"، وكأن عقد اليدين أو تربيعها هو الملمح الأهم للمرحلة.

التعليقات