أهمية ابتعاد الهيئات الإسلامية (الرسمية والشعبية) عن العمل الحزبى - عبد المنعم أبو الفتوح - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أهمية ابتعاد الهيئات الإسلامية (الرسمية والشعبية) عن العمل الحزبى

نشر فى : الجمعة 26 أغسطس 2011 - 8:22 ص | آخر تحديث : الجمعة 26 أغسطس 2011 - 8:22 ص

 حسنا فعل فضيلة الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر برفضه السماح لعدد من أساتذة جامعة الأزهر بتأسيس حزب يحمل اسم الأزهر الشريف، مبتعدا باسم الأزهر الشريف كأكبر هيئة إسلامية عن الدخول فى التنافس الحزبى على السلطة والاشتباك السياسى حول ما يمكن الاختلاف عليه من فهم ورأى فى العمل العام.

وهو الأمر الذى لو حدث لوضع المجتمع كله فى حالة حيرة شديدة عن الفارق بين ما يمثله رأى الأزهر، الهيئة الإسلامية ذات الرصيد الأكبر لدى الأمة.. وبين رأى أعضاء الحزب.. الأفراد الذين تتنازع اهتماماتهم وتقديراتهم خلفيات معرفية متنوعة وما يترتب على هذه الخلفيات من مواقف واختيارات.

الأمر نفسه يجب أن ينسحب على الهيئات الإسلامية الشعبية والجمعيات الدينية فلا ينبغى ان يمارسوا العمل الحزبى بتطبيقاته المعروفة من تبنى آراء محددة قاطعة والدخول فى الانتخابات والتنافس على السلطة سواء باسمها الصريح المعلن أو باسم آخر.. ولى فى هذا المجال عدة نقاط أحب أن أرصدها وأبرزها:

أولا: هناك فارق بين العمل الحزبى والعمل الدعوى؛ العمل الحزبى له إجراءاته وقواعده فى ضبط علاقة أفراده ببعضها البعض أو فى ضبط علاقة الحزب بالمجتمع، ومعروف أن أهداف الحزب تتمثل أكثر ما تتمثل فى الوصول إلى الحكم وحيازة السلطة من خلال التأثير على الجمهور ودعوته إلى انتخاب أعضائه، والحزب بذلك يدخل فى منافسة مع الآخرين الذين لا يحملون رؤيته ولا يتبعون أفكاره وهى الآراء والأفكار المفتوحة على النقاش والنقد والاتفاق والاختلاف.

والعمل الدعوى هو كل جهد يبذل لنشر الدين والتوعية بقيمه ومبادئه والقيام بمسئوليات التربية والتكوين تجاه الناس.. والتوعية السياسية جزء من التربية الصحيحة فى هذا المدار.. لأن السياسة هى تدبير الشأن العام والقيام بمسئولياته وواجباته ومنطقى بل وضرورى أن يكون القائم بهذا التدبير على درجة عالية من الأخلاق والقيم، لكن لا ينبغى للاثنين ان يتحدثا من على منبر واحد (الدعوى والحزبى).. ويجب التمييز الواضح بين الحالة الدعوية من حيث هى حالة تبشير وتبصير وتبيان لأحكام الدين والحالة الحزبية التى هى تجمع بشرى قائم على الرغبة فى تحقيق مصالح لفئة ما أو مجموعة ما من الناس.

أنا أحد من ينفرون من الجملة التى روجها البعض (استغلال الدين فى السياسة).. والتى أشاعها وحرص على نشرها من لا يحبون الدين وتعاليمه.. فكان أن روجوا لها استنادا لتجارب تاريخية صحيحة وحقيقية ولكن فى سياق لئيم بغرض كما قلت إقصاء الدين عن الحياة..

وهو ما لا يقبله مسلم ولا يرتضيه لنفسه ولا لدينه، لذلك ينبغى علينا كمسلمين حنفاء نرجو إصلاح الدنيا بالدين ان نكون على وعى ودراية وخبرة وذكاء بالحركة فى المساحة بين الاثنين فلا نسمح لمخاصم للدين ومبغض لتعاليمه أن يمسك بذراعى صائحا (أنت تستغل الدين لمصلحتك).

والحكاية التى سأذكرها هى نموذج فج وبدائى لاستغلال الدين فى السياسة.. ويا بعد ما بين الإسلاميين وبين هذه السلوكيات. إذ يحكى أن المفكر المعروف أحمد لطفى السيد قرر أن يخوض الانتخابات البرلمانية فى العهد الملكى تحت شعار الديمقراطية وابتدأ حملته البرلمانية فى منطقته الانتخابية والتى تقع فى السنبلاوين.. كان أحمد لطفى السيد يعيش فى القاهرة يتكلم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وبلغة ولهجة المثقفين وليس بلهجة الأرياف وكان منافسه الانتخابى يعيش فى السنبلاوين ويعرف كيف يفكر الناس فى تلك المنطقة فقال لهم قبل أن يأتى أحمد لطفى السيد من القاهرة يشرح لهم برنامجه الانتخابى: أحمد لطفى السيد ديمقراطى.. هل تعلمون ماذا تعنى ديمقراطى؟ انه يريد اختلاط الرجال بالنساء ويدعو إلى زواج المحارم وكل ما يخالف الدين واسألوه بنفسكم حين يأتى إليكم..

وعندما جاء أحمد لطفى السيد إلى منطقته الانتخابية لم يكذب الناس الخبر إذ سألوه مباشرة (أنت صحيح يا أستاذ زى ما بيقولوا راجل ديمقراطى؟! ولم يكن صاحبنا يعرف أن هناك فرقا كبيرا بين مفهوم الديمقراطية الذى ينادى به ومفهوم الديمقراطية فى أذهانهم كما وصفه منافسه الانتخابى لذا قال لهم: طبعا.. أنا ديمقراطى! وقبل أن يشرح برنامجه انفض عنه الناس وسقط سقوطا شنيعا فى الانتخابات البرلمانية وفاز منافسه..

مما نحلم به لمصرنا الحبيبة.. مستقبلا خاليا من مثل هذه الممارسات.. كان لمنافس أحمد لطفى السيد أن يقول للناس مساوئ الديمقراطية ــ وهى كثيرة بالمناسبة ــ دون أن يكذب ويفترى على الرجل وعلى الدين نفسه.. لكن معرفة الرجل بطبيعة المصريين المعجونة بحبهم للدين.. ومعرفته أيضا ببساطة وعيهم بالتعبيرات السياسية جعلته يدخل لهم من باب الدين هذا المدخل الخبيث.. ولعلنا نذكر الشائعة التى انتشرت وقت الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية عن إلغاء المادة الثانية من الدستور، وكيف كانت الحالة العامة فى المجتمع وقت إجراء الاستفتاء.

ثانيا: السياسة باعتبارها إصلاح الحكم فى الداخل وضبط العلاقة مع العالم الخارجى وفق المصالح والمبادئ العامة للأمة هى جزء من الإسلام الشامل المحقق للحياة الصحيحة، كما أراد لها الحق تبارك وتعالى أن تكون. والدين مهم جدا للسياسة إذ يمنحها بعدا أخلاقيا ينظفها من الدسائس والمؤامرات.. لكن لا ينبغى اعتبار السياسة شأنا دينيا بحتا..

يسرى عليها منطق الأحكام الفقهية سواء فى اللغة المستخدمة أو طريقة المعالجة نفسها، وزج الفقه بأحكامه فى دائرة السياسة المرنة المتغيرة يثير مشكلات (مثل ما حكم مقاطعة الانتخابات أو الاستفتاء أو ما شابه ذلك من اختيارات متغيرة..) وعلينا ان نتذكر هنا أن هناك فرقا بين الفقة والشريعة..

الشريعة وضع ثابت وحاكم وضابط أما الفقه فهو الاجتهاد البشرى فى فهم الشريعة ومن الممكن أن يخطئ أو يصيب وفق قاعدة الاجتهاد المشهورة. والتضارب الذى يحدث أحيانا بين السياسة والفقه.. طبيعى ومتوقع ويقبله الإسلام ويسعه لأن السياسة تدور حسب المصالح وتختلف بناء على تعقيدات الواقع. والسياسة تدخل فى مساحات العفو التى تركها الله للاجتهاد البشرى ولا يصح فيها التوقيع عن الله كما يقول العلماء. ومن المهم هنا ان نفرق بوضوح بين الحكم الشرعى الأصلى وهو مطلق فى حركة الزمان والمكان.. وبين الرأى الفقهى الذى يتناول الحكم الشرعى فى ظرف محدد وواقعة محددة. ولنتذكر دائما أن الله شرع الدين فجعله سمحا سهلا واسعا ولم يجعله ضيقا حرجا.

ثالثا: دور المسجد فى الحياة العامة شديد الأهمية فإذا كانت الحياة تفرق الناس فإن المسجد يجمعهم ويقربهم لبعضهم البعض بما يقلل الفردية والأنانية والسلبية والانعزال. وصلاة الجمعة مظهر عميق من مظاهر الوحدة الاجتماعية، واكتسب المسجد خلال الفترة الماضية دورا كبيرا.. خاصة مع الغياب القسرى لمؤسسات المجتمع المدنى بغرض إضعاف المجتمع وتفكيكه أمام جبروت الدولة وسطوتها..

وقد رأينا كيف كانت (الجُمَع) علامات فى طريق الحرية والخلاص وهذا طبيعى فى مجتمع هذا هو دينه وهذه هى ثقافته بل من المعيب أن يتم تغييب هذه الثقافة عن التحقق فى واقع الناس الاجتماعى والسياسى.

وليس من الإسلام منع المنابر من الحديث فى السياسة بمعناها الأوسع الذى يتناول الشأن العام.. يقول بعض العلماء إن خطبة الجمعة فى حد ذاتها (رسالة سياسية).. والشأن العام رعاية وتدبير وإصلاح يقوم على أسس وقواعد متينة كلها مرتبطة بالركيزة الأساسية فى جدلية الصواب والخطأ فى وعى الإنسان المسلم وهى (رقابة الله).

أنت تتحدث عن الأمانة بمنطقها وتطبيقها الفسيح فى كل مجالات الحياة اليومية.. أنت تتحدث عن الإخلاص والضمير فى حضور القانون وغياب القانون.. انت تتحدث عن القوة والكفاءة بكل ما يحمله الإحساس الإنسانى العميق من دور ومسئولية وواجب.

وغيرها من الموضوعات التى تكون الشأن الإنسانى العام فى التدبير والرعاية.. هذا الحديث من صميم السياسة ومن صميم الرسالة الأساسية للمسجد.. وإذا كان الأمر كذلك فى حقيقته وواقعه فإن الأمور تقدر بقدرها وتوزن بوزنها والحكمة التى من أوتيها فقد أوتى خيرا كثيرا هى (وضع الشىء فى محله).. وهو ما يستلزم منا ان ندرك ان المسجد وإن كانت هذه رسالته وتلك مهمته فلا يجب ان يكون (مقرا حزبيا) يدعو لحزب أو جماعة أو فصيل ولا يجب أبدا ان يكون خصما فى الحياة العامة لطرف من الأطراف.. وعليه فحديث المنبر وإن كان حديثا سياسيا فى بعض منه إلا أنه لا يمكن ان يكون حزبيا ينصر رأيًا على رأى.. أو رؤية على رؤية فى نطاق الاجتهاد البشرى المفتوح على الاختلاف والتنوع.

أقول هذا وأنا أعلم أن إخواننا الليبراليين لديهم حساسية مفرطة من المنبر والمسجد ودورهما فى الشأن العام. وإذ أقر ما ذكرته سابقا فلا ينبغى على أصحاب الرأى أن ينسوا الثقافة العامة لمجتمع هذا دينه وهذه حضارته. لا يمكن تغييب الدور الاجتماعى والعلمى والسياسى للمسجد، فى الوقت نفسه لا ينبغى للمسجد أن يكون طرفا مباشرا فى العمل الحزبى والسياسى بما يؤثر على وجدان الناس وشعورهم انطلاقا من الثقة التى يمنحونها للمنبر وخطيبه.

هذه بعض النقاط أردت أن أسجلها استلهاما من موقف فضيلة شيخ الجامع الأزهر.. حرصا منه على ان يكون الأزهر صرحا دينيا يقف فى مركز المجتمع ومنتصفه من حيث كونه مرجعية لعموم الأمة ومن حيث كونه على مسافة واحدة من الاختلافات التى تدور فى حركة المجتمع وتطوره.

وإذا كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول أهل الأصول.. فإن هذا الموقف ينبغى أن ينسحب على الهيئات الإسلامية الشعبية التى يجب عليها ــ خاصة فى الفترة المقبلة التى تشكل بدايات تكوين الوعى الصحيح بحقائق الأمور ــ يجب عليها أن تنأى بنفسها وبرسالتها عن المنافسة الحزبية المباشرة.. وتكون بمثابة الضمير العام للمجتمع الذى إليه يلجأ الفرقاء وإليه يحتكم المختلفون. وهو الأمر الذى من شأنه أن يحقق أمرين على درجة كبيرة من الأهمية..

الأمر الأول: التأكيد على الدور الإصلاحى الذى يتحرك فى مدارات التربية والأخلاق التى بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لتتميمها. وهو الدور الأهم على الاطلاق فى عملية البناء الحضارى والنهضة المنشودة.. الأمر الثانى: نشر المظلة الإسلامية فوق كل الرءوس المختلفة والمتفقة وهو الأمر الذى من خلاله يتحقق الدور المركزى لفاعلية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى نشر (النور) الذى جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) فيضىء الطريق لرؤية كل حقائق الحياة ومكوناتها على وجهها الصحيح الكامل الوضوح. وفى الوقت نفسه فى إظهار بشاعة الانحراف والزيغ والخروج عن جادة الطريق. وهنا يعنينى أن أؤكد أن الإسلام لا يعرف الفصل بين مكونات الحياة المتنوعة لكنه يحض على التمييز فى الحركة بها للارتقاء بالإنسان.. وهو التمييز الذى ازدادت الحاجة إليه مع تطور الحياة البشرية.

التعليقات