كسر التابوهات الاقتصادية - محمد مكى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كسر التابوهات الاقتصادية

نشر فى : السبت 26 مارس 2022 - 8:05 م | آخر تحديث : السبت 26 مارس 2022 - 8:05 م

كسرت الحرب الروسية ــ الأوكرانية مجموعة من التابوهات الاقتصادية التى ظل العالم أسيرا لها طوال السنوات العشرين الأخيرة، والتى كانت امتدادا لمفاهيم حاول النظام الرأسمالى العالمى أن يكرسها طوال عقود تالية للحرب العالمية الثانية.
قوانين واتفاقيات ومبادئ عالمية للأسواق وسرية تعاملات البنوك ونظام للمدفوعات العالمية ووصولا إلى غزو الفضاء اقتصاديا كلها انكسرت على واقع المدافع.
قبل خمس سنوات فى اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولى بواشنطن والتى حضرت فعاليتها، كان من ضمن الجلسات المنعقدة فى أكبر محفل اقتصادى عالمى جلسة عن الاعتماد على العملات الرقمية والافتراضية كأداة من أدوات التعامل المالى العالمى فى ظل البحث عن آليات تمويل وتسويات مقاصة عالمية جديدة بجانب الآليات التقليدية «السويفت»، لكن ما أفرزته الحرب الأخيرة والتى أخرجت روسيا من مجالات عالمية متعددة من رياضة واقتصاد وغاز وبترول وبنوك، أكدت أن الثوابت الاقتصادية الراسخة من «منظمات التجارة والتمويل العالمية» قد تهشمت على صخرة الواقع الجديد.
فما صرح به الرئيس الروسى قبل أيام من قصر التعامل المالى والتسويات على الروبل الروسى فى عمليات الاقتصاد، تؤكد أن هناك نظام اقتصادى يتم رسم ملامحه الآن وقد يختلف كثيرا عما قبل، هناك قوى اقتصادية ستصعد أكثر «الخليج» مثلا، وقوى أخرى تكون مضطرة لقبول الجغرافيا الجديدة سواء السياسية أو الاقتصادية.
فى عالم ما بعد أوكرانيا سيكتشف العالم حتمية البحث عن عملة رئيسية بجانب الدولار لتيسير المعاملات الدولية وإدارة الاحتياطيات النقدية واستخدامها فى أنظمة الدفع. وقد دار الحديث عن عمليات تسوية بالعملة اليابانية قبل أيام فى عمليات بيع نفط.
خريطة العالم الاقتصادية الجديدة بعد إطلاق القنابل الروسية جعلت النفط والغاز وحرب العملات وكسر المنافسين وإنهاء سيطرة القطب الواحد واقعا غير قابل للإنكار. فقد نرى نمورا اقتصادية جديدة وتحالفات وتقاربات كانت من المستحيل أن تحدث قبل نيران الحرب.
الملكية الخاصة وما بُنى خلال العقود الماضية من تقديس لسرية الحسابات وأفكار واتفاقيات منظمة التجارة العالمية والتى فتحت أسواق وأغرقت أخرى، وسطوة القوانين الرأسمالية قد تتبدل على خلفية طلقات النيران المشعلة والتى لا يعلم أحد متى تتوقف. فقد يتآكل أجزاء من مفهوم العولمة التى غزت العالم فى العقود الاخيرة.
فالعالم قد يبحث عن نظام مالى عالمى جديد، فى عالم ما بعد الغزو الروسى لأوكرانيا سقط فيه نظام التحويلات المالية الدولى «سويفت» الموصوف بأنه يقف على الحياد وعلى مسافة واحدة من الجميع، ويجعل ما كنا نسمعه من دعوات عن «سويفت عربى وتوطين المال العربى فى المنطقة «ليس ترفا»، مع خلط تام بين كل ما هو سياسى واقتصادى، فليس الدعوة إلى قدسية وعروبة الاقصى معادة للتعاون الاقتصادى العالمى.
للاسف نيران الحرب أكدت أن النظام المالى والاقتصادى فى قلب الأحداث بعد عقود من ترسيخ لمفاهيم أنها بعيدة كل البعد عن أمور السياسة والخلافات بين الدول، فمصادرة الأموال ومعاقبة الشركات حتى من غير الفاعلين سياسيا أكدت على الخلط، وأن العالم لم يصل بعد إلى الاستقلالية الاقتصادية العالمية، بل تكون معاقبة الشركات والأفراد المالية فى الصفوف الأولى من العقاب.
الحرب كشفت أن الفقراء وحدهم من يتحملون تكاليف الحروب البشعة فى صورة غلاء فى المعيشة وقفزات فى الأسعار، فالرئيس الفرنسى أكد على أزمة فى السلع فى منطقتنا فى الفترة القادمة، وما حدث من تحرك قبل أيام داخليا أكد على تلك الموجة الغاضبة من نيران الأسعار وفقدان كثير من الأصول.
الحرب الاخيرة أكدت أن هدم مفاصل الدول لا يكون إلا بتدمير الاقتصاد وإشعال سوق العملات وفرض عقوبات اقتصادية والتى حتما تهدد السلم الاجتماعى وتفقد الهوية الوطنية، فترتيب الأولويات والحفاظ على المقدرات الاقتصادية وما نتميز به طوق نجاة فى عالم تبدلت مبادؤه كثيرا.

التعليقات