التكيف مع عالم متعدد الأقطاب - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الأحد 8 ديسمبر 2024 5:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التكيف مع عالم متعدد الأقطاب

نشر فى : الجمعة 26 يناير 2024 - 10:35 م | آخر تحديث : الجمعة 26 يناير 2024 - 10:35 م
نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب مارك بييرينى، يشير فيه إلى أهمية الحوار المشترك بين دول الشرق الأوسط وأوروبا لصياغة رؤية مشتركة للمنطقة فى مجالات الأمن والسلام والطاقة والتكنولوجيا للتكيف مع نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب... نعرض من المقال ما يلى:
بدأ العام 2024 على وقع توالى فصول الحرب فى أوكرانيا، واستمرار الصراع الدائر من دون هوادة فى قطاع غزة، وتفاقم أزمة الملاحة فى البحر الأحمر، فيما روج المحللون لسرديات جديدة عن نشوء عالم متعدد الأقطاب، ونظام عالمى بديل، فى الانحدار المتواصل لأوروبا. تتأثر دول الشرق الأوسط وأوروبا بشكل مباشر بمثل هذه التطورات، وستتأثر بها أيضا علاقتهما المتبادلة إن لم يبدأ الجانبان بالتفكير فى طريقة استراتيجية، من خلال صياغة رؤية مشتركة للمنطقة تطال مجالات الأمن والسلام والطاقة والتكنولوجيا والاستثمار.
من منظور أوروبا، يرتدى مفهوم التعددية القطبية فى عالمنا اليوم أشكالا كثيرة. بداية، ثمة دائما أطراف مزعزعة للوضع القائم. فقد أعادت روسيا الحرب إلى الأراضى الأوروبية، ما أسفر عن تداعيات ألقت بظلالها على حلف شمال الأطلسى (الناتو) والاتحاد الأوروبى. فى غضون ذلك، يرفع وكلاء إيران سقف تهديداتهم وهجماتهم فى منطقة الشرق الأوسط. وتعمل كوريا الشمالية على تعزيز ترسانتها العسكرية. وفى موازاة ذلك، تسعى بلدان أخرى، مثل الصين وتركيا، إلى الاضطلاع بدور أكبر على الساحة الدولية. وختاما، يشهد العالم تحالفات جديدة قائمة على المصالح الاقتصادية تطرح تحديا متناميا على النظام العالمى القائم، مثل توسيع نطاق مجموعة بريكس أخيرا من خلال انضمام دول جديدة إلى عضويتها.
من النتائج التى أفرزتها هذه المعطيات تضاؤل الدور الذى تؤديه المؤسسات الدولية والإقليمية. فقد أصيب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بحالة أشبه بالشلل نتيجة حرب أوكرانيا، منذ أن استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) للاستمرار فى غزوها بحصانة سياسية كاملة، فيما أكسبها تهديدها باستخدام أسلحة نووية تكتيكية هامشا نسبيا للإفلات من العقاب خلال عمليتها العسكرية. وقد اتخذ مجلس أوروبا، حامى مبادئ حقوق الإنسان فى القارة الأوروبية، قرارا بطرد روسيا بعد بدء غزو أوكرانيا، بينما لا تزال تركيا عضوا فى المجلس على الرغم من عدم امتثالها لقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
إذا نظرنا أبعد من السرديات التى تسلط الضوء على تراجع النفوذ الأوروبى فى العالم، أو تركز على «انسحاب» الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى من الشرق الأوسط، ترسم الوقائع على الأرض صورة مغايرة. نذكر فى ما يلى ملاحظات أربع حول الوضع الراهن من منظور أوروبا:
أولا، ألقى الغزو الروسى لأوكرانيا تداعيات واسعة النطاق على عاتق دول الشرق الأوسط وأوروبا. فقد فرض ضرورة إعادة تنظيم إمدادات الغاز والنفط إلى أوروبا بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، فيما ستضع السياسات البيئية «الخضراء» تدريجيا قيودا هيكلية جديدة على الاقتصاد الأوروبى. ومن غير المعروف بعد ما إذا ستتمكن الدول المصدرة للنفط والغاز فى منطقة الخليج أو خارجها مثل الولايات المتحدة والنرويج، من تحقيق المكاسب على المدى الطويل، أم أنها ستتكبد الخسائر نتيجة هذا التغير فى أنماط التجارة.
ثانيا، أسفرت الحرب الدائرة فى غزة منذ تنفيذ حماس هجمات السابع من أكتوبر عن تجميد مسار الاتفاقات الإبراهيمية. وبموازاة ذلك، أدى دور إيران واليمن فى الحرب إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها. وخير مثال على ذلك سياسة حركة أنصار الله، المعروفة بالحوثيين، الرامية إلى عرقلة حركة الملاحة فى البحر الأحمر، ما دفع دولا غربية إلى إطلاق عمليات عسكرية لوقف هجمات الحوثيين. ونتيجة لذلك، ازدادت التهديدات المحدقة بأمن المنطقة.
ثالثا، أقامت تركيا اتفاق شراكة جديد مع روسيا، شمل دفعات مسبقة فى إطار مشروع محطة أكويو النووية التى تملكها وتشغلها روسيا من أجل توليد الطاقة الكهربائية، وتأجيل جزء من مدفوعات أنقرة مقابل واردات الغاز الروسى (بعملة الروبل الروسية لا بالدولار الأمريكى)، وشراء روسيا حصصا فى مصافى النفط التركية حيث يتم تحويل الخام الروسى إلى منتجات نهائية تركية، ما يسمح لموسكو بالالتفاف على العقوبات الغربية. وفى العام 2023، الذى كان عاما انتخابيا فى تركيا، حصلت أنقرة على فوائد مالية ضخمة لقاء تعزيز نفوذ موسكو فى قطاع الطاقة التركى. فى غضون ذلك، تواصل تركيا تبنى سياسة خارجية متمحورة حول الأمن فى الشرق الأوسط، وتحديدا فى سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط، ما يؤدى إلى حالة من الغموض بشأن ما يحمله المستقبل.
ورابعا، لا يزال الانتشار العسكرى الغربى فى الشرق الأوسط واسعا، على عكس الاعتقاد السائد. وبطبيعة الحال، تحتل الولايات المتحدة مركز الصدارة فى هذا الصدد، إذ نشرت عددا كبيرا من قواتها فى جميع أنحاء المنطقة الأوسع، أى فى البحرين وجيبوتى والعراق.
قد تؤثر الأحداث المزعزعة للاستقرار، والأفعال العنيفة، وردود الفعل القوية على الوضع القائم فى المدى القصير، لكنها لا تعنى وحدها التحول إلى نظام عالمى بديل. فالعالم المتعدد الأقطاب سترسم معالمه على الأرجح عوامل عدة منها: التغير فى أنماط التجارة والاستهلاك، ولا سيما فى قطاع الطاقة، لكن انعكاسات ذلك غير معروفة؛ واستمرار الانتشار العسكرى للقوى حيث تكون مصالحها الحيوية معرضة للخطر؛ ونشوء جهات عسكرية جديدة فى الشرق الأوسط ومحيطه؛ وبقاء هيمنة الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى، على المجالات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية والعلمية والمعيارية.
قد يخوض القادة السياسيون فى الشرق الأوسط وأوروبا نقاشا حول الحاجة إلى نظام عالمى بديل، وقد يبدى قادة الشرق الأوسط خيبتهم من عجز الأوروبيين عن حل نزاعات دولية رئيسة. لكن النمط الراهن من الاضطرابات وأعمال العنف والحروب المحدودة لا يبشر بحقبة مشرقة. لضمان هذا المستقبل الواعد، لا بد من اتباع مسار الحوار والدبلوماسية.

النص الأصلى
التعليقات