اندلعت الحرب المدمرة فى السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع بعد انهيار تحالفهما فى انقلاب 2021، متسببة فى كارثة إنسانية فاقت كل التوقعات. فى ضوء الجملة السابقة، ناقش عدد من الكُتاب الصراع الجارى كحرب شاملة ذات أبعاد عرقية متنامية، مع التأكيد على أن الجرائم الموثقة بالتكنولوجيا الحديثة تستوفى معايير الإبادة الجماعية، مسلطين الضوء على تردد المجتمع الدولى فى تسمية الأحداث باسمها الحقيقى، مع التحذير من تداعيات استمرار هذا النزيف السودانى دون تحرك حازم من المجتمع الدولى لوقف الحرب.. نعرض ما جاء فى المجلات والمواقع العالمية فيما يلى:
فى عام 2021، تحالف الجيش السودانى مع جماعة شبه عسكرية تُدعى قوات الدعم السريع للانقلاب على الحكم، لكن سرعان ما انهار هذا التحالف بين القوات المسلحة السودانية، بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتى، وبحلول إبريل 2023، أعلن الطرفان الحرب.
يقول كاتب المقال، إسحاق شوتينر، إن هذا الصراع تحول إلى كارثة إنسانية، أسفرت عن مئات الآلاف من القتلى وربما يصل العدد إلى أربعمائة ألف حتى وقت كتابة المقال، إضافة إلى نزوح أكثر من عشرة ملايين شخص داخليًا وخارجيًا.
فى هذا الصدد، تؤكد الكاتبة جانين دى جيوفانى فى مقالها المنشور بعنوان «توثيق جرائم الحرب يبدأ الآن» فى مجلة «فورين بوليسى»، على كلام شوتينر بالإشارة إلى توثيق الأقمار الصناعية لجرائم الحرب المرتكبة فى الفاشر، إذ تفيد الكاتبة بأن سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع جاء بعد حصار قاسٍ دام 18 شهرًا، بلغ فيه نقص الغذاء والكهرباء والمياه مستويات حرجة. وبعد السيطرة على المدينة، ظهرت تقارير عن إعدامات جماعية واغتصاب وتعمد عرقلة إيصال المساعدات، إضافة إلى رصد مقابر جماعية.
يستشهد شوتينر ودى جيوفانى، كل فى مقاله، بتقارير مركز ييل للأبحاث الإنسانية (Yale Humanitarian Research Lab)، التى تفيد بأن عدد القتلى فى الفاشر فى أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر فقط ربما تجاوز عدد الوفيات فى حرب غزة بأكملها؛ كما توثق الصور عمليات التخلص الممنهجة من الجثث.
• • •
أجرى شوتينر حديثًا عبر الهاتف مع خلود خير، المديرة المؤسسة لـ«كونفلونس أدفايزورى» (Confluence Advisory)، للحديث عن الصراع فى السودان وقضايا الحكم والأمن فيها، إليكم مختصر الحوار:
إسحاق شوتينر: ما مدى اعتبارك لما يحدث الآن فى السودان حربًا أهلية؟
خلود خير: " أعتقد أنه كان فى البداية صراعًا داخليًا لا يريد المجتمع الدولى والأطراف العربية تطوره إلى حرب ستكون نتائجها مزعزعة للاستقرار فى المنطقة بشكل كبير".
تضيف خير: " لا يزال إلى حد كبير صراعًا محليًا من حيث أن إنهاءه يعتمد على حل سودانى".
كانت تدور هذه الحرب فى البداية حول صراع على السلطة والموارد بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وبشكل خاص، العداء الشخصى الذى تراكم بين البرهان وحميدتى.
تفيد خير بأن الطرفين المتحاربين قاموا بتأجيج الصراع عرقيًا، بتبنى كل طرف أيديولوجية مغايرة للآخر. بالتالى أصبحت الحرب بين عرب المناطق النهرية فى الوسط والشمال، ضد العرب الرعاة الساحليين فى الغرب.
• • •
يتساءل شوتينر عن مدى نجاح محاولات الأطراف المتحاربة لجعل هذا الصراع عرقيًا أو أيديولوجيًا.
تعتقد خلود خير بأن هناك اختلاطا فى الأمر. بمعنى أوضح، عندما بدأت الحرب، كان الجيش السودانى محصورا فى الثكنات غير قادر على الحركة والتنقل مثل قوات الدعم السريع. فالجيش السودانى لم يكن قد خاض حربا حقيقية منذ فترة طويلة، إذ كان معتمدًا -دائما- على الميليشيات للقيام بهذا الدور الدفاعى.
لكن الجيش السودانى أنشأ تعبئة شعبية، بفضل ارتكاب ميليشيا الدعم السريع جرائم وحشية ضد الناس فى السودان، منها اغتصاب النساء والفتيات. بالتالى نما لدى العديد من المواطنين العاديين حتى فى المناطق الحضرية، شعور بالثأر من قوات الدعم السريع. ترتب على هذا انضمام الكثير من الناس إلى الجيش السودانى كوسيلة للدفاع عن أنفسهم. وهكذا، فإن ما فعله الجيش السودانى بذكاء كبير، وإن كان بانتهازية، هو أنه سمح فى الأساس للأشخاص العاديين الذين يملكون تدريباً بسيطًا بخوض الحرب نيابة عنه. وبسبب قيام الجيش السودانى بذلك، أصبح للناس الآن مصلحة فى الصراع.
تتابع خلود خير القول موضحة إن السودان بلد عنصرى، ودليلها على ذلك هو أن السبب وراء وجود العديد من الحروب فى السودان، التى تقوم جميعها على أساس عرقي، هو أن الدولة السودانية لم تخلق قط هوية وطنية سودانية مشتركة.
فى الوقت الراهن، يُرغم المدنيون على الانحياز لطرف ليس إلا من أجل النجاة. هذا الواقع سيجعل مهمة بناء التعايش داخل المجتمعات بالغة الصعوبة، حتى فى حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار- لا توجد مؤشرات حتى هذه اللحظة تنبئ بقرب التوصل لوقف إطلاق النار، إذا يفيد مقال منشور على موقع «فرانس 24» برفض القائد العام للجيش السودانى، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يوم الأحد الماضى، أحدث مقترح للهدنة أرسله المبعوث الأمريكى مسعد بولس نيابة عن مجموعة الوسطاء، واصفا إياه بأنه «الأسوأ على الإطلاق» وغير مقبول لحكومته. ويبرر البرهان رفضه بأن هذا المقترح يهدف إلى حل القوات المسلحة والجهات الأمنية بينما تبقى الميليشيات كما هى. فى المقابل، أعلن حميدتي، قائد ميليشيا الدعم السريع، الإثنين الماضى، الموافقة على هدنة إنسانية فى السودان تشمل وقف الأعمال العدائية لمدة 3 أشهر.
• • •
عاود كاتب المقال، شوتينر، طرح الأسئلة قائلا: «لقد ظهرت كلمة «الإبادة الجماعية»، خاصة لوصف تصرفات قوات الدعم السريع تجاه المدنيين فى هذه الحرب. فما هو رأيك حول هذا المصطلح فيما يتعلق بالسودان. هل تعتقدين أنه دقيق؟ هل تعتقدين أنه مفيد؟ هل تستخدمينه؟
تقول خلود خير: «ما ارتكبته قوات الدعم السريع يستوفى جميع المعايير القانونية والسياسية المحددة لجريمة الإبادة الجماعية. إنَّ أى تساؤل حول هذا التصنيف ينبع من عدم التوافق العالمى الحالى على تعريف الإبادة الجماعية، الأمر الذى أفرغ هذا المصطلح من محتواه الدقيق فى الساحة الدولية».
«بالنظر إلى السوابق التاريخية لهذا النزاع، نجد أن الجناة هم ذاتهم: الجماعات الرعوية العربية التى عُرفت أولاً باسم الجنجويد وتطورت لتصبح قوات الدعم السريع. وكذلك مجموعات الضحايا بقيت هى نفسها، وهم بشكل رئيسى المزارعون الأفارقة المستقرون. نشهد فصلاً ممنهجاً للرجال والفتيان عن النساء، على غرار ما حدث فى مذبحة سريبرينيتشا (مدينة فى البوسنة والهرسك)، ووتيرة قتل سريعة ومروعة تذكرنا بـرواندا. يضاف إلى ذلك، القصد الجنائى الواضح خلف الشتائم والخطاب التحريضى الذى تستخدمه قوات الدعم السريع فى مقاطع الفيديو الخاصة بها».
تختتم خلود خير حديثها قائلة: «لذا، أؤكد بشكل قاطع أن ما يحدث يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. فى رأيى، يرجع تردد المجتمع الدولى والولايات المتحدة فى استخدام هذا الوصف إلى الخشية من اتهامهم بـالنفاق السياسى بالنظر إلى الأحداث الجارية فى غزة. ومع ذلك، فالأهم هو أن الناجين من الجولة الأولى من الإبادة الجماعية فى دارفور قبل أكثر من عقدين يصفون لى الوضع الراهن، بناءً على تجاربهم المباشرة، بأنه أسوأ بكثير».
خلاصة القول، تتجلى حرب السودان كصراع تتجاوز جذوره الخلافات العسكرية، إذ تعود الأسباب إلى إخفاق الدولة فى بناء هوية وطنية جامعة، مما سمح بتحويل صراع على السلطة إلى مأساة ذات أبعاد عرقية خطيرة. وتُؤكد الأدلة الواردة من الفاشر، والمقارنات الصادمة مع رواندا وسريبرينيتشا، على أن ما ترتكبه قوات الدعم السريع يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، وهى حقيقة يؤكدها الناجون الذين عاصروا الجولة الأولى من العنف فى دارفور. إن تردد المجتمع الدولى فى استخدام هذا المصطلح القاطع، مدفوعاً بـحسابات سياسية متضاربة وخشية من النفاق، لا يخدم سوى استمرار الجرائم. ومع رفض القائد العام للجيش لمقترحات الهدنة وإصرار الطرفين على الحل العسكرى، يظل المدنيون فى السودان محاصرين بين مطرقة العنف وسندان التقاعس الدولى، مما يجعل مهمة بناء أى تعايش مستقبلى أمراً شبه مستحيل، ويُنذر باستمرار الكارثة لسنوات قادمة ما لم يتم اتخاذ موقف حازم وعاجل لإيقاف آلة الحرب.
إعداد: وفاء هانى عمر
النصوص الأصلية:
مجلة «The New Yorker»
https://tinyurl.com/37tn3mcb
مجلة «فورين بوليسى»
https://tinyurl.com/3wedtc4y
موقع «فرانس 24»
https://tinyurl.com/ewc7jyp6